المؤمنة ورضوان الله

منذ 2014-04-01

تمضي المؤمنة عمرها في طاعة ربها سبحانه وتعالى، وتنتظر الثواب من رب رحيم لا يظلم مثقال ذرة، وحينما تلقاه تجده ربًا كريمًا شكورًا غفورًا أعطاها على القليل الكثير وتجاوز عن سيئاتها وسترها وأدخلها الجنة جزاء ما علمت من خير، قال سبحانه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72].

تمضي المؤمنة عمرها في طاعة ربها سبحانه وتعالى، وتنتظر الثواب من رب رحيم لا يظلم مثقال ذرة، وحينما تلقاه تجده ربًا كريمًا شكورًا غفورًا أعطاها على القليل الكثير وتجاوز عن سيئاتها وسترها وأدخلها الجنة جزاء ما علمت من خير، قال سبحانه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72].

فتجتني ثمارها وتشرب ماءها وعسلها وخمرها ولبنها وتأكل ما لذ وطاب من فواكه ولحوم وسائر أصناف المأكولات وباختصار لها فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر تتصور أن لا أعلى ولا أكمل من النعيم التي هي فيه ويصور لنا الحديث الآتي مشهد ذلك، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا».

فرضوان الله أكبر وأجل وأعظم من نعيم الجنة؛ لِأَنَّه سَبَبُ كُلِّ فَوْزٍ وَسَعَادَةٍ وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ سَيِّدَهُ رَاضٍ عَنْهُ كَانَ أَقَرَّ لَعَيْنِهِ وَأَطْيَبَ لِقَلْبِهِ مِنْ كُلِّ نَعِيمٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ، قال سبحانه: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72]. ومعنى قوله: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ} أي: ورضا الله، وهو مصدر من قول القائل: "رَضي الله عن فلان فهو يَرْضى عنه رضًى ورِضْوانًا ورُضْوانًا ومَرْضاةً".

 

وفي هذه المقالة أبين بعض أسباب تتوصل بها الأخت المسلمة إلى رضوان الله تعالى:

السبب الأول: الإيمان:

إذ قد وعد الله سبحانه المؤمنين والمؤمنات جزاء إيمانهم الجنة ورضوانه، فقال تعالى: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72]، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207].

 

السبب الثاني: الإنفاق في وجوه البر:

ولا شك أنكِ تعلمين أيتها الأخت المسلمة منزلة هذا الإنفاق الذي ضرب المولى جل وعلا له مثلاً رائعًا حيث شبه إنفاق المؤمن في وجوه الخير ببستان في ربوة مرتفعة إن أصابها المطر الغزير جاء ثمرها كثيرًا وآتت ثمرها ضعفين وإن لم يوجد المطر فأصابها الرذاذ المسمى بالطل فستؤتي من الثمر بقدره؛ وكذلك عملكِ أيتها المؤمنة ومنه الإنفاق- يتقبله المولى جل في علاه وينميه ويثمره، ويكون سبباً في مرضاته قال سبحانه: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:265]، ووجه الدلالة من الآية، واضح فهم أنفقوا ليرضى الله عنهم.

 

السبب الثالث: تقوى الله تعالى:

وحقيقتها: فعل المأمور به والمندوب إليه واجتناب المنهيّ عنه والمكروه المنزّه عنه لأنّ المراد منها وقاية العبد نفسه من النّار وهو إنّما يقي نفسه من النّار بما ذكر، وثواب المتقين من الرجال والنساء على حد سواء خير من شهوات الدنيا وملذاتها من مآكل ومشارب ومناكح وأموال وبنين وهذا الثواب هو الجنة وأعلى منه رضوان الله تعالى وتأملي أيتها المسلمة هاتين الآيتين لتجدي صحة ما أقوله لكِ؛ قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ . قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:14- 15].

 

السبب الرابع: الأمر بالمعروف:

ولعظيم منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله سبباً لنيل مرضاته فقال: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]، ومثله الأمر بالصدقة، والإصلاح بين الناس.

 

السبب الخامس: الإصلاح بين الناس:

ودليل كونه سبباً الآية السابقة وأفردته لأهميته ولعظيم أثره في ترابط المجتمع وقوة الأخوة وشد بنيان المؤمنين أجاز فيه نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام الكذب الذي نفى أن يكون المؤمن كذابًا إلا في ثلاثة مواطن منها الإصلاح بين الناس ففي حديث أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".

 

السبب السادس: الصدق:

فمن عاشت صادقة متحرية للصدق ولو ظنت فيه الهلكة فإنه سينفعها في حياتها الدنيوية فتعيش مكرمة بين بنات جنسها لا يتطرق لحديثها الشكوك والأوهام كما هو حال حديث الكاذبات منهن، وسينفعها أيضًا يوم لا ينفع مال و لا بنون ويكون سبباً لرضوان الله –تعالى- عنها قال سبحانه: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119] فالزمي الصدق وإياكِ والكذب فإنه من أقبح الخصال وسيئ الأخلاق.

 

السبب السابع: اتباع السلف بإحسان:

ولا أريد أن أبين هنا فضل اتباع منهج السلف، فيكفينا أنه سبب لرضوان الله تعالى حيث قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، فكل من أحسن اتباع منهجهم فهو سالك سبيل الرضوان.

 

السبب الثامن: العمل الصالح:

فالحرص على صلاح العمل من خصائص من تريد رضوان الله تعالى، ومعنى صلاح العمل كونه خالصاً لوجه الله تعالى ووفق السنة، فشرطا قبوله وصلاحه الإخلاص والمتابعة، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:7-8].

 

السبب التاسع: كثرة الصلاة:

وهذا وصف الصحابة الكرام رضي الله عنهم استحقوا به رضوان ربهم جل في علاه حيث قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29].

فوَصَفَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ، وَوَصَفَهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِيهَا لِلَّهِ عز وجل، وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ اللَّهِ جَزِيلَ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَهُوَ سَعَةُ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ، وَرِضَاهُ تعالى عَنْهُمْ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ:72]. فهلاَّ كنتِ أيتها المؤمنة مقتدية بهم لتنالي رضوان الكبير المتعال!

 

السبب العاشر: السواك:

فهو سنة نبوية تزيل الأوساخ من الأسنان وتطيب رائحة فمكِ، وترضي عنكِ ربكِ سبحانه، ففي حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» (صحيح الجامع: [3695]). ولكِ أن تتأملي أن راوية الحديث هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأحب نسائه إليه، وفي هذا لطيفة هي أن من أحق الناس بتطبيق هذه السنة هما الزوجان إذ لا أحد يقرب من الآخر قرب الزوجين أحدهما من زوجه، ولذلك كان قدوتنا عليه السلام أول ما يبدأ به حينما يدخل على زوجاته السواك؛ فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: "بِالسِّوَاكِ".

وفي الختام: فإن القاعدة الضابطة لهذا الموضوع هي: أن فعل كل مأمور به سواء كان واجباً أو مستحباً فهو سبب موصل لرضوان الله تعالى، وأخص من هذا العموم أن كل فعل جعله الشارع الحكيم سبباً لدخول الجنة فهو سبب لنيل الرضوان، والله أعلم.

 

[1] صحيح البخاري (8/ 114).

[2] انظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 422).

[3] تفسير الطبري (6/ 262).

[4] انظر: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (4/ 1080).

[5] صحيح مسلم (4/ 2011).

[6] تفسير ابن كثير (7/ 361).

[7] صحيح مسلم (1/ 220).

[8] سنن النسائي (1/ 10).

 

ناصر أحمد العاهمي

  • 0
  • 0
  • 5,933

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً