إن إبراهيم كان أمة - (7) إبراهيم وهاجر وولدهما إسماعيل عليهم السلام

منذ 2014-04-03

بعد المحنة العصيبة التي تعرض لها إبراهيم عليه السلام وزوجته السيدة سارة مع هذا الجبار.. عاد إبراهيم عليه السلام مرة أخرى إلى بلاد الشام وأرض بيت المقدس واستقر فيها. ولما رأت السيدة سارة رجاء إبراهيم عليه السلام أن يكون له ولد، وهبته خادمتها هاجر التي أعطاها إياها هذا الملك ليتسرى بها لعلها تنجب له الولد الذي يتمناه.

وما هي إلى أشهر قليلة حتى رزقه الله سبحانه وتعالى الولد من هاجر.. فكان إسماعيل عليه السلام قرة عين لإبراهيم عليه السلام وفرح به أشد الفرح.. ولكن الغيرة دبت في قلب السيدة سارة شأنها شأن أي امرأة أخرى.. فغارت من هاجر ومن حب إبراهيم لولده إسماعيل.. فأراد الله سبحانه أن ينزع تلك الغيرة من قلبها فأوحى إلى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر ورضيعها إسماعيل وأن يتركهم في مكة.. وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى..

فأخذ إبراهيم عليه السلام هاجر وولدها ثم تركهم في مكة حيث لا إنس ولا وحش ولا طير ولا زرع ولا ماء بل صحراء جرداء وجبال شاهقة والشمس بوهجها تكاد تخطف الأبصار.. ثم تركهم وهمَّ بالذهاب.. فلما رأته السيدة هاجر يذهب استوقفته واستغربت من فعله وسألته باستنكار كيف يتركهم في هذه الأرض الموحشة؟؟ فلم يرد عليها إبراهيم عليه السلام.. وهنا فطنت السيدة هاجر إلى أن هذا الفعل إنما هو أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه.. فرضيت بقضاء الله تعالى وأيقنت أنه لن يضيعها هي ولا رضيعها.. فتركته يذهب وبقيت هي في هذه الأرض المقفرة. ودعا إبراهيم عليه السلام ربه بكلمات رقيقة؛ قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].

وبعد ساعات قليلة من رحيل إبراهيم عليه السلام نفد الماء والطعام الذي كان معها.. فقامت تبحث عن مخلوق في هذه الأرض أو زرع أو عين للماء.. فأخذ تجري هنا وهناك ويمينًا ويسارًا في محاولة لإيجاد أي شيء.. صعدت على جبل الصفا وأخذت تنظر من عليه علَّها تجد شيئًا.. ولم تجد، هبطت من عليه وصعدت على جبل المروة وأخذت تنظر حولها فلم تجد شيئًا.. وأخذت تكرر ذلك الأمر سبع مرات دون جدوى.. سبع مرات تجري كل هذه المسافة تحت أشعة الشمس الملتهبة وفوق تلك الرمال المحرقة!! وعند ذلك.. بعث الله سبحانه وتعالى مَلَكًا ليفجر عينًا من الماء تحت قدمي إسماعيل عليه السلام ليرتوي هو وأمه وليصدق دعوة إبراهيم عليه السلام {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ}.

فلما رأت السيدة هاجر هذا الماء فرجت فرحًا شديدًا وأخذت تجمع التراب حوله خوفًا من أن يذهب سدىً وأخذت تقول: زمزم.. وهي عبارة من عادات قبيلتها كانت تُقال عندما يشتغلون بأمر ما وكأنها تنشد.. ومن هنا سُميت بماء زمزم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عينًا معينًا» (رواه البخاري). وبشَّرها هذا المَلك بأن بيت الله الحرام سيُبنى في هذا المكان عن طريق ولدها وأبوه، وأن الله لن يضيعهم أبدًا لأنهم أهل بيته الحرام.

وقد وردت هذه القصة بتمامها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ؛ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ. ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ؛ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُ: أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ. فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: {رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتى بلغ {يَشْكُرُونَ}. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ. فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا. قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ...» (البخاري: [3364]).

سدرة المُنتهى

  • 174
  • 15
  • 547,523
المقال السابق
(6) هجرة إبراهيم عليه السلام
المقال التالي
(8) الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام وفداؤه بالكبش

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً