المراهقة الإيمانية

منذ 2014-04-04

العلم الناضج يقود حتمًا إلى الإيمان والتسليم لخالق الكون الله عز وجل، أما العلم الناقص فهو يغر الإنسان بأوهام واهية أنه استغنى عن الإله على مستوى العقيدة وعلى مستوى الواقع العملي وهذه هي المراهقة الإيمانية التي ما يلبث أن يفيق منها المجتمع (أو الإنسان) الرشيد العاقل.

ما هي المراهقة؟

إن الطفل الصغير يعتمد على أهله ووسطه في كل شيء حتى في وسائل الحياة الأولية من مطعم ومشرب، ثم ما يلبث هذا الطفل بضع سنوات حتى يدخل في طور المراهقة. وهذا الطور العمري يتميز بحب الاستقلالية والنظر للمساعدات الخارجية على أنها قيود وحب التمرد عليها حتى لو كانت في مصلحته. ثم ما يلبث هذا المراهق قليلًا أو كثيرًا أن يتحول إلى درجة النضوج التي يعتمد فيها على نفسه ولا ينكر حاجته للآخرين فيساعد الآخرين ويطلب منهم المساعدة في نفس الآن ويزول عنه صلف وغرور المراهق المتمرد حتى على مصلحته والمعتقد أن زمام كل الأمور في يديه.

 

المراهقة الإيمانية:

إن طفولة الحضارة الإنسانية (وكذا الإنسان المفرد) هي في الاعتقاد بأنه لا شيء يخضع لقانون العلة وإنما تخضع الأشياء كلها لقوى عظمى هي قوى الآلهة أو الأرواح الطيبة والشريرة التي تتحكم في الكون بشكل عبثي حسب تخيله. ولكن عندما امتلك الجنس البشري شيئًا من أسباب العلم المادي، استطاع أن يكتشف بعض القوانين التي تسير هذا الكون فاعتقد واهمًا شيئين:

1- أنه استغنى عن فكرة الإله الذي يسير الكون لأنه اكتشف بديلًا له وهي العلاقات والقوانين التي (تحكم) الظواهر الطبيعية.

2- أنه امتلك علم الغيب بقوانينه مما دفع العالم الشهير لابلاس أن يتجرأ ويقول: "أعطني الوضع الحالي للكون أخبرك مستقبله ونهايته".

وهذه هي بعينها المراهقة الإيمانية حيث سيطر على الإنسان إحساس رغبة التميز والاستقلال عن خالقه بحيث يظن أنه غير محتاج إليه. ولكن العلم عندما تقدم بالإنسانية وتقدمت به الإنسانية أثبت مُحرجًا المتبجحين به أن كلا الظنين المذكورين أعلاه فاسدان؛ً فقد أثبت العقل والعلم أن دور الإله هو خلق ونظم القوانين التي تسير الكون فلا يعقل أن تتألف تلك القوانين وتنتظم صيغها وثوابتها الفيزيائية بدون مدبر حكيم صاغ تلك القوانين حتى يسير الكون كله في حالة من التناغم التام مع نفسه بدون أقل خطأ. وهذا ما أدى إلى الحفاظ على خلق الحياة وتهيئة الظروف الخالصة جدًا لاستمرار ذلك الخلق.

وجاءت ميكانيكا الكم وانتصاراتها المذهلة في مجال العلم التجريبي والنظري لتثبت للإنسان عجزه التام عن توقع سلوك الجسيمات الأولية على وجه اليقين، وبالتالي أثبتت عجزه التام عن توقع سلوك ومستقبل المخلوقات المعقدة كالمخلوقات الحية كما أثبتت ميكانيكا الكم عجز الإنسان من جهة المبدأ أن يعرف معلومات عن الكون أكثر من المسموح له أن يعرفها (مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج ومبدأ عدم كمال الرياضيات لجودل).

وعندما وقف العلماء المعاصرون أمام هذه الحقائق وجدوا أن وجود قوانين الطبيعة لا تلغي أبدًا عقيدة وجود الإله العظيم الخالق والمدبر للكون بل تثبتها وتؤكدها حيث أنهم اكتشفوا أن هذا الكون مبني على نظام رياضي محكم يستحيل أن يقوم على خبط عشواء أو صدف مظلمة، فقد فوجئوا بالإضافة إلى استنتاجات ميكانيكا الكم بنظرية الانفجار العظيم التي تؤكد أن للكون بداية وأنه طالما وُجدت البداية فقد تحتم عقليا وجود المبدئ. وهذا ما أسميه النضج الإيماني وهو أن يعود الإنسان إلى رشده ويعرف حجمه الحقيقي كلما ازداد علماً بالكون.

 

الاستنتاج:

العلم الناضج يقود حتمًا إلى الإيمان والتسليم لخالق الكون الله عز وجل، أما العلم الناقص فهو يغر الإنسان بأوهام واهية أنه استغنى عن الإله على مستوى العقيدة وعلى مستوى الواقع العملي وهذه هي المراهقة الإيمانية التي ما يلبث أن يفيق منها المجتمع (أو الإنسان) الرشيد العاقل. والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,688

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً