إن إبراهيم كان أمة - (13) صفة إبراهيم عليه السلام وبعض فضائله

منذ 2014-04-04

- صفة إبراهيم عليه السلام:

كان إبراهيم عليه السلام أقرب شبهًا برسول الله مُحمد صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنْ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ -يَعْنِي نَفْسَه-ُ وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دَحْيَةُ» (رواه مسلم).

 

- رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لإبراهيم عليه السلام:

في رحلة الإسراء والمعراج قابل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام في السماء السابعة وكان يُسند ظهره إلى البيت المعمور. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ» (رواه مسلم).

 

- إبراهيم عليه السلام أول من يُكسى يوم القيامة:

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام». "وذكر العلماء أن تقديم إبراهيم على غيره بالكسوة في يوم القيامة، لأنه لم يكن في الأولين والآخرين أخوف لله منه، فتعجل له الكسوة أماناً له ليطمئن قلبه، ويحتمل لأنه -كما جاء في الحديث- أول من لبس السراويل إذا صلى مبالغة في التستر وحفظًا لفرجه من أن يماسَّ مصلاه، ففعل ما أمر به، فجزي بذلك أن يكون أول من يُستر يوم القيامة، ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه، ونزعوا ثيابه على أعين الناس، كمن يفعل بمن يراد قتله، فجزي بكسوته في يوم القيامة أول الناس على رؤوس الأشهاد، وهذا أحسنها" (قاله القرطبي في التذكرة).

 

- جملة من فضائل إبراهيم عليه السلام وثناء الله عليه:

أثنى الله سبحانه وتعالى على نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام في كثير من الآيات، وكذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبيه إبراهيم في الحديث الذي رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام». وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو لون من تواضعه ومن مديحه لأبيه إبراهيم، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأفضل الخلق على الإطلاق.

 

قال تعالى مُنَبِّهًا على شرف إبراهيم خليله عليه السلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يُقتدى به في التوحيد، حيث قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي وأداها على أحسن وجه؛ {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]. فأتم إبراهيم عليه السلام ما ابتلاه الله به، وأكمله ووفاه كما قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، "فشكر الله له ذلك، ولم يزل الله شكورًا فجعله الله إمامًا للناس يقتدون به في الهدى ويمشون خلفه إلى سعادتهم الأبدية، وبذلك يحصل له الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد. وهذه -لعمر الله- أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمر إليه العاملون، وأكمل حالة حصَّلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل صديق متبع لهم، داع إلى الله وإلى سبيله" (تفسير السعدي).

 

وقال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120- 123]. وفي هذه الآيات جمع الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام أطراف الخير كله ووصفه بجملة من الصفات الحميدة والمناقب الفاضلة؛ حيث وصفه بأنه كان أمة أي جامعًا للخير وإمامً يُقتدى به في الطاعات، ووصفه بأنه كان قانتًا لله مُطيعًا له؛ خاضعًا لأوامره ونواهيه، ووصفه بأنه كان حنيفًا مائلًا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، ووصفه كذلك بأنه مُنزه عن الشرك،، ووصفه بالشكر لنعم الله والاعتراف بفضل الله، ووصفه بأنه ممن اختارهم الله سبحانه لحمل رسالته، ووصفه بأنه من الذين هدوا إلى الصراط المستقيم، ووصفه بأنه من السعداء في الدنيا والآخرة.

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها من أجمع الآيات التي وصفت سيدنا لإبراهيم عليه السلام بأفضل الصفات، وأكمل المناقب، وأكرم الأخلاق.

سدرة المُنتهى

  • 42
  • 6
  • 162,334
المقال السابق
(12) إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة
المقال التالي
(14) بعض الدروس المستفادة من حياة نبي الله إبراهيم عليه السلام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً