أنين الجراح ... قصة من الشيشان ..

منذ 2007-11-05

فك أزرار ثوبه بعصبية .. شعر بهم يحيط بشريان قلبه النابض ، وكأنه حبل من الضيق التف على الفؤاد وضغط بشدة ليحبس عنه الهواء .. شعر باختناق يحاصر أنفاسه الجياشة المتلاحقة .. توجه نحو النافذة ووقف لحظات ليستنشق نسيماً بارداً يخفف به ثقلاً جثم على صدره وأصابه بدوار ..

تنهد بعمق وهو يرمق الأشجار التي ارتدت حلة بيضاء مزركشة من الثلوج التي غطت القمم الشامخة بالقرب من أروس مارتان ..

هز رأسه وهو يشاهد أعمدة من الدخان الأسود الذي بدأ يغطي الأفق ..

- هجوم آخر .. أي وحشية هذه ؟!

شعر بهواء بارد يتسلل عبر النافذة بخفة ويداعب جسده الدافئ .. سارع إلى إغلاق النافذة خوفاً على مرضاه ..

التفت إلى الخلف ثانية ليشاهد تلك الجراح الغائرة ..

أصابه الامتعاض .. تمتم بأسى ..

- إلى متى ؟!

مشى ببطء نحو الأسرة الخشبية المهترئة .. نظر بعينين ذابلتين إلى الجرحى وهم يئنون من شدة الألم ..

غشيته سحابة من الكآبة المظلمة فكاد يهوي لولا أنه تماسك واتكأ على حافة الطاولة ..

- أيعقل هذا ..؟ أيهبط الإنسان إلى هذه الدركة ..

أطرق ملياً وقد تملكته الحيرة ..

مد يده إلى الخزانة الصغيرة على الطاولة .. فتح مصراعيها الصغيرين ..

بعثر ما بها من أوراق وعلب فارغة ..

- لا يمكن .. !! أي ضنك هذا ؟!!

عاد إلى النافذة لينظر إلى الأفق من جديد ..

لم يعد يشعر ببرد الهواء الثلجي الداهم ..

جحظت عيناه وتسمرتا وهو يشاهد سحب الدخان وقد امتدت لتغطي الأفق الذي طغت عليه حلكة السواد ..

- هل سيأتي آخرون ؟! .. ولكن ماذا يمكنني أن أفعل ؟!

كان المستشفى يعج بالمصابين .. وكانت الحالات حرجة ..

بالأمس توفي ستة متأثرين بجراح غائرة .. ربما كان بالإمكان معالجتهم لو وُجد الدواء..

سمع صراخاً بالباب قطع عليه حبل تفكيره ..

أغلق النافذة وانفتل بسرعة ..

هرع لينظر ما الخبر ..

- آآه .. امرأة أخرى .. يا إلهي !!

دخل رجلان يحملان امرأة جريحة أصيبت في يدها وساقها ..

- أرجوك أيها الطبيب .. عجل بالعلاج فحالتها حرجة ..

هز رأسه وهو يتمتم ..

- لا حول ولا قوة إلا بالله ..

نظر إلى أصابعها المتهتكة .. رأى الدماء تغطي يدها .. تأمل ساقها التي تحولت إلى مسحوق من اللحم والعظم ..

كادت الدموع تتسلل من بين جفنيه .. أشاح بوجهه ومسحها بكمه ..

جعل يعالجها بما تبقى من المطهرات والمسكنات .. أمسك بقطعة قماش مزقها من قميص بجانبه .. لفها على الجراح النازفة .. صرخت المرأة .. ضغطت على أسنانها بقوة .. شهقت ثم أغمي عليها ..

- ماذا حصل أيها الطبيب .. ؟

لوّح بيده وقد احتبست الكلمات في فمه ..

- المعذرة .. هذا ما لدي من الدواء .. !!

يصاب الرجلان بالوجوم ..

- أيمكن أن تشفى بهذا ؟!

- الشفاء من عند الله ..

- ونعم بالله .. ولكن .. هل نستطيع نقلها لمستشفى آخر ؟!

ينظر إليهما باستغراب ..

- وأي مستشفى هذا الذي تتكلمون عنه .. ؟! في غروزني أم آرغون .. ؟ قد تفقدان حياتكما إذا حاولتما الوصول إلى هناك !!

- ولكن ما الحل ؟

- الصبر ..

يطأطئان برأسيهما .. يبدو عليهما الحزن الشديد ..

ضجة ممزوجة بالأنين تخترق السكون ..

يهرع الطبيب نحو الباب على عجل .. يشعر بألم .. يتمنى لو ابتلعته الأرض قبل أن يواجه هذا المأزق ..

- جريح آخر .. !!

يتقدم منه شيخ عجوز .. ينظر إليه والأسى يعتصر قلبه ..

- إنه حفيدي .. أصابته شظية برأسه .. يكشف عن الجسد المسجى ..

ينحني الطبيب لفحصه .. يتحسس جسده ..

- إن جسده بارد ..

يفحص نبضه ..

ينظر إلى العجوز بإشفاق ..

- إنه ميت .. !!

يصاب العجوز بالذهول ..

- ميت .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..

- يحمله والدموع تسيل على وجنتيه ..

ينهض الطبيب ويتابع العجوز بنظرات كسيرة ..

- إنا لله وإنا إليه راجعون ..

يسرع إلى المرضى بالداخل ..

تصرخ المرأة المصابة ..

يهرع الرجلان نحوها ..

يهدئان من روعها ..

تصرخ بألم وحرقة ..

ينظران إلى الطبيب ..

- أما في المستشفى أحد سواك ؟!

- كلا ..

- مستشفى وطبيب .. وبلا دواء !!

- أنتظر وصول الدواء منذ مدة .. ولكن ..

- ولكن ماذا ؟!

- سرقه الجنود الروس !!

- ماذا ؟

تفور الدماء في عروقهما ..

- حتى الدواء ..

يهز رأسه بالموافقة ..

- حتى الدواء .. !!

يسمعون صوت سيارة في الخارج ..

يهرع الطبيب لينظر من القادم ..

يتأمل السيارة ..

- إنها سيارة إسعاف ..

يترجل منها شخص يرتدي ثوباً أبيض .. يحمل حقيبة كبيرة .. !!

ينظر إلى يديه ..

تنفرج أساريره ..

- الحمد لله .. يتوجه إلى السيارة بسرعة ..

يعانق الطبيب الضيف .. يستحثه على الدخول بسرعة ..

يفتح الحقيبة فيجد كمية لا باس بها من الأدوية ..

يشرعان بعلاج المرضى بهمة ونشاط ..

يجريان عملية جراحية سريعة للمرأة المصابة ..

- الحمد لله .. أدركناها قبل فوات الأوان ..

يشعر الرجلان براحة لإنقاذ قريبتهما ..

ينظر الطبيب الضيف إلى صاحبه ..

- أرى على وجهك التعب والإرهاق ..

يتنهد بعمق ..

- وكيف لا والحال كما ترى ..

- حسناً .. ألديك طعام نقدمه للمريضة ؟!

يتغير لونه .. يشعر بكآبة تجتاحه من جديد ..

- طعام .. كلا ..

يقف الطبيب الضيف مذهولاً ..

- لا يوجد طعام .. !!

- نعم .. حتى للأطباء .. !!

- أليس لديك طعام تأكله .. ؟!

يقف وقد تملكته الحيرة ..

- لم آكل شيئاً منذ يومين !!

  • 12
  • 0
  • 8,428
  • الطموح

      منذ
    [[أعجبني:]] تطبيق الايمان بالله على حذافيره
  • محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] و الله إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع و إنا على ما يحدث للمسلمين لمحزونون. اللهم اربط على قلوبهم و ثبت الأرض من تحت أقدامهم و انصرهم على عدوهم ووحد صفهم يا رب العالمين و أعنا على نصرتهم و مد يد العون لهم يا أكرم من دعي و يا من لا يحمد على مكروه سواه.
  • Islam

      منذ
    [[أعجبني:]] الاهتمام بالقضية
  • أبو أحمد

      منذ
    [[أعجبني:]] المقالة تدمي القلب وتدمع العين كان الله في عونهم أقول للمسلمين وخاصة من يتبارون في الإسراف فقد سمعنا أن أميرا عربيا إشترى طائرة (القصر الطائر) بملايين الدولارات وإخواننا المسلمين لا يجدون الدواء ولا الطعام أليس هذا قمة التجبر
  • اشرف رمزى

      منذ
    [[أعجبني:]] اللهم اهدى شباب المسلمين
  • عبد الله

      منذ
    [[أعجبني:]] والله لولا الظالين الدكتاتورين لخرجنا للجهاد نسأل الله لإخواننافى الشيشان الصبر وأن يعجل لهم النصر
  • حسن

      منذ
    [[أعجبني:]] تذكيرنا بأهلبنا في الشيشان بعد ما أعمتنا الغفلة! [[لم يعجبني:]] موت القلوب وتحجرها و قسوتها كما قال الله تعالى عن بني إسرائيل : ((ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة))البقرة. إن لله و إن إليه راجعون, صدق من قال من المشايخ الصادقين أن الجهاد منذ أن سقط شبر من بلاد المسلمين صار فرض عين على الأمة أن تعيده و إلا أثمة الأمة كلها لتركها هذا الواجب, ولكن لقد أسمعت لو ناديتا حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي. أحبابي أنا أعترف أنا أولكم ضعيف ولا أقدر على شيئ و لكن عندنارب على كل شيئ قدير رجاء اجتهدوا بالدعاء لإخوانكم في كل مكان, و أنا أقسم لكم أني مع كل أذان عند قول المؤذن الله أكبر ادعو للمجاهدين بالنصر - وهذا من باب التحديث بنعمة الله لا الرياء والله أعلم بالنيات - فرفعوا معي الدعاء في كل وقت للمسلمين و المجاهدين. اللهم إنهم جياع فاطعمهم, مرضى فشافهم, عرايا فكسهم اللهم عليك بأعداء الأمة في كل مكان اللهم عليك بالمنافقين بالداخل. اللهم آمين, والحمدلله رب العالمين
  • محمد فواز

      منذ
    [[أعجبني:]] صدق الحوار
  • أبو عبدالله

      منذ
    [[أعجبني:]] تمضي الأيام والسنين واخواننا يقتلون ويذبحون في كل مكان...فمتي تصحو الأمة ومتي تجتمع لتحارب تحت راية واحدة. اللهم أجمع شتاتنا ...فالقلب ينزف حتي باتت جراحه دائمة اللهم ردنا اليك ردا جميلا وأيقظ قلوبنا وثبتنا علي دينك وعلي طاعتك وأنصر بنا دينك يارب العالمين
  • البنت المسلمة

      منذ
    [[أعجبني:]] عذرا اخواننا لا تلومنا فقد ماتت قلوب حكامنا لا حول ولا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله منذ طفولتى وانا اسمع ارى مأسى الشيشان وافغانستان الى متى الى متى انا لله وانا اليه راجعون لكم الله وعذرا اخواننالكم الله حسبكم الله هو وحدة ونعم الوكيل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً