إبليس في أنابوليس

منذ 2007-11-14

من عجائب سياسة إبليس أنّه في كلّ مرّة في آخر المطاف يورد أولياءه موارد الهلكة بعد أن يغرّهـم بشتّى أشكال الخداع، ومع ذلك في كلّ مرة يطيعونه إلى مهلكهم! وكذا أورث أخلص تلامذته وعلى رأسهم ساسة البيت الأبيض هذه السياسـة!


من عجائب سياسة إبليس أنّه في كلّ مرّة في آخر المطاف يورد أولياءه موارد الهلكة بعد أن يغرّهـم بشتّى أشكال الخداع، ومع ذلك في كلّ مرة يطيعونه إلى مهلكهم! وكذا أورث أخلص تلامذته وعلى رأسهم ساسة البيت الأبيض هذه السياسـة!

ترى كيف يذهب من يبحث عن حل للقضية الفلسطينية إلى محكمة إبليس اللعين نفسه، في ميرلاند، بعد أن طاف بهم في مؤتمرات لاتُعد ولاتحصى، كانت القضية الفلسطينية بعد كلّ واحدة منها أشدّ بؤسا، وأبخس حظّـا، ثم هم في كلّ مرّة، لايتوبون، ولاهم يذكّـرون.

ومن الواضح أنّ الصهاينة الذين يجوِّعون غزة، ويخنقونها، ويستمرون في عمليات اقتحام مدن وقرى الضفة، والقطاع، والاغتيالات السياسية، ثم قرار مجلس الوزراء المصغر مؤخرًا باستئناف الحفريات في القدس، ويسوقون الدول العربية الموالية لأمريكا للذهاب إلى أنابولس، لا يعنيهـم سوى الحصول على تنازلات رئيسة تحت ضغط إذكاء الصراع الداخلي، والحصار، وتخلي العرب عن الفلسطينيين.

وأمّا الأمريكيون فلايريدون - مع الصهاينة - سوى صناعة وهم سلام جديد، يساعد على التفرغ لحشد جبهة عربية ضد إيران، وحسم المشكلتين السورية واللبنانية لصالحهم.

لقد أعجبتهم هذه اللعبة التي تسمى (إحياء عملية السلام)، وأحبّوها جدا، وبما أنّهم لايُعدمون في كلّ مرة العثور على لاعبين جدد، من الخونة العرب، داخل فلسطين، وخارجها - وما أكثرهم - منذ عقـود، فلماذا لا تمارس نفس اللعبة، كلَّما احتاجوها؟!

ولكـن .. هروبا من سآمة التكرار، ثمة إضافة جديدة للعبة هذه المرة، وهي ما عبرت عنه تسيبي ليفني عندما قدمت في خطابها الأخير في مؤتمر إسرائيل - حلف الناتو: نظرية جديدة لتفسير الصراع العربي - الإسرائيلي تتضمن النقاط الآتية:

إنّ الصراع الحقيقي في المنطقة ليس صراعاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا حتى صراعاً بين العــرب واليهود، إنّما هو في الحقيقــة صراع بين (المعتدليــن) و(المتطرفيــن).

وقالت: "إنّ السياسة الإسرائيلية يجب أن تكون سياسة مزدوجة، بحيث تقوم بمهمتين في وقت واحد:

1. محاربة المتطرفين وعزلهم.

2. تقوية المعتدلين وبناء جسور التفاهم والتعاون معهم"!!

ألم تلاحظوا؟!، هؤلاء المكرة، يعملون على حذف القضايا الجوهرية بالصراع في فلسطين، في مؤتمر أنابوليس.

وكالعادة في كل مؤتمر مزعوم، الأطراف الحقيقية المعنية بالصراع، والمشكلات الرئيسة، أمران غائبـان، والمصطلحات السياسية الغامضة التي تحتمل أكثر من معنى وتفسيـر حاضرة!

فهو مجـرد حلقة في سلسلة الخدعة اليهودية العالمية التي قطعت شوطا بعيدا في إعادة ترتيب المصطلحات السياسية، والمفاهيم الفكرية، إلـى مـا يلي:

1ـ من يعارض أطماع المشروع الصهيوصليبي، والهيمنة الصهيونية على حقوق الفلسطينيين، فهـو إرهابي، ومتطـرف، غير وسطي، معاد للعالم الحر، والمجتمع الدولي، يجب عزله، في كلّ العالم العربي والإسلامي، بل كلّ العالم.

2ـ من يوافق على هذا المشروع، إلى دعم التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني، هو المعتدل، والوسطي، والمحـب للسلام، والمجتمع الدولي.

حتى لو كان المعارض سلطة منتخبة من الشعب، وحائزة على السلطة بإرادة الأمة - كما في غزة - فهو شعب إرهابي، ومتطرف، ويجب عزله، وقتله!!

وعلى الدول العربية أن تسير وفق هذه الخطة:

أولا: تسعى في مواصلة الحـرب على شعوبها، للقضاء على التطرف والإرهاب، فهذه هي أهم أولولياتها في الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى.

ثانيا: مواصلـة دعم جهود الصهاينة في إبقاء هذه المعادلة الجديدة التي وضعها الصهاينة أطول مدة ممكنة، وهـي كما يلـي:

تحويل الكيان الصهيوني من حالة الهجوم عليه، وإتهامه بالإرهاب الذي استمرت عقودا، إلى وضع الكيان الصهيوني في حالة هجوم على العرب، بإشغالهم بحرب إرهابهم خارج الكيان الصهيوني وحوله، وداخـله بعزله وخنقه ومحاصرته!!

إنّه تلبيس إبليس نفسه، قبل وبعـد أنابوليس!

ولعل متعجبٌ يسأل: كيف استطاعوا أن يعكسوا المعادلة بنجاح باهـر، وأين كنـا، وأين رجال الأمـة، وقادتها، ومفكـروها ..إلخ؟!!

حتى إنّه لايكاد يذكر اليوم حتى في منابر الجمعة - إلاّ قليلا - أيّ شيء عن الإرهاب الصهيوصليبي، وأشغلوا حتى العلماء، والخطباء، ووسائل الإعلام حتى الإسلاميّة منها، بإبقاء المعادلة الصهيونية السابقة كما يريدها الصهاينة!!

ولا إخال الجواب بقـي صعباً، بعد أن صارت الأمـة، إلى أن تولـّى أمر النّاس سفهاؤهم، وقاد رأيهـم جهلاؤهم، وتسلط عليهم أعداؤهم.

غير أنَّ هذه الأمّـة قـد تعودت على كمون آمالها في آلامها، ومنحتها في محنتها.

ولهذا نجـدها تقذف من رحمها، وسط هذا المكر من أعداءها، أجيالا أعظم بصيرة، وأشد صلابة، وأمضى عزيمة، وأقوى إصرارا وثباتا.

ومن تأمَّل رجال الجهـاد في فلسطين، علم أنّ ليست وجوههـم وجـوه هزيمة، ولا هاماتهـم هامات خنوع، ولاجباههـم جبـاه ذل وهوان.

وأنّ راياتهم ستـدكّ كلّ مكر إبليس وأبالسة اليهود والصليبيين، وستسقطهم كما أسقطت شارون، ومن قبله، ولن يحصلوا من وراء كيدهم إلاّ على الخسران المبين.

وذلك وعد الله، والله لايخلف الميعـاد :

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} [الصافات:171-173].

بقلم: الشيخ حامد بن عبدالله العلي
المصدر: موقع الشيخ حامد العلي

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية

  • 38
  • 2
  • 22,892
  • العبد  لله

      منذ
    [[أعجبني:]] نحن العرب !!!!!! هه العرب لا حول ولا قوه الا بالله يحصل فينا كده فلنبكى دما بدل الدموعا [[لم يعجبني:]] ما فيش حاجه
  • اسلام

      منذ
    [[أعجبني:]] وضوح الفكرة والتوعية الرشيدة
  • البرمكي  زيد

      منذ
    [[أعجبني:]] اسلوب الكاااتب جميل وسيااايقه للاحداث بطريقه سهله يستحق الثناااء والتقدير .... والله بالغ امره وسيعلم الذين ظلمواا اي منقلب سينقلبون ... ودومااا النصر يااتي مع الالم فجزء الله كاتب المقاله خير الجزاء
  • حسين السيد

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبنى المقال بما فيه من توضيح و تفصيل لمؤتمر ابليس اللعين وأعوانه الملعونين [[لم يعجبني:]] ما نحن فيه نحن المسلمون من تواكل وعدم ادراك للامور من حولنالمن يريد هلاكنا فهم يخططون ويدبرون لنا ولا احنا هناوما اجمل واحلى ما قاله رب العزة (ويمكرون ومكر الله والله خير الماكرين) وشكرا جزيلا ووفقكم الله لابصار المسلمين ------
  • محمود عفيفي

      منذ
    [[أعجبني:]] اللغة رائعة
  • صباح الدين خليل الرحمن

      منذ
    [[أعجبني:]] السلام،وبعد،جزاه الله كاتب المقال خير الجزاء.كشف القناع عن مكر الدجالين.اللهم اهزمهم هزيمة نكراء.
  • امال

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله خيرا مقالة رائعة والله نحن بحاجة الى مثلك من العلماء لتوضيح لنا ما يحدث خلف الكواليس ، الله يكثر من امثالك
  • ابو اسامة المصرى

      منذ
    [[أعجبني:]] مقالة ممتازة جاءت بوقتها لعل الله ان ينير احد المفاوضين بها زيراها أقول للاخوة ان ينصروا الله وينصروا رسوله بالفعل وليس بالكلام بارك الله فيكم فلننصر الدين بصلاة الفجر وبصلاة الجماعة يا اخوة والله الذى لا اله الا هو سننتصر اذا رجعنا الى الدينا اذا قدمنا الدين عن كل شئ
  • الركن اليماني

      منذ
    [[أعجبني:]] وعلى الدول العربية أن تسير وفق هذه الخطة: أولا: تسعى في مواصلة الحـرب على شعوبها، للقضاء على التطرف والإرهاب، فهذه هي أهم أولولياتها في الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى. ثانيا: مواصلـة دعم جهود الصهاينة في إبقاء هذه المعادلة الجديدة التي وضعها الصهاينة أطول مدة ممكنة، وهـي كما يلـي: تحويل الكيان الصهيوني من حالة الهجوم عليه، وإتهامه بالإرهاب الذي استمرت عقودا، إلى وضع الكيان الصهيوني في حالة هجوم على العرب، بإشغالهم بحرب إرهابهم خارج الكيان الصهيوني وحوله، وداخـله بعزله وخنقه ومحاصرته!! إنّه تلبيس إبليس نفسه، قبل وبعـد أنابوليس! ولعل متعجبٌ يسأل: كيف استطاعوا أن يعكسوا المعادلة بنجاح باهـر، وأين كنـا، وأين رجال الأمـة، وقادتها، ومفكـروها ..إلخ؟!! حتى إنّه لايكاد يذكر اليوم حتى في منابر الجمعة - إلاّ قليلا - أيّ شيء عن الإرهاب الصهيوصليبي، وأشغلوا حتى العلماء، والخطباء، ووسائل الإعلام حتى الإسلاميّة منها، بإبقاء المعادلة الصهيونية السابقة كما يريدها الصهاينة!! ولا إخال الجواب بقـي صعباً، بعد أن صارت الأمـة، إلى أن تولـّى أمر النّاس سفهاؤهم، وقاد رأيهـم جهلاؤهم، وتسلط عليهم أعداؤهم. ومن تأمَّل رجال الجهـاد في فلسطين، علم أنّ ليست وجوههـم وجـوه هزيمة، ولا هاماتهـم هامات خنوع، ولاجباههـم جبـاه ذل وهوان. وأنّ راياتهم ستـدكّ كلّ مكر إبليس وأبالسة اليهود والصليبيين، وستسقطهم كما أسقطت شارون، ومن قبله، ولن يحصلوا من وراء كيدهم إلاّ على الخسران المبين (( قال عبد ربه لجريدة الوطن السعودية << لقد حققنا في أنابوليس كلّ ما نريده دون أن نتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني>> هيهات يا حكومة رام الله فما قمتم به لا يتعدّى الإلتزام بضرب وإعاقة كلّ من يقف في وجه المشروع الصهيوني وإنّ ما قثاله الشّيخ من أنّ الهدف الأوّل - والذي أعتقده - هو جمع أكبر حشد عربي مع الولايات المتّحدة ضدّ إيران
  • ابومصعب المغربي

      منذ
    [[أعجبني:]] و الله لقد شفى الشيخ وكفى.جزاه الله خيرا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً