رسول الله وحقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة

منذ 2014-04-13

فها هو ذا رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته، مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَّفة أو اضطرارية، وإنما كان يَشعر بواجبه ناحية هذا المريض... كيف لا؟! وهو الذي جعل زيارة المريض حقًّا من حقوقه؟!

نظرة الإسلام ورعايته للمرضى وذوي الاحتياجات نظرة خاصة، بداية من تخفيفه عليهم في بعض الالتزامات الشرعية؛ لقول الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور من الآية:61]. وانتهاء ببث الأمل في نفوسهم، ومراعاة حقوقهم الجسمانية والنفسية.

رسول الله وعنايته بالمرضى:

فها هو ذا رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته، مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَّفة أو اضطرارية، وإنما كان يَشعر بواجبه ناحية هذا المريض... كيف لا؟! وهو الذي جعل زيارة المريض حقًّا من حقوقه؟! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ... وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ...»[1].

فكان رسول الله صل الله عليه وسلم يهوِّن على المريض أزمته ومرضه، ويُظهِر له -دون تَكَلف- مواساته له، وحرصه عليه، وحبه له، فيُسعد ذلك المريضَ وأهله، وفي ذلك يروي عبد الله بن عمر فيقول: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صل الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلمَّا دخل عليه فوجده في غاشية أهله[2]، فقال: «قَدْ قَضَى؟». قالوا: لا يا رسول الله صل الله عليه وسلم. فبكى النبي، فلما رأى القوم بكاء النبي صل الله عليه وسلم بَكَوْا، فقال: «أَلاَ تَسْمَعُونَ؟! إِنَّ الله عز وجل لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ؛ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا[3] -وأشار إلى لسانه- أَوْ يَرْحَمُ»[4].

كما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يدعو للمريض ويُبشِّره بالأجر والمثوبة نتيجة المرض الذي لحق به؛ فيهوِّن بذلك عليه الأمر، ويُرْضيه به؛ تروي أُمُّ العلاء[5] فتقول: عادني رسول الله صل الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: « أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلاَءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»[6].
وكان رسول الله صل الله عليه وسلم حريصًا على أن يخفِّف عن المريض وألاَّ يشقَّ عليه، وقد روى في ذلك جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً مِنَّا حجرٌ، فشجَّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمُّم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات؛ فلمَّا قدمنا على النبي صل الله عليه وسلم أُخبِرَ بذلك، فقال: « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ -شَكَّ أحد رواة الحديث- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»[7].

بل إن رسول الله صل الله عليه وسلم صل الله عليه وسلم كان يلبِّي حاجة المريض ويسير معه حتى يقضي حاجته، ولقد جاءته ذات مرَّة امرأة في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله صل الله عليه وسلم، إن لي إليك حاجة. فقال: «يَا أُمَّ فُلانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ؛ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ». فخلا معها[8] في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها[9].

كما جعل النبي صل الله عليه وسلم للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصَّة الحقَّ في التداوي؛ لأن سلامةَ البدن ظاهرًا وباطنًا مقصدٌ من مقاصد الإسلام؛ لذلك قال صل الله عليه وسلم للأعراب عندما سألوه عن التداوي: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً إِلا الْهَرَمَ...»[10]. كذلك لم يكن يمانع أن تعالِج المرأةُ المسلمة رجلاً من المسلمين؛ حيث جعل رسول الله صل الله عليه وسلم رُفيدة -وهي امرأة من قبيلة أسلم- تُعَالِج سعد بن معاذ حين أصابه سهمٌ بالخندق، وكانت -رضي الله عنها- تداوي الجرحى، وتَحْتَسِبُ بنفسها على خدمة من كانت به ضَيْعَةٌ من المسلمين[11].

رسول الله وعنايته بذوي الاحتياجات الخاصة:

ثم ها هو رسول الله صل الله عليه وسلم يتعامل مع عمرو بن الجموح رضي لله عنه تعاملًا راقيًا؛ رغم كونه من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، إلاَّ أن ذلك لم يكن مانعًا له من وصوله إلى أعلى درجات التكريم؛ لهمَّته العالية، وبذله الواسع في سبيل الله، وكان عمرو بن الجموح رجلاً أعرج شديد العَرَج، وكان له بنون أربعة -مثل الأُسد- يشهدون المشاهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم، فلمَّا كان يوم أُحُد أرادوا حبسه، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: إن بنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم مخاطبًا عَمْرًا: «أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذرَكَ اللهُ فَلا جِهَادَ عَلَيْكَ». وقال لبنيه: «مَا عَلَيْكُمْ أَلاَّ تَمْنَعُوهُ، لَعَلَّ اللهُ يَرْزُقُهُ شَهَادَةً». فخرج مع النبي صل الله عليه وسلم فقُتِلَ يوم أُحُد، ثم قالعنه: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، مِنْهُمْ: عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَطَأُ فِي الْجَنَّة بِعَرْجَتِهِ»[12].

فكان رسول الله صل الله عليه وسلم قدوة وأسوة للمسلمين في تعامله مع المرضى وذوي الاحتياجات الخاصَّة؛ لذلك قال عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إنا -والله- قد صَحِبْنَا رسول الله صل الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير"[13].

_____________

[1] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز [1183]، ومسلم: كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام [2162].

[2] غاشية أهله: أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري [3/175].

[3] يُعَذِّب بهذا: أي إن قال سُوءًا. أَوْ يَرْحَمُ: أي إن قال خيرًا. انظر المصدر السابق.

[4] البخاري: كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض [1242]، ومسلم: كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت [924].

[5] أم العلاء: أسلمت وبايعت النبي، وهي أُمُّ خارجة بنت زيد بن ثابت. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة [6/382]، وابن حجر العسقلاني: الإصابة ترجمة رقم [12168].

[6] أبو داود: كتاب الجنائز، باب عيادة النساء [3092]، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع [7851].

[7] أبو داود: كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم [336]، وابن ماجه [572]، وأحمد [3057]، والدارمي [752]، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود [325].

[8] أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية؛ فإن هذا كان في ممرِّ الناس ومشاهدتهم إيَّاه وإيَّاها، لكن لا يسمعون كلامها؛ لأن مسألتها ممَّا لا يظهره. انظر: النووي: المنهاج [15/83].

[9]- مسلم عن أنس بن مالك: كتاب الفضائل، باب قرب النبي رسول الله وحقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة

[10] أبو داود: كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى [3855]، والترمذي [2038] وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه [3436]، وأحمد [18477]، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين..، وقال الألباني: صحيح. انظر: غاية المرام [292].

[11] البخاري: الأدب المفرد [1/385]، وابن هشام: السيرة النبوية [2/239]، وابن كثير: السيرة النبوية [3/233].

[12] ابن حبان عن جابر بن عبد الله [7024]، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده جيد. وابن سيد الناس: عيون الأثر [1/423]، والصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد [4/214].

[13] أحمد [504]، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 8
  • -1
  • 27,492

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً