تواضع.. فما أقبح الكِبر!

منذ 2014-04-14

من الأخلاق التي تُزيِّن صاحبها وتُكسِبه محبة جميع من حوله وقبلها رضى الرحمن تبارك وتعالى صفة التواضع..

من الأخلاق التي تُزيِّن صاحبها وتُكسِبه محبة جميع من حوله وقبلها رضى الرحمن تبارك وتعالى صفة التواضع.. على عكس الكِبر الذي يُكسِب صاحبه المقت في الدنيا قبل الآخرة، في وقتٍ يتيه صاحبه بنفسه ويظن أنه قد أتى بما لم يأتِ به الأولون! أو أن الله أعطاه ما لم يُعطِ أحدًا وكان العطاء مستحقًا فتراه يزدري هذا وينتقص من ذاك، ويرفع من شأن نفسه ولا يتحمَّل نصحًا ولا يقبل نقدًا موضوعيًا.. وفي النهاية فالكِبر أول طريق اتخاذ الهوى إلهًا.

قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان من الآية:63]، قال ابن القيِّم: "أي: سكينةً ووقارًا، متواضعين غير أشرين ولا مَرِحين ولا متكبِّرين، قال الحسن: علماء حلماء. وقال محمَّد بن الحنفيَّة: أصحاب وقار وعفَّة، لا يُسفِّهون، وإن سُفِه عليهم حلموا. والهَوْن -بالفتح- في اللُّغة: الرِّفق واللِّين، والهُون -بالضَّم-: الهَوَان فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان، والمضموم صفة أهل الكُفْران، وجزاؤهم مِن الله النِّيران" (مدارج السَّالكين، ص: [3/108]).

وقال سبحانه مرشِدًا ومهذِّبًا لأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].

قال عزَّ مِن قائل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشُّعراء:215].

وقال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].

قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنَّ الدَّار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ}، أي: ترفُّعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبُّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم" (تفسير القرآن العظيم، ص: [6/258]).

قال صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة مِن مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عِزًّا، وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله» (رواه مسلم: [2588] مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ» (رواه مسلم: [2865] مِن حديث عياض بن حمار رضي الله عنه).

وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنَّة؟» قالوا: بلى. قال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ ضعيف متضعِّف، لو أقسم على الله لأبرَّه». ثمَّ قال: «ألا أخبركم بأهل النَّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلُّ عتلٍّ جوَّاظٍ مستكبِر» (رواه البخاري: [4918]، ومسلم: [2853] مِن حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه).

قال القاضي عياض: "وقوله في أهل الجنَّة: «كلُّ ضعيفٍ متضعِّف..» هو صفة نفي الكِبْرَياء والجبروت التي هي صفة أهل النَّار، ومَدَح التَّواضُع والخمول، والتَّذلُّل لله عزَّ وجلَّ، وحضَّ عليه" (إكمال الُمْعِلم شرح صحيح مسلم؛ للقاضي عياض، ص: [8/383]).

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "لا يبلغ عبدٌ ذُرَى الإيمان حتى يكون التَّواضُع أحبَّ إليه مِن الشَّرف، وما قلَّ مِن الدُّنْيا أحبَّ إليه ممَّا كَثُر، ويكون مَن أحبَّ وأبغض في الحقِّ سواء، يحكم للنَّاس كما يحكم لنفسه وأهل بيته" رواه ابن المبارك في (الزُّهد، ص: [2/52] مِن حديث مكحول رحمه الله).

و"سُئِل الفضيل بن عياض عن التَّواضُع، فقال: يخضع للحقِّ، وينقاد له، ويقبله ممَّن قاله" (مدارج السَّالكين؛ لابن قيِّم الجوزيَّة، ص: [2/32]).

وقال قتادة: "مَن أُعْطِي مالًا أو جمالًا وثيابًا وعِلمًا، ثمَّ لم يتواضع، كان عليه وبالًا يوم القيامة" (التواضع والخمول؛ لابن أبي الدُّنْيا، ص: [142]).

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إنَّكم لتغفلون أفضل العبادة: التَّواضُع".

قال ابن حجر العسقلاني في (الأمالي المُطلَقة، ص: [96]): "حسن غريب، اخْتُلف فيه على ابن المبارك، والمشهور عنه أنَّه موقوف".

وعن صالح المرِّيِّ قال: "خرج الحسن ويونس وأيوب يتذاكرون التَّواضُع، فقال لهما الحسن: وهل تدرون ما التَّواضُع؟ التَّواضُع: أن تَخرج مِن منزلك فلا تلقَ مسلمًا إلَّا رأيت له عليك فضلًا" (التواضع والخمول؛ لابن أبي الدُّنْيا، ص: [154]).

اللهم إنا نعوذ بك من الكِبر، ونسألك دوام التواضع وسلام القلوب حتى نلقاك بها سليمة معافاة.


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 4
  • 0
  • 12,075

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً