المرأة المجددة (4)

منذ 2014-04-15

نتحدث عن المرأة حينما تكونُ صحابية، وإن كانت هذه الوظيفة من أقصر الوظائف عُمرًا؛ حيث تَحدَّدت بدايتها من وقتِ إسلام صحابية بالغة التقت بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم ماتت على الإسلام. ، إلا أنَّ دَوْرَ المرأة الصَّحابية المؤثِّر والفَعَّال في تجديد صفحات التاريخ، لم ولن ينتهي.

المرأة الصحابية:

في المقالات السابقة تَحدَّثنا عن المرأة في ظلِّ الإسلام، ودَورها المُجدد للتاريخ على مدى العصور، من خلال دراسة هذا الدور في القرآن الكريم، وكذلك مدى اهتمام الإسلام وعنايته بالمرأة ماديًّا ومعنويًّا، ورعايتها بتعيين كفيلٍ يَحفظها.

الأمر الذي جعلها تَجد مناخًا مناسبًا لإثبات قُدراتها وإمكانِيَّاتِها في التأثير والتغيير، فنتج عن هذا مفاخر البطولات, كما بَيَّنا أنَّ الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الخصائص الإنسانية العامَّة، وأنَّ هذه المساواة لا تقتضي إنكارَ الفوارق الخِلقية بين الجنسين، وما أثبته الكتاب والسنة من تفضيلِ الرجل على المرأة من بعض الوُجوه؛ لِحِكَم ومهامَّ اقتضت ذلك، وكما يقول د.محمد مدني: "إنَّ المساواة لا تقتضي نسيانَ الفوارق الخلقية بين الجنسين، وإنَّما هي مبدأ اجتماعي يقتضي ألاَّ يكون بعض المتماثلين في الإنسانية مُحابًى مكرَم، وبعضهم مضطهد مهان".

كذلك وضحنا باختصار مدى اعتناءِ السنة القولية بالمرأة، وشرح تضاريس شخصيتها للرجل؛ ليسيرَ المجتمعُ في تعامُله مع المرأة على أسس مدروسة، بدلاً من المعاملات العوجاء المستحدثة، التي أجهدت المرأة، وجعلتها حقلاً للتجارب؛ يقول تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: الآيتان 3 - 4]، وكانت السنة من الجانب النظري بمثابة مقدمة لهذا المقال؛ حيث أظهر المناخ الاجتماعي الخصب الذي عاشت فيه الصَّحابِيَّات رضي الله عنهن معالِمَ جديدة لحياة المرأة.

المرأة الصحابية:

نتحدث عن المرأة حينما تكونُ صحابية، وإن كانت هذه الوظيفة من أقصر الوظائف عُمرًا؛ حيث تَحدَّدت بدايتها من وقتِ إسلام صحابية بالغة التقت بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم ماتت على الإسلام.

ولإن كان مدة هذه الوظيفة قد انتهت، إلا أنَّ دَوْرَ المرأة الصَّحابية المؤثِّر والفَعَّال في تجديد صفحات التاريخ، وتغيير ظلمات الجاهلية الأولى لم ولن ينتهي، فرغم تباعُد الزمان بيننا وبينها، لكنَّها لا تزال أنفاسها النقية حية، وتفاصيل أحداثها متجددة بيننا، ولم تكن تكتسب هذه الصفة الحالية المستمرة، إلاَّ لأنَّها كانت لسانَ حال التشريع والأحكام في العهد النبوي؛ لتكونَ مثالاً يُحتذى به في كل عصر، بِغَضِّ النظر عن الفروق الزمنية أو المكانية.

والمرأة الصحابية اختلفت عن غيرها من نساء عصرها؛ حيث شهدت المرأة الصحابية في عصر النبوة تباشيرَ التحوُّل الكلي في التشريعات والعلاقات والمعاملات فيما بين المرأة والرجل، بل شهدت تأريخًا جديدًا مَحَا قواعدَ باطلة، وأرسى قواعدَ غيرها صافية؛ يقول فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله، إنَّا كنا في جاهلية ما نعير للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم".

فكان حال الصحابيات مثالاً حَيًّا، وواقعًا مرئيًّا لميزان العدل، الذي أنزل من فوق سبع سموات في التعامُل بين الرجال وشقائقهم، تلك المعاملات التي اختلفت كثيرًا عما سبق، والتي أدَّت إلى تغيير ومَحو مفاهيم رسخت في أذهان الرِّجال عن المرأة في العصر الجاهلي، وتصحيح مفاهيم أخرى، وتشريع مفاهيم جديدة ثالثة، إلى أنْ تَشكَّل في المجتمع المسلم في العصر النبوي صورةٌ سوية ناضجة لأرقى الطُّرق والأساليب في التعامل مع المرأة.

وقد كان هذا الرقي داخليًّا نابعًا من الباطن، ومستندًا على عقيدة سديدة، ومُرتبطًا بحقوق والتزامات على المسلم لله عزَّ وجلَّ يترتب عليه ثوابٌ أو عقاب في الدُّنيا والآخرة، وليس مجرد رقي مظهري أو ظاهرة حضارية قابلة للتبدُّل، وخاضعة للتجربة والنقاش، تنجح تارة وتخفق الأخرى، فإن هذا الترقي عُنِي بالمكنونات، وتلمس الأفئدة، وحاكى الضمائر، وعالج عثراتِ السرائر، ولم يقصر نفسه في البحث جاهدًا عن قشور المادة فقط؛ ليتركَ البواطن يستثيرها أوار الاختلال.

دور المرأة الصحابية:

من هنا ظهر هذا الرقي وذاك النضج بارزًا على الصَّحابِيَّات رضوان الله عليهن أجمعين سواء في تفاعلهن مع المجتمع، أو ظهور هذا النضج على شخصياتهن وأسرهن.
فقد أحجمت المرأة الصَّحابية عن تصرُّفاتٍ، وأكدت تصرفاتٍ أخرى، وظهرت عليها ثالثة لم تكن مَوجودة من قبل، وقد تفوَّقت المرأة الصحابية عن غيرها رضي الله عنها في الإفصاح عن كل هذا، وتجسيده، والعمل به، والتصريح عنه، عَمَلِيًّا وفكرِيًّا، بل الاستفسار عَمَّا بدا لها في جوانح نفسها من أسئلة تشمل:

حقوق وحدود وهبات كتبت لها، وقد حرمت منها في الجاهلية، كالإرث، والحقوق المالية، والزوجية وغيرها، وأجور أخروية كانت تتمنَّاها لم تفرض عليها، فرُفع تكليفُها عنها، كالجهاد وصلاة الجماعة، ومُطالبات اجتماعية سَعَت نَحو تَحقيقها، وقد كان طموحها في هذه المطالبات، لا لسببٍ إلاَّ لما فتحه الإسلام عليها من سَعة صدرٍ، ورحابة تشريع احتوى هذه المرأة، وحقق لها كل ما ترغب فيه؛ مما أدَّى لتنامي طموحها؛ طمعًا في المزيد من فضل الله، بل وعُد ملاذًا آمِنًا، ورُكنًا ركينًا لكل آمالها، وأهدافِها المستقبليَّة، بعد أنْ ذاقت في الجاهلية مرارةَ الحرمان، وظلمات القهر والحيف.

فدَور المرأة الصَّحابية يُعَدُّ محوريًّا ومُغيرًا لحياة المرأة المسلمة على وجهِ الخصوص، بل إنَّنا لا بُدَّ أن نفعِّل هذا الدورَ في مَحافلنا العامة والخاصة، ومجتمعاتنا، بل في دواخل ذواتنا, وتفعيله يكون بتفعيل حياة الصَّحابيات فيما بيننا، والبحث عن القُدوة الصالحة في حياة كل صحابية.

حَقًّا، إنَّنا معاشرَ النساء يمكننا أن نتعلم الكثيرَ من الرجال، لكن يظل التأثير الأكبر والفعالية الأعمق من نساء مثلنا، كن لهن التركيبة العقلية والجسدية التكوينية نفسها، بل العاطفية والشعورية، التي قد تَختلف عن طبائع الرِّجال؛ ليظلَّ دَورُ المرأة الصحابية هو الأقربَ للاحتياج التربوي والنفسي السلوكي لبنات حواء.

وللحديث بقية إن شاء الله.

رحاب حسّان

  • 0
  • 0
  • 1,784

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً