آل البيت فضلهم ومنزلتهم

منذ 2014-04-19

منزلة آل البيت وفضلهم، وموقف أهل السنة منهم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وأفضل النبيين، وقائد الغر المحجلين، وشافع الناس يوم الدين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الشرف كل الشرف، والعزة كل العزة، والفخر كل الفخر، بالقرب من الله، وحبه سبحانه للعبد، ووضع القبول له في الأرض، وهذا الحب وهذا الشرف وهذا القبول لا يتأتى بالدعاوى الفارغة من الحقيقة، أو بمجرد الانتساب إلى الدين أو الانتساب إلى بيت النبوة، دون عمل صالح يقرب من الله! {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]. فإذا اجتمع إلى تقوى الله -تعالى- شرف الانتساب إلى البيت النبوي، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أما أن يدعي مدعٍ أنه من آل البيت النبوي وهو بعيد كل البعد عن النبي ودينه وسنته وخُلقه وأعماله، فذاك ليس من الله ولا من رسوله في شيء!.. وفي هذا الموضوع المختصر سنبين فضل آل البيت وخصائصهم وموقف أهل السنة منهم، وحكم عصاة أهل البيت.. والله نسأل أن يتقبل منا إنه هو السميع العليم.

 

المقصود بآل البيت:
الآل في اللغة: من الأَوْل، وهو: الرجوع. وآلُ الرجل: أهل بيته وعياله؛ لأنه إليه مآلهم، وإليهم مآله.(1)
وقد اختلف العلماءُ في المقصودِ بآلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم على قولينِ:
القول الأول: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم: بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، أو بنو هاشم خاصة، أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب؛ وهذا القول هو اختيار الأكثرين. ولا شك أن بعضهم أخصُّ بكونه من آل البيت من بعض، فعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين أخص من غيرهم.(2)

 

ومن أدلة هذا القول:
أ- حديث (غدير خمّ) عن زيد بن أرقم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبهم، وفيه: "أنه حث على التمسك بكتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهـل بيتي»، فقال له حصين: ومَنْ أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وفي رواية: قيل مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعَصَبَتُهُ الذين حرموا الصَّدقة مِنْ بعدِهِ".(3)
ب- حديث عمر بن أبي سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبي-صلى الله عليه وسلم-: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33]، في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فاطمة وحسنًا وحسينًا فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهِب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً».(4)


القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة: ومن أدلة هذا القول:
أ- قوله -تعالى-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ...} حتى قوله: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:30-33] فدخلن في آل البيت ؛ لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه.
ب- ما جاء في روايات حديث الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد: «اللهم صلِّ على محمد وآل محمد»، قالوا: فإنه مفسر بمثل حديث أبي حميد: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته»(5)، فجعل مكان الآل: الأزواج، والذرية؛ مُفسِّراً له بذلك.
ج- أن الله -تعالى- جعل امرأة إبراهيم من آله، فقال: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ..} [هود:73]، كما جعل امرأة لوط من أهله، فقال: {إنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إلاَّ امْرَأَتَكَ..} [العنكبوت:33].


وقيل في معنى (الآل) أقوال أخرى لا تصح.
والقول الصحيح الراجح: شمول الآل للقرابة والأزواج، وهو الذي تجتمع عنده الأدلة السابقة، والعجب مِن تعصُّب كلٍّ لقوله! مع أنه لم يرد حصر الآل في أحد القولين السابقين، والقول بأحد القولين يقتضي إهمال بعض الأدلة أو تأويلها، ومعلوم أن الجمع بين الأدلة مع الإمكان أولى من إهمال بعضها، وهذا القول هو اختيارُ كثيرٍ من أهلِ العِلْمِ، وصححه ابن تيمية.(6)


ثانيًا: خصائصهم ومناقبهم:
1- خصائصهم:
أ- تحريم أكل الصدقة عليهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد».(7)
ب- إعطاؤهم خُمُس خمس الغنيمة، وخمس الفيء، قال -تعالى-: {واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ..} [الأنفال:41]، وقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ..} [الحشر:7].
ج- فضل النسب وطهارة الحسب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفاني من بني هاشم».(8)


2- فضائلهم العامة:
أ- تخصيصهم بالصلاة عليهم: وذلك كما في التشهد في الصلاة عليه وعلى آله.
ب- وصية الرسول بهم: كما تقدم.
ج- أن بقاؤهم أمان للأمة واقتفاؤهم نجاة لها:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أَما بعد أَلا أيها الناس فإنما أَنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أَولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي» وفي لفظ: «كتاب الله هو حبل الله المتين من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة» (رواه مسلم).
د- تنزيههم عن الأعمال الخبيثة:
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه مجموع المؤلفات (كتاب الطهارة: [1/5]).
"الطهارة تارة تكون من الأعيان النجسة، وتارة من الأعمال الخبيثة، وتارة من الأعمال المانعة، فمن الأول قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] على أحد الأقوال.   
ومن الثاني قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
ومن الثالث قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]". انتهى كلامه رحمه الله.
فدلل رحمه من الآية على أن الله قد طهر أهل البيت عليهم السلام من الأعمال الخبيثة.
د- زيادة محبتهم وموالاتهم على سائر الناس:
فلهم على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحق غيرهم
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه (مسائل لخصها: [1/51]): "لآله صلى الله عليه وسلم على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحق سائر قريش وقريش يستحقون مالا يستحق غيرهم من القبائل، كما أن جنس العرب يستحقون من ذلك ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم -إلى أن قال- ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، وفي قريش الخلفاء وغيرهم ما لا نظير له في العرب وفي العرب من السابقين الأولين ما لا نظير له في سائر الأجناس".


يـا أهل بيت رســـول الله حُبكـــم *** فـرضٌ مــن الله فـي القـرآنِ أنزله
يكـفيكم مــن عظـيم الفخـــر أنكم *** مـن لـم يصــل عليكم لا صلاة لـه


وغير ذلك من الخصائص العامة لهم، ويجب التنبه الحذر هنا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ودسائس المبتدعة في فضائل أهل البيت.


3- المناقب والفضائل الخاصة ببعض آل البيت:
قد ثبت لكثير من أفراد آل البيت مناقب كثيرة، حفظتها السنة، ففضائل علي أشهر من أن تذكر، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وخديجة خير النساء، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وحمزة سيد الشهداء يوم القيامة... وقد وردت في كل ذلك أحاديث صحيحة.


ثالثاً: عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت:
تتلخص عقيدة أهل السنة في آل البيت في أنهم يحبون المؤمنين من آل البيت، ويرون أن المؤمن من آل البيت له حقان عليهم: حق إيمانه، وحق قرابته.  
ويرون أنهم ما شرفوا إلا لقربهم من الرسول، وليس هو الذي شَرُف بهم، ويتبرؤون من طريقة الروافض، ومن طريقة النواصب، ويحفظون فيهم وصية الرسول، ولازم هذه المحبة: توليهم ونصرتهم، وهي من لوازم حفظ الوصية فيهم.  
ويرون أنهم مراتب ومنازل، وأنهم وإن تميزوا فلا يعني أن لهم الفضل المطلق على من فضلهم في العلم والإيمان، فالثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، أفضل من علي، وإن امتاز عنهم بخصوصيات؛ لأن هناك فرقًا بين الإطلاق والتقييد.
"وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه -رضي الله عنهن- والدعاء لهن، ومعرفة فضلهن، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين".(9)

 

قال ابن كثير-رحمه الله-: "ولا ننكر الوَصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم، وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولاسيما إذا كانوا مُتبعين للسنةِ النبويةِ الصحيحةِ الواضحةِ الجليَّةِ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين".(10)

ويبين الطحاوي أن البراءة من النفاق لا تكون إلا بسلامة المعتقد في آل البيت فيقول: "ومن أحسنَ القولَ في أصحاب رسول الله وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق".(11)

 

ولقد كانت حياة سلف الأمة شاهدة على رعايتهم وصية رسول الله في أهل بيته، والوقائع كثيرة، وهاك شيئًا منها:
قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "ارقبوا محمدًا في آل بيته" يخاطب الناس بذلك ويوصيهم به، يقول: "احفظوه فيهم؛ فلا تُؤذوهم، ولا تُسيئوا إليهم".(12)
وقال -رضي الله عنه-: "واللهِ، لَقرابةُ رسولِ اللهِ أحبُّ إليَّ أنْ أصلَ مِنْ قرابتي".(13)
وقال عمر للعباس -رضي الله عنهما-: "والله، لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله من إسلام الخطاب".(14)

 

هذه بعض الشواهد، و إلا فإن الأمر أوسع من هذا.. كما شملت هذه الرعاية أزواجَ النبي؛ فإن أهل السنة يعرفون لهن حقّهن، فإنهن أمهات المؤمنين بنص القرآن، وأفضلهن: خديجة وعائشة -رضي الله عنهن أجمعين-.
وقد كان بقية آل البيت فضلاً عن سائر الصحابة يعرفون مكانتهن؛ فقد قيل لابن عباس -رضي الله عنهما- بعد صلاة الصبح: ماتت فلانة، لبعض أزواج النبي فسجد، قيل له: أتسجد في هذه الساعة ؟ فقال: أليس قال رسول الله: «إذا رأيتم آية فاسجدوا»، فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-؟.(15)

 

ولما كان صحابة رسول الله يحفظون لآل البيت قدرهم، فقد كان آل البيت -أيضًا- يعرفون منزلة إخوانهم من الصحابة، ويقدرون صاحب الفضل منهم -رضي الله عن الجميع-، فعن ابن عباس، قال: "إني لواقف في قوم، ندعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي فقال: رحمك الله، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ لأني كثيرًا ما كنت أسمع رسول الله يقول كنتُ وأبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب".(16) فهذا علي -رضي الله عنه- الذي يرفعه الرافضة فوق منزلته، ويزعمون ظلم الصحابة له، وسلبهم حقوقه! يرد عليهم بفعله وقوله. ومن أجمل ما في هذا الباب: رسالة للشوكاني سماها (إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي)، ذكر فيها إجماع أهل البيت على تحريم سب الصحابة، من اثني عشر طريقًا، ثم سردها عن جماعة من أكابرهم. ثم ذكر طائفة من أقوالهم، تبين معتقدهم في صحابة رسول الله، والترضي عنهم، وتحريم سبهم، وأن السب إنما هو من فعل الروافض الضُلاَّل، ومن تشبه بهم في فعلتهم هلك معهم، وذكر في آخر رسالته أن من لم يقنع بما ذكر من الأدلة والإجماع فهو: إما جاهل، أو مكابر. وصدق -يرحمه الله-.(17)


«من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»:
هذا العنوان هو نصُّ حديثٍ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.(18) وهدفنا من الإتيان به بيان أن الإنسان لا يبلغ الدرجات العُلى والفضل العظيم عند الله -تعالى- إلا بعمله الصالح، وأن نسبه -ولو كان من آل البيت- لا يُغني عنه من الله شيئاً إذا كان فاسقًا فاجرًا، يعمل الموبقات والمعاصي، ويترك الواجبات من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك، وقد فهم بعض من ينتسبون إلى البيت النبوي وهم -آل البيت- أن مجرد نسبه يُعَدُّ منقبةً له وشَرَفًا عند الله، وأنه مهما عمل من المعاصي والسيئات، وترك من الطاعات والقربات، فإن ذلك لا يضره، ما دام أنه مُنتسبٌ إلى بيت النبوة! وهذا فهم خاطئ وخطير يُودي بصاحبه إلى الهَلَكَةِ؛ لأنه جمع بين الجهل وبين الأمن من مكر الله -سبحانه-، وقد سئل الإمام الشوكاني -رحمه الله وأكرم مثواه- عما قيل في أن العصاة من أهل بيت النبوة لا يُعاقَبون على ما يرتكبون من الذنوب، بل هم من أهل الجنة على كل حال تكريمًا وتشريفًا! هل ذلك صحيح أم لا؟

فأجاب بقوله: "أقول: لاشك ولا ريب أنَّ أهل هذا البيت المطهَّر لهم من المزايا والخصائص والمناقب ما ليس لغيرهم، وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهدة لهم بما خصهم الله به من التشريف والتكريم، والتبجيل والتعظيم، وأما القول برفع العقوبات عن عصاتهم، وأنهم لا يُخاطَبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يُطالَبُون بما جنوه من العظائم، فهذه مقالة باطلة ليس عليها أَثارةٌ من علم، ولم يصح في ذلك عن الله ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- حرف واحد، وجميع ما أورده علماء السوء المتقربون إلى المتعلِّقين بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف فهو إما باطل موضوع، أو خارج عن محل النزاع؛ بل القرآن أعدل شاهد وأصدق دليل على زجر قول كل مكابر جاحد، فإنه قال -عز وجل- في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-:{مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [الأحزاب:30]، وليس ذلك إلا لما لهن من رفعة القدر، وشرافة المحل بالقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلى أن قال: ولو كان الأمر كما زعم هذا الزاعم لم يكن لقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، معنى ولا كبير فائدة، وإذا كان المصطفى يقول لفاطمة البتول -التي هي بضعة منه، يغضبه ما يغضبها ويرضيه ما يرضيها-: «يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنكِ من الله شيئاً»(19) فليت شعري مَنْ هذا مِن أولادها الذي خصه الله بما لم يخصها، ورفعه إلى درجة قصَّرت عنها؟! فأبعد الله علماء السوء وقلَّل عددهم؛ فإن العاصي من أهل هذا البيت الشريف المطهر إذا لم يكن مستحقًا على معصيته مضاعفة العقوبة، فأقل الأحوال أن يكون كسائر الناس.
فيا من شرفه الله بهذا النسب الشريف! إياك أن تغتر بما ينمقه لك أهل التبديل التحريف" انتهت الفتوى.(20)


وبعد: فقد اتضح لنا من خلال هذا الموضوع منزلة آل البيت وفضلهم، وموقف أهل السنة منهم، وتبين لنا أن مجرد الانتساب إلى بيت النبوة لا يكون شرفًا بحد ذاته، إذا لم يصاحبه عمل صالح يقرب صاحبه من الله تعالى، وكم من أناس صالحين من خارج النسب النبوي أفضل من كثير ممن هم من سلالة آل البيت الذين لا يعرفون من الدين إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه! وهل أغنى عن أبي لهب قربه من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وهل أغنى عن أبي طالب قربه من رسول الله وقد مات على ملة الأسياد والآباء من قريش؟! وقد قال الحسن بن الحسن لرجل يغلو فيهم: "ويحك! أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا، ولو كان الله نافعًا أحدًا بقرابة من رسول الله بغير طاعة، لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق، فإنه أبلغ فيما تريدون، ونحن نرضى منكم".(21)، وقد أحسن من قال:

 

لعمرك ما الإنسـان إلا بدينه *** فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارس *** وقد وضع الشركُ الشقيَّ أبا لهـب
فما الحسب الموروث إن در دره *** لمحتسـبٍ إلا بآخـر مكتســب
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة *** من الثمرات اعتده الناس في الحطب

 

نسأل الله العلي الكبير أن يتوفنا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين، وأن يميتنا شهداء في سبيله؛حتى ننال الأجر الكبير يوم العرض عليه.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.


___________________
(1) لسان العرب (1/171).
(2) انظر منهاج السنة (7/75-78).
(3) رواه مسلم في صحيحه (2408) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل على بن أبي طالب.
(4) رواه الترمذي (3205). ورواه مسلم بمعناه (2424).
(5) رواه البخاري (6360) كتاب الدعوات، باب هل يصلى على غير  النبي صلى الله عليه وسلم؟. ومسلم (407) كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.
(6) منهاج السنة (7/76)، (4/24).
(7) رواه مسلم (1072) كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.
(8) رواه مسلم (2276) كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة.
(9) انظر شرح مقدمة التفسير، لابن عثيمين ص (108).
(10)  تفسير ابن كثير (4/113).
(11) انظر أواخر متن العقيدة الطحاوية.
(12) شرح الطحاوية (2/737).
(13) رواه البخاري (3712) كتاب المناقب، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة بنت النبي. ومسلم (1759) كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة».
(14) انظر السيرة النبوية لابن هشام وغيره عند سياقهم لغزوة فتح مكة.
(15) رواه الترمذي (3891) وأبو داود (1197) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (564) وفي غيره.
(16) رواه البخاري (3677) كتاب المناقب، قاب قول النبي: «لو كنت متخذاً خليلاً». ومسلم (2389) كتاب فضائل الصحابة.
(17) انظر (مجلة البيان: العدد 100، ص 8)،  وما بعدها، بتصرف وزيادات للأهمية.
(18) رواه أحمد (7379)، ومسلم (2699)، والترمذي (2945)، وأبو داود (3643)، وابن ماجه (225)، والدارمي (344).
(19) رواه البخاري (2753)، ومسلم (206).
(20) انظر كتاب الشوكاني: (إرشاد السائل إلى دليل المسائل)
(21) أخرجه اللالكائي (7/1400).

المصدر: موقع إمام المسجد
  • 16
  • 2
  • 81,594

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً