حديثُ عائشةَ وقصةُ فدكَ - (01) تخريج حديث عائشة مع ذكر طرقه

منذ 2014-04-29

المقدمة

قالَ الإمامُ البُخَارِيُّ: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الله، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَاتَ... وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فذهَبَ إِلَيْهِمْ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وأبو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أبو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: واللهِ مَا أَرَدْتُ بذلك إِلا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لا يَبْلُغَهُ أبو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فقالَ في كَلامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فقالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لا واللهِ لا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فقالَ أبو بَكْرٍ: لا، ولَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ. فقالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ؛ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فقالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فقالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللهُ" (أخرجه البخاري: [3667]).

لما وقعت حادثة السَّقِيفَة وتمت البَيْعَة لأبي بكر وكانت كما قالَ عُمَر رضي الله عنه: فلتة، بمعنى أنه لَمْ يُحَضَّر لها، أخذ عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ في نفسه رضي الله عنه كيف أنه لَمْ يشترك في الشورى، أو أنه كانَ يرى أنه أحق بالأمر.

هذان احتمالان:

الأول: أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طَالِبٍ كانَ يرى أنه أحق بالأمر من أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق.

الثاني: أنه يرى وجوب حضوره الشورى.

وكذا ورد أن فاطمة منعت من ميراثها من رسول الله بعد وفاته، وأنها بناء على ذلك غضبت فهجرت أبا بكر حتى توفيت.

ومن خلال دراستنا لحديث عائشة رضي الله عنها الوارد في هذا الباب نحاول أن نصل إلى الصحيح في هذا الموضوع.

تخريج حديث عائشة مع ذكر طرقه مفصلة:

رواه الزهري عن عروة عنها، ورواه عن الزهري ستة هم: (شعيب، صالح، عقيل، معمر، الوليد بن محمد، عبد الرحمن بن خالد بن مسافر).

وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول:
رواية شعيب عن الزهري:


قال البخاري: "حدثنا أبو الْيَمَانِ أخبرنا شُعَيْبٌ عن الزُّهْرِيِّ، قال حدثني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من النبي صلى الله عليه وسلم.. مما أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم تَطْلُبُ صَدَقَةَ النبي صلى الله عليه وسلم التي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وما بَقِيَ من خُمُسِ خَيْبَرَ، فقال أبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ من هذا الْمَالِ -يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- ليس لهم أَنْ يَزِيدُوا على الْمَأْكَلِ».. وَإِنِّي والله لَا أُغَيِّرُ شيئًا من صَدَقَاتِ النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم، وَلأَعْمَلَنَّ فيها بِمَا عَمِلَ فيها رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قال: إِنَّا قد عَرَفْنَا يا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَقَّهُمْ، فَتَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ فقال: وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إليَّ أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي" (أخرجه البخاري: [3711]).

(وابن الجارود: [1/276] قال: "حدثنا محمد بن عوف الطائي". والبيهقي: [6/ 300] من طريق عثمان بن سعيد الدارمي. كلاهما [محمد بن عوف وعثمان بن سعيد] عن أبي اليمان به. والنسائي في الكبرى: [4443] وفي المجتبى: [7/132] من طريق أبي إسحق الفزاري، وابن حبان: [4823] وابن الجارود [1/276] من طريق عثمان بن سعيد الحمصي. وابن الجارود: [1/276] من طريق بشر بن شعيب. ثلاثتهم [الفزاري وعثمان بن سعيد وبشر بن شعيب] عن شعيب به).

رواية البيهقي:
"أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر محمد بن محمد الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: قلت لأبي اليمان أخبرك شعيب بن أبي حمزة عن الزهري؟ قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر رضي الله عنه. تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة، وفدك وما بقي من خُمس خيبر.

قالت عائشة رضي الله عنها: فقال أبو بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال -يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل» وإني والله لا أُغيِّر صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا فوجدت فاطمة على أبي بكر رضي الله عنهما من ذلك.. فقال أبو بكر لعلي رضي الله عنهما: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي، فأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الصدقات فإني لا آلو فيها عن الخير، وإني لم أكن لأترك فيها أمرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته" (رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان).

رواية النسائي في الكبرى:
"أنبأ عمرو بن يحيى بن الحارث قال: حدثنا محبوب، قال: أنبأ أبو إسحاق عن شعيب بن حمزة عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم.. من صدقته ومما ترك ومن خُمس خيبر، فقال: أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»".

رواية النسائي في المجتبى:
"أخبرنا عَمْرُو بن يحيى بن الحرث، قال: حدثنا مَحْبُوبٌ يَعْنِي بن مُوسَى، قال: أَنْبَأَنَا أبو إسحاق هو الْفَزَارِيُّ عن شُعَيْبِ بن أبي حَمْزَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من النبي صلى الله عليه وسلم من صَدَقَتِهِ، وَمِمَّا تَرَكَ من خُمُسِ خَيْبَرَ، قال أبو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَث».

رواية ابن حبان:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْكَلاعِيُّ بِحِمْصَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَفَاطِمَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَر..

قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا نُوَرَّثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ»، وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا..

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ. وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ فَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَكَانَ لِعَلِيٍ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا انْصَرَفَتْ وجُوهُ النَّاسِ عَنْ عَلِيٍ، حَتَّى أَنْكَرَهُمْ فَضَرَعَ عَلِيٌّ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الأَشْهُرَ.

فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ وَكَرِهَ عَلِيٌّ أَنْ يَشْهَدَهُمَ عُمَرُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ وَاللَّهِ لا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَى أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟! وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَإِنَّا لَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لَنَا حَقًّا وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَقَّهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ...".

رواية ابن الجارود:
"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ وَأَبُو الْيَمَانِ وَبِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيبرَ..

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ - يَعْنِي مَالَ اللهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا الْمَأْكَلَ» وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمِثْلِ مَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم" (المنتقى: [1/276])

المبحث الثاني: رواية صالح عن الزهري:

قال البخاري: "حدثنا عبد الْعَزِيزِ بن عبد اللَّهِ حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عن صَالِحٍ عن بن شِهَابٍ، قال: أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السَّلام ابْنَةَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْسِمَ لها مِيرَاثَهَا ما تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عليه، فقال أبو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فلم تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حتى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ..

قالت: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أبو بَكْرٍ عليها ذلك. وقال: لَسْتُ تَارِكًا شيئًا كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إلا عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إن تَرَكْتُ شيئًا من أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إلى عَلِيٍ وَعَبَّاسٍ، وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وقال: هُمَا صَدَقَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتَا لِحُقُوقِهِ التي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إلى من وَلِيَ الأَمْرَ، قال: فَهُمَا على ذلك إلى الْيَوْمِ.." (أخرجه البخاري: [3092]، وأخرجه مسلم: [1759]، وأبو داود: [2970] من طريق يعقوب بن إبراهيم، والبيهقي: [6/300] من طريق عبد العزيز الأويسي، كلاهما [يعقوب والأويسي] عن إبراهيم بن سعد به).

رواية مسلم:
وحدثنا بن نُمَيْرٍ حدثنا يَعْقُوبُ بن إبراهيم حدثنا أبي ح وحدثنا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قالا حدثنا يَعْقُوبُ وهو بن إبراهيم حدثنا أبي عن صَالِحٍ عن بن شِهَابٍ أخبرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْسِمَ لها مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عليه فقال لها أبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لَا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ قال وَعَاشَتْ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ فَأَبَى أبو بَكْرٍ عليها ذلك وقال لَسْتُ تَارِكًا شيئًا كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إلا عَمِلْتُ بِهِ إني أَخْشَى إن تَرَكْتُ شيئًا من أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إلى عَلِيٍ وَعَبَّاسٍ فَغَلَبَهُ عليها عَلِي وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ وقال هُمَا صَدَقَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتَا لِحُقُوقِهِ التي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إلى من وَلِيَ الأَمْرَ قال فَهُمَا على ذلك إلى الْيَوْمِ".

رواية أبي داود:
حدثنا حَجَّاجُ بن أبي يَعْقُوبَ حدثنا يَعْقُوبُ بن إبراهيم بن سَعْدٍ حدثنا أبي عن صَالِحٍ عن بن شِهَابٍ، قال: أخبرني عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ بهذا الحديث، قال فيه: فَأَبَى أبو بَكْرٍ رضي الله عنه عليها ذلك، وقال: لَسْتُ تَارِكًا شيئًا كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إلا عَمِلْتُ بِهِ، إني أَخْشَى إن تَرَكْتُ شيئًا من أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إلى عَلِيٍ وَعَبَّاسٍ رضي الله عنهم، فَغَلَبَهُ عَلِي عليها وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ وقال: هُمَا صَدَقَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتَا لِحُقُوقِهِ التي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ وَأَمْرُهُمَا إلى من وَلِيَ الأَمْرَ قال فَهُمَا على ذلك إلى الْيَوْمِ".

رواية البيهقي:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي حدثنا عبد العزيز الأويسي حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها - أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها.. مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله فقال لها أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة رضي الله عنها..

فهجرت أبا بكر رضي الله عنه فلم تزل مهاجرة له حتى توفيت وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، قال: فكانت فاطمة رضي الله عنها تسأل أبا بكر رضي الله عنه نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر رضي الله عنه عليها ذلك قال: لستُ تارِكًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، فغلب علي عليها وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى ولي الأمر، فهما على ذلك إلى اليوم" (رواه البخاري في الصحيح عن عبد العزيز الأويسي، وأخرجه مسلم من وجهٍ آخر عن إبراهيم بن سعد).

المبحث الثالث: رواية عبد الرحمن بن خالد عن الزهري:
قال الطحاوي: "حدثنا فَهْدٌ قال ثنا عبد اللَّهِ بن صَالِحٍ قال: حدثني اللَّيْثُ قال: حدثني عبد الرحمن بن خَالِدِ بن مُسَافِرٍ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ رضي الله عنه، تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَاطِمَةُ حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّا لاَ نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ في هذا الْمَالِ» وإني وَاَللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شيئًا من صَدَقَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن حَالِهَا التي كانت عليه في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولأعملن في ذلك بِمَا عَمِلَ فيها رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". (شرح معاني الآثار، ص: [2/4] للطحاوي)

المبحث الرابع: رواية عقيل عن الزهري:

قال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكَيْرٍ حدثنا اللَّيْثُ عن عُقَيْلٍ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السَّلَام بِنْتَ النبي صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عليه بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وما بَقِيَ من خُمُسِ خَيْبَرَ فقال أبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لَا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في هذا الْمَالِ وَإِنِّي والله لَا أُغَيِّرُ شيئًا من صَدَقَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن حَالِهَا التي كانت عليها في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَأَعْمَلَنَّ فيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أبو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إلى فَاطِمَةَ منها شيئًا..

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ على أبي بَكْرٍ في ذلك فَهَجَرَتْهُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا ولم يُؤْذِنْ بها أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عليها وكان لِعَلِيٍّ من الناس وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فلما تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ الناس فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أبي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ ولم يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إلى أبي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا ولا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فقال عُمَرُ لا والله لا تَدْخُلُ عليهم وَحْدَكَ فقال أبو بَكْرٍ وما عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي والله لآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عليهم أبو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فقال إِنَّا قد عَرَفْنَا فَضْلَكَ وما أَعْطَاكَ الله ولم نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ الله إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصِيبًا حتى فَاضَتْ عَيْنَا أبي بَكْرٍ..

فلما تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ قال وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي وَأَمَّا الذي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ من هذه الأَمْوَالِ فلم آلُ فيها عن الْخَيْرِ ولم أَتْرُكْ أَمْرًا رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فيها إلا صَنَعْتُهُ فقال عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ فلما صلى أبو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ على الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عن الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إليه ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أبي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لم يَحْمِلْهُ على الذي صَنَعَ نَفَاسَةً على أبي بَكْرٍ ولا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ الله بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لنا في هذا الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا في أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ وكان الْمُسْلِمُونَ إلى عَلِيٍّ قَرِيبًا حين رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ" (أخرجه البخاري: [4240]، ومسلم: [1759] وأبو داود: [2968]، والبيهقي: [10/142] من طريق عقيل بن خالد عن الزهري به).


رواية مسلم:
حدثني محمد بن رَافِعٍ أخبرنا حُجَيْنٌ حدثنا لَيْثٌ عن عُقَيْلٍ عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عليه بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ وما بَقِيَ من خُمْسِ خَيْبَرَ..

فقال أبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في هذا الْمَالِ» وَإِنِّي والله لا أُغَيِّرُ شيئًا من صَدَقَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن حَالِهَا التي كانت عليها في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَأَعْمَلَنَّ فيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أبو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إلى فَاطِمَةَ شيئًا..

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ على أبي بَكْرٍ في ذلك، قال: فَهَجَرَتْهُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ لَيْلًا، ولم يُؤْذِنْ بها أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عليها عَلِيٌّ وكان لِعَلِيٍّ من الناس وِجْهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فلما تُوُفِّيَتْ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ الناس فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أبي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ ولم يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إلى أبي بَكْرٍ أَنْ ائْتِنَا ولا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، فقال عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: والله لا تَدْخُلْ عليهم وَحْدَكَ..

فقال أبو بَكْرٍ: وما عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي! إني والله لآتِيَنَّهُمْ.. فَدَخَلَ عليهم أبو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ، ثُمَّ قال: إِنَّا قد عَرَفْنَا يا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ وما أَعْطَاكَ الله، ولم نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ الله إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لنا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حتى فَاضَتْ عَيْنَا أبي بَكْرٍ..

فلما تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ قال: وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي، وَأَمَّا الذي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ من هذه الأَمْوَالِ فَإِنِّي لم آلُ فيها عن الْحَقِّ، ولم أَتْرُكْ أَمْرًا رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فيها إلا صَنَعْتُهُ، فقال عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ، فلما صلى أبو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِيَ على الْمِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍ وَتَخَلُّفَهُ عن الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إليه، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ فَعَظَّمَ حَقَّ أبي بَكْرٍ وَأَنَّهُ لم يَحْمِلْهُ على الذي صَنَعَ نَفَاسَةً على أبي بَكْرٍ، ولا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ الله بِهِ.. وَلَكِنَّا كنا نَرَى لنا في الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ فَوَجَدْنَا في أَنْفُسِنَا.. فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا أَصَبْتَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إلى عَلِيٍ قَرِيبًا حين رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ".

رواية أبي داود:
حدثنا يَزِيدُ بن خَالِدِ بن عبد اللَّهِ بن مَوْهِبٍ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ عن عُقَيْلِ بن خَالِدٍ، عن بن شِهَابٍ عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي صلى الله عليه وسلم: أنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلى أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عليه بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وما بَقِيَ من خُمُسِ خَيْبَرَ، فقال أبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ من هذا الْمَالِ» وَإِنِّي والله لا أُغَيِّرُ شيئًا من صَدَقَةِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن حَالِهَا التي كانت عليه في عَهْدِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَأَعْمَلَنَّ فيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أبو بَكْرٍ رضي الله عنه أَنْ يَدْفَعَ إلى فَاطِمَةَ عليها السَّلام منها شيئًا".

رواية البيهقي:
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، قال أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال» وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة رضي الله عنهما منها شيئًا وذكر الحديث.. (رواه البخاري في الصحيح عن بن بكير، ورواه مسلم من وجهٍ آخر عن الليث).

المبحث الخامس: رواية معمر عن الزهري:

قال البخاري: "حدثنا عبد اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ، حدثنا هِشَامٌ أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا من فَدَكَ وَسَهْمَهُمَا من خَيْبَرَ، فقال لَهُمَا أبو بَكْرٍ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ من هذا الْمَالِ»، قال أبو بَكْرٍ والله لَا أَدَعُ أَمْرًا رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فيه إلا صَنَعْتُهُ، قال: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فلم تُكَلِّمْهُ حتى مَاتَتْ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بن أَبَانَ أخبرنا بن الْمُبَارَكِ عن يُونُسَ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»".

وقال البخاري: "حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أخبرنا هِشَامٌ أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السَّلام وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ من فَدَكٍ وَسَهْمَهُ من خَيْبَرَ، فقال أبو بَكْرٍ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ في هذا الْمَالِ»، والله لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي" (أخرجه البخاري: [4035]، [6725]، ومسلم: [1759]، والطبراني في الكبير: [1/90]، والبيهقي: [6/300] من طريق عبد الرزاق عن معمر به".

رواية مسلم:
"حدثنا إسحاق بن إبراهيم وَمُحَمَّدُ بن رَافِعٍ وَعَبْدُ بن حُمَيْدٍ، قال: بن رَافِعٍ حدثنا وقال الْآخَرَانِ: أخبرنا عبد الرَّزَّاقِ أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزُّهْرِيِّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ من فَدَكٍ وَسَهْمَهُ من خَيْبَرَ، فقال لَهُمَا أبو بَكْرٍ إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَاقَ الحديث.. بِمِثْلِ مَعْنَى حديث عُقَيْلٍ عن الزُّهْرِيِّ غير أَنَّهُ قال: ثُمَّ قام عَلِيٌّ فَعَظَّمَ من حَقِّ أبي بَكْرٍ وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ ثُمَّ مَضَى إلى أبي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ الناس إلى عَلِيٍ فَقَالُوا أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ فَكَانَ الناس قَرِيبًا إلى عَلِيٍ حين قَارَبَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ".

رواية الطبراني:
حدثنا أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو بكر بن زنجويه، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنهما.. يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله يقول: «لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال»، وإني والله لا أدع أمرًا رأيت رسول الله يصنعه فيه إلا صنعته..

قالت: فهجرته فاطمة فلم تُكلِّمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي رضي الله عنهما ليلًا ولم يؤذن بها أبو بكر قالت: فكان لعلي رضي الله وجه من الناس حياة فاطمة رضي الله عنها، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ثم توفيت، قال: معمر فقال رجل للزهري رحمه الله فلم يبايعه ستة أشهر قال: لا، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي" (معجم الطبراني الكبير، ص: [1/90]).

رواية البيهقي:
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار ببغداد، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال»، والله إني لا أدع أمرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه بعد إلا صنعته..

قال: فغضبت فاطمة رضي الله عنها وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت، فدفنها علي رضي الله عنه ليلًا ولم يؤذن بها أبا بكر رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لعلي رضي الله عنه من الناس وجه حياة فاطمة رضي الله عنها، فلما توفيت فاطمة رضي الله عنها انصرف وجوه الناس عنه عند ذلك..

قال معمر: قلت للزهري: كم مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ستة أشهر، فقال رجلٌ للزهري فلم يبايعه علي رضي الله عنه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها؟ قال: ولا أحد من بني هاشم.." (قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر، ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه، وغيره عن عبد الرزاق، وقول الزهري في قعود علي عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه حتى توفيت فاطمة رضي الله عنها. منقطع وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مبايعته إِيَّاه حين بويع بيعة العامة بعد السقيفة.. أصح. ولعل الزهري أراد قعوده عنها بعد البيعة ثم نهوضه إليها ثانيًا وقيامه بواجباتها)..

والله أعلم.

 

المصدر: موقع المنهج

عثمان بن محمد الخميس

خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم

  • 12
  • 0
  • 20,245
 
المقال التالي
(02) غريب الحديث ودراسة طرقه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً