خرج طريداً فأوصى "أفشوا السلام"

منذ 2014-04-30

دعوني أروي لكم ما حدث معي قبل أيام قليلة، حيث كانت أختكم في "كافيه" قريب تعودت على التأمل من خلاله في إحدى زواياه، حيث اعتدت أرى مرتاديه من خلال ذلكم الركن الهادئ.

يساري المشهد مختلف حيث إطلالة المحيط، وقبلها مرج ممتد يبعث الراحة والسكون لكل نفس تبحث عنه وتحتاج إليه. على طاولتي المستديرة الصغيرة ذات المقعدين حيث انثر أوراقي، وأدوات محبرتي.


لحظات وإذا بـِمُسنـّة ترمقني قبل أن يـُلبّى طلبها، وإذ بها تجلس قبالتي على مقعد ليس بالبعيد، من وقت لآخر أسارقها النظر وإذ بها ترمقني وهي ترتشف قهوتها، ترمقني وهي تتأمل ذاك المخلوق الغريب المتشح بشيء من التراث !!


بعد قرابة نصف الساعة نظرت إليها مبتسمة حيث بادرتها متلفظة بـ hi لكسر حاجز التأمل - على الأقل من طرف واحد - بادلتني الابتسامة ونهضت متوجهة نحوي، واستأذنت بالجلوس وكأنها تنتظر تلكم الـ هاي.

فــرحبت بها ململمة أوراقي، وإذا بها تبادرني السؤال، وبلهجة أصيلة وبلغة على بلاد المغلوبين دخيلة -كما هي طبيعة الحال- بادرتني بإعجابها بزي مختلف مشبهته بلبس الراهبات، فأجبتها مبتسمة قائلة: هذا لباس من لديهن دين وربٌ يخشينه.


ثنـّت بسؤالها:هل أنت من بلاد الهند؟ فأجبتها: لا سيدتي أنا من بلاد السعودية

فردت:لاآهـــــ بلاد الإرهاب !!

فقلت لها: نعم بلاد السلام.

قالت مستهجنة ردي مقزّمةً ثقتي: أي سلام؟!

قلت لها سيدتي:ىسلام الإسلام.

قالت بكل جرأة: أي سلام ! سلام يفجـّر الطائرات ويقتل الأبرياء.

فأجبتها: أبداً ليس نحن.

بعدها صارت تتأمل كلام هندية في نظرها إرهابية المنشأ، لم أترك لها فرصة حيث داعبت أقدس أوتاري، فقلت لها: ممكن تعيريني انتباهك أسمعك أجمل قصة في التاريخ وسأرويها على عجل وربما لها علاقة بحديثنا.

فردت بكل ممنونية متوثبة: أف كورس.

فقلت لها سيدتي: يحكى أن رجل نبيل يلقـّب بالأمين، ولد يتيم وعاش فقير، لفقره عجز عن تعلّم القراءة والكتابة، رعى الغنم لكنه لم يسجد لصنم، كان بلا دين حتى الأربعين لكنه في رحلة بحث عن الدين الحق، عاش حراً ومات عبداً.

" عفواً "

لكنه لم يمت كما يموت الكثير من العبيد، لكن مات يعرف العبودية الحقـّة للمعبود الأحد الذي لم يلد ولم يولد.

كانت العجوز تحدّق في وعيوني تنهمر منها الدموع كما هي عليها الحال الآن وأنا أكتب لكم عن حوار دار في حانوت على الطريقة الغربيـّة.

وهي تتعجّب ..

فقالت: أنا آسفة هل من تحكي عنه أبوك.

فقلت لها: أبدا لكن أحب إلي من أبي وأعظم منه، مع أنني لم أره !!

هزت رأسها لـ تستدرك الكلمات وتعرف منه ذلكم الرجل، الذي تبكي منه فتاه في جزيرة نائية ملك شغاف قلبها ولم تره.

استطردت حديثي قائلة: نعم هكذا عاش الرجل وفي اكتمال عقده الرابع ادعى أمراً ما، تبعه نفر قليل فـ حورب واضطُهد، وذات يوم من الأيام، اجتمعت قبيلته لقتله فرحل متخفيا خائفا يترقـــّب، وبعد بضع عشرة يوماً بلياليهن وعلى مسافة مئات الكيلو مترات، وصل الطريد لمدينة أخرى حيث فيها من ينصرونه
تدرين سيدتي بعد هذا العناء والتعب، ماذا قال الطريد عندما اجتمع الناس وهم فرحين بلقياه، قال لهم أربع عبارات فقط:

قالت العجوز وماذا قال؟!

قلت لها قال: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا جنــّة ربكم بسلام»

وقفت لبرهة لأترك لعجوز الجزيرة حريـّة التأمل، ثم قطعت ذلك بقولي:

سيدتي تأملي أول عبارة لذلكم الرجل أيها الناس افشوا السلام، نعم إنه يأمر بإفشاء السلام، لكن تعلمي .. ماذا يا ترى .. أي سلام يقصد؟

سيدتي إنه يقصد سلام المحبة، سلام الحياة، سلام الأديان، سلام الإنسان لأخيه الإنسان.

قطعت تفكيرها بقولي:
سيدتي هل تعلمي زمن هذه القصّة!
إنها قبل 14 قرن من السنين، وهل تعلمي كم هم أتباعه الآن ذلكم الرجل؟! إنهم الآن قاربوا المليار والثلث إنسان على وجه البسيطة

سيّدتي..

إن ذلكم الرجل هو محمد - صلى الله عليه وسلم - محمد الإنسان، محمد رسول السلام، دينه وديني ودين أتباعه الإسلام دين السلام، نعم أنا سيدتي سارا، وبلدي بلد السعودية بلد الإسلام، بلد السلام، هنا أسدل الستار على حوار بعد ما تبادلنا العناوين، لعل وعسى تكون الأحاديث ذات شجون عن دين.
ربما يهديها الله إليه عجوز بلغت من الكبر عتيـّا ويبقى قلبها، بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، سائلة المولى هدايتها انه على كل شيء قدير.

اللهم آمين

سارا الجزيرة

المصدر: مجلة البيان
  • 40
  • 0
  • 1,996

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً