(9) الصلاة والجنة

محمد بن عبد الرحمن العريفي

الصلاة هي مفتاحُ الجنان، وطريقُ دارِ السلام، ومجاورةِ الملك العلام.

  • التصنيفات: فقه الصلاة -

نعم، الصلاة هي مفتاحُ الجنان، وطريقُ دارِ السلام، ومجاورةِ الملك العلام.
روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة»، قال: "ما عملت عملاً أرجى عندي، أني لم أتطهر طهوراً، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي" (وروى الطبراني وأصل الحديث في مسلم).

وعن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: "كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم نهاري، فإذا كان الليل أويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبت عنده، فقال يومًا: «يا ربيعة سلني، فأعطيَك»، فقلت: "أَنظِرْني حتى أنظر، وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة، فقلت: يا رسول الله، أسألك أن تدعو الله أن ينجيني من النار، ويدخلني الجنة"، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «من أمرك بهذا؟»، قلت: "ما أمرني به أحد، ولكني علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه، فأحببت أن تدعو الله، قال«: إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود».

وروى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، فقال: «عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة»، إنما ينجو يوم القيامة أقوام صالحون، إذا أقبل وقت الصلاة اشتاقوا إليها، وأقبلت أجسادهم عليها، الصَّلاةُ لأحدهم رَبيع قَلْبِهِ، وحياة نفسه، وقُرّة عَيْنِهِ، ولذة جسده، بل هي جلاء حُزْنِهِ، وذَهاب همِّه وغَمّه، يفزعون إليها عند النوائب، ويلوذون بها في النوازِلِ، يتعرف بها أحدهم إلى الله في الرخاء، فيعرفه ربه في الشدة.

ذكر الذهبي في ترجمة أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري، أنه كان صاحب نسك وعبادة، قال عنه ابن وهب: "رأيت سفيان الثوري في الحرم بعد ما صلى المغرب، قام ليصلي النافلة، فسجد سجدة، فلم يرفع رأسه حتى نودي بالعشاء"، وقال علي بن الفضيل: "أتيت أريد الطواف بالكعبة، فإذا سفيان ساجداً يصلي، فطفت شوطاً فإذا هو على سجوده، فطفت الثاني فإذا هو على سجوده، فلقد طفت سبعة أسابيع أي تسعة وأربعين شوطًا وهو لم يرفع رأسه من سجوده".

وقال عنه عبد الرزاق -أحد تلاميذه-: "لما قدم سفيان علينا طبخت له قدر سكباج -لحم مع الخل- فأكل، ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل، ثم أتيته بالزبيب فأكل، فلما انتهى من طعامه، قام، ثم شد على وسطه إزاره، ثم قال: يا عبد الرزاق، يقولون: اعلف الحمار وكده، ثم قام يصلي حتى الصباح".

نعم تعبد صادق، إذا قام في محرابه نسي الدنيا وما عليها، يصلي أحدهم لربه، صلاة عبد مشتاقٍ إليه، معترفٍ بفضله عليه.. متذللٍ منكسرٍ بين يديه، فيزداد محبة إلى محبته، وشوقاً إلى دخول جنته، فإذا وقع هؤلاء في الكربات، أو جأروا بالدعوات، رأوا من ربهم ما يرضيهم، ويصلح حالهم ويغنيهم.

وفي الصحيحين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً في المسجد مع أصحابه يوماً، فدخل رجل فصلى، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه وهو يصلي، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام، ثم قال: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»، فرجع الرجل فصلى كصلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له: «وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ»، فرجع الرجل فصلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له: «وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ»، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق، ما أحسن غير هذا فعلمني، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها».

عجباً! فما أحوج كثير من الناس اليوم أن يقال له بعد صلاته: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ؟!
ينقر أحدهم سجوده كنقر الغراب، ويركع مستعجلاً كالمرتاب، لا يناجي ربه في السجود، ولا يخشع للرحيم الودود!

------------------------------------

من كتاب: (دموع المآذن) للشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي