كن صحابيًا - (2) القابضون على الجمر

منذ 2014-05-02

المقصود أن تكون صحابيًا في عقيدتك، في إيمانك، في أفكارك، في فهمك لهذا الدين، في طموحاتك، وأهدافك، في حميتك للإسلام، في غيرتك على حرمات المسلمين، في التطبيق لكل صغيرة وكبيرة في هذا الدين.

قد يستغرب كثير من الناس هذا السؤال:

هل أنت صحابي؟

وهذا الأمر في مصطلح أهل الحديث مستحيل، فالصحابي أو الصحابية هو رجل أو امرأة عاشا في حقبة معينة من الزمان توافرت فيه، أو فيها شروط معينة، هذه الحقبة من الزمان مرت، ولا يمكن أن تعود، وهذه الشروط من المستحيل أن تتوفر فينا، لهذا ففي مصطلح أهل الحديث لا يمكن لنا أن نكون صحابة، فما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الإنسان عند علماء مصطلح الحديث حتى يكون صحابيًا؟

الشرط الأول:

أن يكون قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أو اجتمع به، فلا بد من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون صحابيًا من عاصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره أبدا حتى، وإن كان في زمانه، فالنجاشي ليس بصحابي مع أنه كان معاصرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به في حياته، لكن لم يره، ويقول علماء الحديث: أو اجتمع به.

ليدخل في هذا المعنى من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره لضعف أو لفقد لنعمة البصر، مثل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، اجتمع بالرسول، لكنه لم يره؛ لأنه ضرير، ولا بد أن تكون الرؤية رؤية يقظة، وليست رؤية المنام.

الشرط الثاني:

أن يكون آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم، فليس بصحابي من كان معاصرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورآه، أو اجتمع به، لكنه ظل كافرًا سنوات طويلة إلى أن مات الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم آمن الرجل، فهو ليس من الصحابة، ولكن يكون من التابعين الذين تعلموا على يد الصحابة.

الشرط الثالث:

أن يموت على هذا الإيمان، فهو قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ثم مات على هذا الإيمان.

هذه الشروط الثلاثة لو تحققت في واحد، فهو صحابي، والصحابة كثيرون جدا، أكثر من مائة وأربعة عشر ألفا تحققت فيهم هذه الشروط، ونحن لسنا من الصحابة؛ لأننا لم نعاصر رسول صلى الله عليه وسلم، ولم نره، ولا مرت بنا هذه التجربة، كما ذكرنا، فبمصطلح الحديث مستحيل أن نجاوب عن سؤال: هل أنت صحابي؟ بإجابة نعم.

ولكن ما القصد من السؤال:
هل أنت صحابي؟
إذا كان مستحيل أن نكون صحابة في مصطلح الحديث، فما المقصود بكلمة كن صحابيًا؟

المقصود أن تكون صحابيًا في عقيدتك، في إيمانك، في أفكارك، في فهمك لهذا الدين، في طموحاتك، وأهدافك، في حميتك للإسلام، في غيرتك على حرمات المسلمين، في التطبيق لكل صغيرة وكبيرة في هذا الدين.

المقصود في هذا البحث أن نفقه الأسباب الحقيقة التي جعلت من الصحابة صحابة، لم يكن فضل فقط أنهم عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عاشوا معه في نفس الفترة الزمنية، فقد عاصره أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم من أولئك المشركين.

إنما يرجع فضل الصحابة إلى التزامهم بتعاليم هذا الدين التزامًا حرفيًا، واتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم اتباعًا دقيقًا، وحبهم لهذا الشرع حبًا خالصًا صادقًا حقيقيًا.

المقصود في هذا البحث أن نكون قومًا عمليين، لا يكون همنا سماع الحكايات، والتندر بالروايات، لكن يكون همنا أن نصل إلى ما وصل إليه هؤلاء العملاقة، أو قربيًا مما وصلوا إليه، وهو المقصود من كلمة:
كن صحابيًا.

وهو المقصود من سؤال:
هل أنت صحابي؟

قال لي أحد أصحابي شيئًا غريبًا، ولعل هذا الشيء الغريب هو السبب في إعداد هذا البحث، يقول: إنني كلما قرأت قصص الصحابة، أو استمعت إليها أصابني اليأس، والإحباط.

قلت: هذا عكس المراد تمامًا، إنما نقرأ سير الصحابة، والصالحين لنتحمس للعمل، لننشط من الفتور، فلِمَ تشعر بهذا الإحساس؟

قال: كلما قرأت عن الصحابة وجدت أعمالًا يستحيل علينا فعلها، فبصراحة حاجة تعقد.

يقول: وجدت إصرارًا على الجهاد، وجدت ثباتا على الإيمان، وجدت عزيمة على صيام، وقيام، وبذل، وعطاء، وجدت مواصلة لأعمال البر، والخير ليل نهار، صيف شتاء، لا يوجد فرق بين مرحلة طفولة، ومرحلة شباب، ومرحلة كهولة أو شيوخة، الجهد كله لله عز وجل، المال كله في سبيل الله، الفكر كله في سبيل الله، الحياة كلها في سبيل الله.

فعندما أجد ذلك أشعر بضعفي الشديد، وبعدي عن طريقهم، فيسيطر عليّ الإحباط، واليأس.

انتهى كلام صاحبي.

قلت لصاحبي:

نصف كلامك أنا معك فيه أقبله، واتفق معك فيه تمامًا، والنصف الثاني اختلف معك فيه اختلافًا جذريًا، فكما تقول فعلا الصحابة جيل فريد حياتهم عجيبة، عطائهم ما انقطع لحظة، ولذلك قيمته عالية جدا وغالية جدا، يكفي أن تسمع إلى ما يقول الله في حقهم إجمالًا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].

ولم يذكر الله عز وجل شرط الإحسان في عمل الصحابة، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ} [التوبة من الآية:100].

كلهم على هذه الوتيرة، والذين اتبعوهم شرط لهم الإحسان {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة من الآية:100].

لأن الصحابة السابقون، والمهاجرون والأنصار، كلهم عملوا بإحسان

هذا معلوم ضمنًا لحال الصحابة، فدرجتهم عالية، وغالية عند ربنا سبحانه وتعالى، وعند الرسول، وعند كل المؤمنين، درجة في منتهى الجمال، هذا ما اتفق فيه معك أنهم وصلوا لدرجة عالية جدًا، لكن ما اختلف فيه مع صاحبي هو الشعور بالإحباط، واليأس عند سماع هذه الحكايات، وعند قراءة هذه السير، فبدلا من الإحباط، واليأس، الأفضل أن نشغل أنفسنا بمعرفة كيف سبق السابقون؟ وكيف اللحاق بهم؟

فكر في المسألة بعقلك، ما دام الصحابة ساروا في طريق معروف واضح، وهذا الطريق موصوف لنا، كما وُصف لهم، وذلك في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إذا كان الأمر كذلك فالتعرف على الطريق، والسير فيه يضمن أن نصل إلى ما وصلوا إليه، فمثلا،

لو قلت لك: 

امش في هذا الطريق لا تحيد عنه يمينًا أو شمالًا، وستجد نفسك في الإسكندرية.

طريق مستقيم من هذه نقطة إلى هذه النقطة يصل بك إلى الإسكندرية، فكل من سار في هذه الوصفة وصل.

فالصحابي مشي في الطريق، ولم يحد يمينًا أو شمالًا، فوصل إلى ما كان يريد أن يصل إليه، ونحن إذا سلكنا نفس الطريق من غير ما نحيد يمينًا أو شمالًا سنصل لنفس ما وصل إليه الصحابي، المشكلة أننا كثير ما نحيد يمينًا وشمالًا، أحيانًا تحب أن تستكشف طرق جانبية، فتبعد عن الطريق المستقيم، قد تفكر أنك أذكى من الشرع، أحيانًا نفكر بهذا التفكير، تسطيع أن تأخذ طرق مختصرة فتصل أسرع، بينما الأصل أن الطريق المستقيم، هو أقصر الطرق، وطريق الشرع هو دائمًا الطريق المستقيم من غير يمين ولا شمال، يقول الله عز وجل: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6].

تقولها 17 مرة على الأقل كل يوم في صلاتك، 17 ركعة مفروض عليك أن تقرأ الفاتحة، ليربيك سبحانه وتعالى {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].

ودائمًا يوصف الطريق أو الصراط بأنه مستقيم، ومن يحاول أن يأخذ طريقًا مختصرًا فرعياً من الطريق المستقيم، فلا يصل أبدًا، ومن انحرف ولو درجة لا يرجى له وصول، ومن يرى طريق التربية الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنه طريق طويل، فيه دعوة، وابتلاء، وصبر، وكفاح، ولما يجد الطريق طويل يقول: آخذ طريقًا مختصرًا، سأدخل مباشرة على بدر، أغير بالسيف مثلما غيّر الرسول صلى الله عليه وسلم.

غَيّر في بدر، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم مشي في طريق طويل، قبل بدر، ولكنه يريد أن يسلك الطريق المختصر، وتكون النتيجة لا وصول، ولن يصل لأن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق، كمن يحمل الناس على الإيمان قسرًا بالعنف بالزجر بالتخويف، ويقول إن هذا أسرع، وهذا أكثر اختصارًا، بينما طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم نعرفه كلنا هو الرفق، واللين، والبشاشة، والابتسامة، والحب، والمودة، قد تبدوا من أول وهلة أنها أطول، لكن الحقيقة هذه أقصر الطرق إلى القلوب.

الصحابة كانوا يسيرون في الطريق المستقيم لا يمين ولا شمال، هذا الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني أمرًا في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك. قال صلى الله عليه وسلم: «قُل آمنتُ بالله ثم استقم».

وهذا هو الدين لا يمين ولا شمال، وإلى هذا المعنى لفت النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار في حواره الرائع مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، حذيفة بن اليمان الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه، حوار طويل جدًا، وجميل جدًا، لن نذكره كله وهو في البخاري لمن أراد الرجوع إليه، لكن نقطة مهمة جدًا تخصنا الآن، فبعد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان على أمتي سيكون فيه الخير ولكن سيكون فيه دخن، سأل حذيفة: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم». وتفكر في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يصف واقع نعيشه الآن قال: «نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها». قلت: يا رسول الله صفهم لنا. من هم هؤلاء الدعاة الذين على أبواب جهنم؟ قال: «هُمْ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا» -يعني أنهم مسلمين- «وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».

سبحان الله، دعاة على أبواب جهنم، تجدهم يزينون لك المعاصي، فمنهم من يعمل لتكون مدمنًا للخمر، أو للسجائر، أو المخدرات، ومنهم من يزين في عينيك إضاعة الوقت، وإهدار المال، والبعض يزين في عينيك الرشوة،

وهكذا دعاة على أبواب جهنم، القضية في منتهى الخطورة، نحن في هذا البحث لا نبحث عن فضائل الأعمال، نحن نبحث عن النجاة من جهنم، نبحث عن الطريق المستقيم، ولا يوجد غير هذا الطريق، فأي طريق غيره هو باب من أبواب جهنم، الطريق الإسلامي طريق مستقيم وواضح، أما من يسلك طريق الاشتراكية مرة، وطريق الرأسمالية مرة، ويفتح باب العلمانية مرة أخرى، لن يرجى له وصول، نحن هنا نريد أن نتعرف على معالم طريق الصحابة، الطريق المستقيم الذي مشي في الصحابة، لا نريد طرقا مختصرة أو انحرافات، لا نريد أن ندخل في التيه، ونتخبط، كما دخل فيه بنو إسرائيل عندما رفضوا الطريق المستقيم { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة:21].

رفضوا، وعاندوا، واستكبروا، واقترحوا خططًا بديلة، وأساليب مختلفة، وكانت النتيجة الدخول في التيه، وبعد أن سلكوا كل الطرق، وجربوها في النهاية لم يدخلوا القرية المقدسة، إلا من حيث أمرهم نبيهم؛ لأنه طريق واحد يوصل للحق، الطريق المستقيم الذي أمر به الأنبياء.

ما مفهوم الصحابة عن الإخلاص؟
ومفهومهم عن العلم؟
وعن العمل؟
عن الدنيا؟
عن الجنة؟
عن الأخوة؟
عن التوبة؟
عن هذه المعاني وغيرها، الطريق المستقيم في كل معنى من هذه المعاني، وهذا هو المقصود أن نعرف الطريق؛ لنسير فيه، لا لمجرد المعرفة النظرية، أو لحشو العقل بكمية ضخمة جدًا من المعلومات، ليس هذا غرضنا.

وقبل أن نتعرف على معالم هذا الطريق، نقف وقفة، ونحلل لماذا دب الإحباط واليأس في القلوب عند سماع قصص الصحابة؟
حتى وإن قلتا لا داعي لليأس أو الإحباط فلا بد وأن نبحث عن أسباب الإحباط لنستطيع معالجة المسألة علاجًا متكاملًا.

أسباب الإحباط واليأس:

والحقيقة هناك بعض الأسباب التي أورثت اعتقاد كثير من المسلمين أنه من الصعب تقليد الصحابة:

أولًا: موت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ربّى الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم غير موجود، فلن نكون كالصحابة، وهذا الفكر قد تسرب إلى عقول كثير من الناس، ولكن هل وجود الرسول حتمي للدلالة على الطريق الصحيح؟

ولكي نعرف الطريق الذي أراد الله أن نسير فيه، فهل من اللازم أن يكون الرسول بنفسه موجود بيننا؟ فإذا كان حتميًا فلا أمل في الوصول؛ لأنه مات صلى الله عليه وسلم، وهذه حقيقة، ولن يعود صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وإذا لم يكن ذلك حتميًا، فهناك أمل أن نصل إلى ما وصل إليه الصحابة.

ولنجيب عن هذا السؤال بوضوح، بداية لا ينكر أحد أهمية وجود النبي صلى الله بالنسبة للجيل الأول؛ لأنه لا لن يوجد دين بدون النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يتلقى عن رب العالمين، ثم إنه كان القدوة الكاملة الحسنة لكل المؤمنين، قدوة في كل شيء على إطلاق الكلمة {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

لكن اسأل نفسك: هل اختفت القدوة النبوية من حياتنا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

أبدًا مازالت سنته، وطريقته، وكلماته حية بين أظهرنا، وستظل حية إن شاء الله إلى يوم القيامة، ولقد أنكر الله عز وجل بشدة على أولئك الذين فتروا عن العمل لما غاب عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى معلقًا على غزوة أحد: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144ٍ].

هذه الآية نزلت عندما أشيع يوم أُحُد أن رسول صلى الله عليه وسلم قد قتل، وأحبط بعض الصحابة، وجلسوا في أرض القتال، وفقدوا كل حمية للقتال، فقدوا كل رغبة في النصر، وكل أمل في الحياة.

فالحياة بالنسبة للصحابة في الأرض ساعة واحدة بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الخلود في الأرض بغير الرسول صلى الله عليه وسلم، مصيبة كبيرة جدًا فَقْد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المصيبة على الصحابة أشق بكثير من المصيبة علينا؛ لأن هؤلاء سلبوا بعد العطاء، فقد عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خالطوه، تعاملوا معه، صلوا خلفه، استمعوا لحديثه، عاشوا حياة كاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قيل قُتِل صلى الله عليه وسلم، مصيبة ضخمة جدًا، ومع عظم هذه المصيبة ما عُذروا، لم يعذرهم ربهم سبحانه وتعالى، لم يعذروا في العمل بنفس الحمية، حتى مع المصيبة الكبيرة اعتبر أن ما فعله هؤلاء الصحابة قصورًا في الفهم يستحقون عليه اللوم الشديد، والتهديد المرعب {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران من الآية:144].

وعلى العكس من ذلك تمامًا كان الصحابي الجليل ثابت بن الدحداح رضي الله عنه وأرضاه عميق الفهم، واضح الرؤية، مر على هؤلاء الذين قعدوا بعد ما سمعوا إشاعة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال لهم:

إن كان محمد قد قتل، فإن الله حي لا يموت، قاتلوا عن دينكم فإن الله مظفركم وناصركم.

ثم قاتل رضي الله عنه وأرضاه حتى استشهد، فثابت بن الدحداح رجل مؤمن، رجل واقعي، يتعامل مع الواقع الذي يعيشه بكل ظروفه وملابسته، يعمل في وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل أيضًا في غيابه، يتأقلم بسرعة مع الأحداث، يعمل بكل طاقاته فيها، ليس هناك أمرًا مستحيل الحدوث، ليس هناك معنى لكلمة لو في حياة المسلم، يقول أحدهم لو كنت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل أنا لست بصحابي، فلن أستطيع أن أكون كالصحابي، وهذا وهم، و(لو) كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم:

تفتح عمل الشيطان، ومن أدراك أنك لو كنت في زمان رسول الله أنك كنت تتبعه، فآلاف المشركين عاصروه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم، آلاف المنافقين عاشوا في المدينة، وصَلّوا في مسجد النبي، وخلف النبي مباشرة، ومع ذلك ما آمنوا، ما أدراك أنك كنت ستتغلب على فتنة ترك دين الآباء، وفتنة اتباع نبي من قبيلة أخرى، وفتنة المحاربة من أهل الأرض أجمعين، وفتنة التعذيب، وفتنة التجويع، وفتنة الهجرة، من أدراك؟

اليقين أن ما اختاره الله لك هو الأفضل، فلا يُقبل أن يتعلل المسلم بغياب الرسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم تقليد الصحابة.

نفس الفهم الذي كان عند ثابت بن الدحداح، وأعظم منه كان عند أبي بكر الصديق يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعتقد أن بشرًا على وجه الأرض حزن على رسول الله مثلما حزن عليه أبو بكر الصديق؛ لأنه كان أكثر من يحبه فعلًا، وكان أبو بكر أقرب الرجال إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يمنع هذا الحزن العميق من وضوح الرؤيا، وعمق الفهم، وخطب في الناس قائلًا: "من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت".

هذه هي حقيقة الرسالة، وحقيقة الرسول، هذه هي حقيقة العبودية لله عز وجل، فنحن لا نعبد الرسل، ولا نربط أعمالنا بوجودهم، بل نعبد الله عز وجل، ونربط أعمالنا به سبحانه وتعالى، فهو سبحانه الحي الذي لا يموت، الباقي الذي لا يفنى، فلماذ يفتر الناس عن العمل في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144ٍ].

لا نريد أن نكون كأصحاب موسى عليه السلام لما ذهب لتلقي الألواح، لم يصبروا على فراقة، وعبدوا العجل، ونحن لم نعبد العجل ولن نعبده إن شاء الله، ولكن منا من يعبد هواه، ويعبد شهواته، ويعبد رغباته، يقول تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

فلو أمره الله بأمر وهواه في أمر آخر، فيتبع هواه، ويترك أمر الله، وهذا لا يعبد الله حق العبادة؛ لأن العبودية اتباع، وليست مجرد كلمات تطلق في الهواء {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].

فالاتباع ليس مجرد كلام، والدين أتمه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3].

وهذا الدين ليس قابلًا للزيادة كما أنه ليس قابلًا للنقصان.

واضح جدًا أن ما طلب من الصحابة من أحكام وتشريعات، هو نفس ما يطلب منا، نفس التكاليف، الصلاة هي الصلاة، الصيام هو الصيام، الإنفاق هو الإنفاق، الجهاد هو الجهاد، المعاملات هي المعاملات، الأخلاق هي الأخلاق، الدين هو هو لم يتغير، ولم يتبدل، ولم يزد، ولم ينقص، وقد عُلم أن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فإن كان الله يعلم فينا ضعفًا يقود إلى استحالة التطبيق لشرائع الإسلام في غياب النبي صلى الله عليه وسلم لكان خفف عنا هذه الشرع لأنه عادل لا يظلم سبحانه وتعالى، فالصحابة تصلي خمسًا، فنصلي نحن ثلاثة، الصحابة يدعون إلى الله، ونحن ترفع عنا الدعوة، الصحابة يدافعون عن الأمة، يجاهدون في سبيل الله، ينشرون كلمة الله عز وجل في الأرض، يفتحون البلاد بالإسلام، يعبّدون الناس كلهم لله، ونحن لا نفعل ذلك؛ لأننا أضعف، ولم يحدث هذا الكلام.

فالله عز وجل الحكيم القدير العليم بخلقه، وأحوالهم، وشئونهم، وقدراتهم سبحانه وتعالى فرض علينا نفس الدين، ونفس الشريعة، ونفس التكاليف، إذًا نستطيع أن نطبق نفس التطبيق، وما كان الله عز وجل ليفرض علينا شيئًا لا نقدر عليه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة من الآية:286].

وهل يوجد يوم القيامة حساب مختلف، أو ميزان مختلف، الحساب هو الحساب، والميزان هو الميزان، فليس هناك ميزان للجيل الأول، وميزان للجيل الثاني، وميزان للجيل العاشر، بل هو ميزان واحد، فأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وبلال، وسعد، وأبو هريرة، وخالد، وخديجة، وعائشة، وأم عمارة رضي الله عنهم أجمعين، كل هؤلاء توزن أعمالهم في نفس الميزان الذي يوزن فيه بعد ذلك موسى بن نصير، وطارق بن زياد، وصلاح الدين الأيوبي، وابن كثير، والنووي، والبخاري، وقطز، وكل الصالحين، وكل الطالحين، كل الناس ستوزن أعمالهم في نفس الميزان، وفي نفس الميزان توزن أعمالي، وأعمالك، وأعمال كل الحضور، وكل السامعين، وأهل الأرض أجمعين، نفس الميزان، الأمر بهذه البساطة، وبهذه الخطورة أيضًا، لا بد أن تعرف أنت تقارن بمن، ولهذا ففي أمور الإيمان انظر إلى من هو أعلى منك، فهذا أدعى إلى العمل، وفي أمور الدنيا انظر إلى من هو أسفل منك، فهذا أجدر ألا تزدري نعمة الله عز وجل عليك.

فإذا كان الله عز وجل سينصب ميزانًا واحدًا، ويحاسب حسابًا واحدًا، وفرض شرعًا واحدًا، وخلق طريقًا مستقيمًا واحدًا، وعلم سبحانه وتعالى أن رسول الله سيموت بعد سنوات معدودات من بعثته 23 سنة، ومع كل ذلك لم يخفف عن اللاحقين شيئًا من الشرع، لم يخفف عنهم ولن يخفف عن كل من سيأتي إلى يوم القيامة، إذا كان كل ذلك حقيقيًا، فلا شك أن اللاحقين مِن أمثالنا، ومَن سبقنا ومَن سيلحق بنا، كل هؤلاء يستطيعون التعرف على معالم الطريق الذي سار فيه الصحابة، ويصلون إلى ما وصل إليه الصحابة، حتى في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا أمر ظاهر للعقل، ومفهوم، وواضح، ولا يوجد في دين الله إبهام، أو غموض، وليس في دين الله عز وجل ظاهر وباطن، إنما كله ظاهر واضح جلي، لا يوجد عندنا أسرار خفية، يطلع عليها بعض الصالحين، فيعبدون الله عز وجل بطريقة غير معلومة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل من الآية:89].

فأول سبب يحبط الناس من تقليد الصحابة هو غياب الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: الخروج بالصحابة عن دائرة البشرية.

فالناس تعتقد أنهم طراز مختلف من البشر، خلق آخر ليست لهم النوازع الإنسانية المزروعة في داخل كل منا، وهذا كلام غير صحيح، وتفكر في حقيقة الصحابة، بل تفكر في حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، أليس بشرًا له خاصية البشر؟

يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج، وينجب، ويحب، ويكره، ويفرح، ويحزن، ويتألم، بشر بنص كلام الله عز وجل في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل في القرآن الكريم:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الكهف من الآية:110].
الاختلاف الوحيد بيني وبينكم {يُوحَىٰ إِلَيَّ}

فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر نزل عليه الوحي

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110].

فلا تنشغل عن العمل بأي أعذار، فلا تحتج أنك لا تسطيع تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا كما أمر أن يقول أنا بشر مثلكم، وهذا سبحان الله لحكمة، وهي أن نستطيع أن نقلده، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من البشر لكان لدينا عذر في تقليده؛ لذلك لم ينزل الله علينا ملكًا بالرسالة، فلو قام ملك بالشرائع لقال الناس إنما يستطيع ذلك لأنه ملك، بينما نحن فلا نستطيع، وإذا امتنع الملك عن المعاصي، قالوا إنما يمتنع لأنه ملك بينما نحن لا نستطيع، لذلك لا بد أن يكون الرسول من جنس من يرسل إليهم {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} [الإسراء:95].

لهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر لكي نقلده، فليس من المعقول أن نضيع الحكمة من كون الرسول صلى الله عليه وسلم بشرًا فلا نقلده بزعم أنه رسول، ونحن لسنا مرسلين، فإذا كان هذا الكلام يصح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى أن يصح مع الصحابة الكرام، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرًا وجب تقليده واتباعه فعُلم يقينًا أن الله ما أوجب شيئًا إلا وكنا عليه قادرين.

والصحابة بشر لهم أجساد كأجسادنا، ولهم فطرة كفطرتنا، ولهم غرائز كغرائزنا، لهم احتياجات كاحتياجاتنا، ومع كل هذه الأمور البشرية، والنوازع الإنسانة، إلا أنهم قهروا أنفسهم على اتباع الحق، وإن كان مرًا، وعلى السير في طريق الله عز وجل، وإن كان صعبًا، وليس معنى ذلك أن نقول كالذين قل أدبهم وانعدم حيائهم فقالوا: الصحابة رجال، ونحن رجال !

وسوغوا لأنفسهم بذلك الطعن في الًصحابة، وانتقاص بعضهم، فليس هذا المقصود، فالمقصود عكس ذلك بالضبط، إنما نقول هم أعظم البشر مطلقًا بعد الأنبياء، وكونهم أعظم البشر لا يلغي بشريتهم، ولا يقلل من شأنهم.

فهذا يرفع جدًا من قيمتهم لأنهم انتصروا على أنفسهم في امتحان عسير ما استطاعت السموات والأرض أن يدخلن فيه أصلًا.

فتقليدهم ممكن، بل تقليدهم ضروري؛ لأنهم بشر نجحوا في امتحان وضعه الله عز وجل، وهو أعلم بقدرات البشر، ومع ذلك فأنا لا أدعي أن نكون مثل أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، إنما أقول إنما يجب أن نتخذهم قدوات عملية، قدوات صالحة، وإننا نستطيع بإمكانياتنا البشرية، ومنهج الإسلام الواضح أن نسير في نفس الطريق الذي ساروا فيه، ونصل بإذن الله إلى ما وصلوا إليه، هذا لو كانت لدينا عزيمة أن نمشي في الطريق فعلًا.

فالسبب الثاني في إحساس بعض المسلمين أن تقليد الصحابة عسير هو نسيان هؤلاء المسلمين أن الصحابة بشر لهم كل طبائع البشر، وليسوا خلقًا خاصًا، وليسوا جنًا، وليسوا ملائكة، إنما هم بشر نجحوا في حمل الأمانة، وقبل أن أترك هذه النقطة أحب أن أشير إشارة سريعة، أشير إلى أن بعض الدعاة يساهمون في هذه المشكلة بذكرهم مبالغات شديدة في حق الصحابة، هذه المبالغات إما أن تكون غير صحيحة أصلًا فقد يكون موضوع على الصحابة، فمن باب أولى يجب ألا تذكر هذه المبالغات، والصحيح في حق الصحابة والحمد لله يكفي الصحابة، ولا نحتاج مبالغة لنعظمهم، هم عظماء بأحوالهم الحقيقية، فمثلًا بعض الدعاة يذكر قصة سيدنا خالد رضي الله عنه وأرضاه أنه علم أن هناك سم في كوب من الأكواب قدم عن طريق أحد أعدائه، فلكي يثبت لعدوه أن الله لا يضر مع اسمه شيء قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء.

وشرب السم، ولم يحدث له شيء، هذا الأمر يضر ولا ينفع، ومثل هذه الروايات، وطبعًا هذه الرواية غير صحيحة، وهذه الرواية مخالفة للسنة فسيدنا خالد بن الوليد لابد أن يأخذ بالأسباب، فلا يشرب السم، ويطلب النجاة، لابد أن يأخذ بالأسباب، الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكل من الشاة المسمومة، وأخبر أنها مسمومة لفظ قطعة اللحم التي أكلها ولم يبلعها مع أنه الرسول، والله عز وجل يحميه، ولكن لا بد أن يأخذ بالأسباب، هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يعلمنا ما نعمله، وهذا هو المفروض أن نقوله على الصحابة، الصحابي رجل يأخذ بكامل الأسباب، ويسير في طريق واضح، لذا لا يأتي من يشرب السم، ويقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء أنا أقلد الصحابي، أنا أقلد سيدنا خالد، فهذا الكلام غير صحيح.

أحيانًا تكون هذه المبالغات حقيقية فعلًا، وحدثت، لكنها كرامات خاصة جدًا لبعض الصحابة، والكرامة شيء خارق للعادة يحدث للصحابي، أو للصالح بدون قصد منه، وهذه مهمة جدًا، بمعنى أن الصحابي لا يتعمد الشيء، هذا الأمر هبة من الله سبحانه وتعالى، إكرام، هدية، نعمة من الله عز وجل على بعض أوليائه، على بعض الصحابة، وعلى بعض الصالحين.

وهم بأنفسهم هؤلاء الصالحون، وهؤلاء الصحابة، لا يستطيعون أن يكرروا هذه الكرامة إلا إذا أراد الله عز وجل كعمر بن الخطاب لما نادى من المدينة وقال: يا سارية، الجبل.

فسمعه سارية، وهو على بعد مئات الكيلو مترات من المدينة المنورة، فهذه كرامة ثابتة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، لكن لا يطلب منك أن تعمل مثلها، فأنت تستعمل لاسلكي، تستعمل تليفون، تستعمل قمر صناعي، وتستعمل كل التقنيات الحديثة، وغير مطلوب منك أن تفعل مثل عمر بن الخطاب، وهذه المخاطبة كانت خاصة جدًا بعمر بن الخطاب في هذه الحادثة فقط، ولم تكرر مرة ثانية مع عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب عاش كل حياته يتعامل بالبريد الذي كان عامة أهل زمانه يتعاملون به، يأخذ بكل الأسباب، حدثت الكرامة مرة واحدة، فواجب على الدعاة حين يحكون الحكاية يفسروا للناس أن هذا شيء خاص جدًا حدث مرة واحدة، وأن كل حياة الصحابي تسير بالقوانين الإلهية الثابتة في هذا الكون، وأحيانًا تكون المبالغات حقيقية، لكنها مبالغة غير مقبولة من الصحابي، بمعنى أن الصحابة خالفوه فيها، أو النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه نهى عن استخدام هذه المبالغة، مثل شدة زهد أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، فأبو ذر كان يعتبر ادخار المال فوق اليوم الواحد كنز للمال، حتى لو كنت قد أخرجت زكاته، وبالطبع معظم الصحابة خالفوا أبا ذر في هذا الاعتقاد.

وكعبد الله بن عمرو بن العاص كان يقوم الليل كل يوم حتى تتفطر قدماه يختم القرآن كل ليلة، ويصوم كل يوم، وهذا الفعل ليس حميد، والرسول صلى الله عليه وسلم نهاه عن هذا الأمر، وأمره بالاقتصاد في العبادة، يصوم يومًا، ويفطر يوما، وهذا أقصى شيء، وفي بادئ الأمر أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم يومين في الأسبوع، ثم يوم ويوم، وعن ختم القرآن أمره بأن يختم كل شهر، ثم كل أسبوع، ثم كل ثلاثة أيام، هذه قواعد وضعها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتكلم أحد عن عبد الله بن عمر أنه كان يقوم الليل، وكل يوم يختم القرآن، ويصوم كل يوم، كثير من الناس عند سماعها هذه القصص تصاب بالإحباط واليأس من تقليد الصحابة.

فلا بد أن تعرف هل هذا الفعل موافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أم نهى عن ذلك الفعل؟

أحيانًا تكون المبالغات حقيقية، والصحابة فعلا فعلوها، ولم يؤمروا بعدم إتيانها، لكن أنت كداعية، لا بد أن تعرف من تكلم؟ على الداعية ألا يصعب الأمور، قد يكون الشخص الذي يحدثه في بداية طريقه للالتزام، فالداعية الحكيم هو من يذكر من القصص ما يناسب الشخصية التي يتحدث معها، وهذا ما أردنا التكلم عليه.

فالمبالغات الشديدة في وصف الصحابة، والمبالغات الشديدة في الأفعال التي كان يقوم بها الصحابة، سواء أكانت هذه المبالغات حقيقية، أو غير حقيقية أدت إلى اعتقاد بعض الناس أن الصحابة ليسوا بشرًا، وليست عندهم نفس النوازع التي عندنا، وبالتالي لن نستطيع أن نقلدهم.

ثالثا: يشعر بعض المسلمين بالصعوبة في تقليد الصحابة، لأنهم ينظرون إلى إمكانيات جيل الصحابة بأكمله على أنها إمكانيات رجل واحد، أو امرأة واحدة.

طبعًا هذا الكلام ليس بصحيح، الصحابي أو الصحابية شخصية متكاملة إلا انه لم يكن متفوقا في كل المجالات بدرجة واحدة، إنما كان يبرز في مجال، ويتفوق عليه غيره في مجال آخر، هناك من تفوق في جانب الجهاد كخالد بن الوليد رضي الله عنه، والقعقاع بن عمرو التميمي، والزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين، عبقريات عسكرية فذة، لكن في نفس الوقت خالد بن الوليد عندما كان يصلي بالناس كان يخطئ في القرآن لا يحفظ كثيرًا من القرآن، وكان يقول للناس: إنما شغلت عن القرآن بالجهاد.

لكن في مجال القرآن وعلوم القرآن تجد زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري علماء أفذاذ، لكن تفوقهم في المجال العسكري غير بارز.

وفي مجال الحديث وحفظ الأحاديث ونقل العلم تجد أبا هريرة أسطورة علمية، مكتبة حافظة، كمبيوتر متحرك، لكن في مجال الإفتاء والأحكام الشرعية تجد غيره أبرز منه، تجد عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، تجد علي بن أبي طالب.

وفي مجال الإنفاق أبو بكر الصديق، وإن كان أبو بكر الصديق تفوق في كل المجالات، وتجد عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.

وفي مجال الإدارة عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في إدارة الأمور، كل واحد تفوق في شيء، كل واحد بارز في شيء،

ونحن أيضًا فينا من ينفق في سبيل الله ببساطة وبسرعة، لكن حظه من العلم قليل، وتجد خطيبًا مفوهًا، لكن ليس له في السياسة، وآخر بارز في علوم القرآن، لكن ليس له في القضاء، توجد إمكانيات مختلفة، مواهب مختلفة، حصيلة علمية مختلفة، تربية مختلفة، وتوجد ثغرات كثيرة، ونحتاج كل المواهب لسد هذه الثغرات.

عندما تنظر إلى جيل الصحابة بهذه الصورة، وإن كنت ستتخذ هذا الجيل بصفة عامة قدوة إلا أنك ستتخذ منهم قدوة خاصة في المجال الذي تبرز فيه، فلو أنت قائد في الجيش سيكون قدوتك خالد، ولو كنت إداريا فقدوتك عمر، وهكذا فمن الصعب أن يتسلل الإحباط إلى قلبك.

رابعا: إحباط البعض من إمكانية تقليد جيل الصحابة يأتي أيضا نتيجة أن كثيرا من العلماء والدعاة يغفل عمدًا أخطاء الصحابة، يخاف على اهتزاز صورة الصحابة، فلا يتحدث عن ذنوبهم، ولا يتحدث عن اجتهاداتهم التي تخطئ أحيانًا، أو يحاول أن يتعسف في إيجاد المبرر للخطأ، وهذا كله غير صحيح، وغير حكيم، هذا كله محاولة لإلغاء بشرية الصحابة، ولا يعيب الصحابة مطلقًا أن نتحدث عن بعض أخطائهم، أو عن بعض الهفوات في حياتهم، وكفى بالمرء خيرًا أن تحصى معايبه، وبالذات أنهم كانوا سريعي العودة إلى الله عز وجل، وسريعي التوبة، ومع ذلك، وعند ذكر هذه الأخطاء يجب مراعاة الأدب الكامل، والاحترام العظيم لمقام هؤلاء الأخيار، وهذه سيئات تذوب في بحار حسناتهم.

فهذه أربع أسباب أدت إلى إحباط بعض المسلمين من إمكانية تقليد الصحابة.

وخلصنا إلى أن تقليد الصحابة ليس فقط أمرًا ممكنًا، بل أمر مطلوب شرعًا،

ومن هنا كانت هذا البحث بعنوان كن صحابيًا، وبهذا المعنى لو سئلت هل أنت صحابي؟ تستطيع أن تقول أنا صحابي في الفهم، صحابي في الجهاد، صحابي في التوبة، صحابي في الأخوة.

ونستطيع بعد ذلك قراءة قصص الصحابة بفكر جديد، فكر البحث عن الطريق الذي وصل بالصحابي إلى هذه الدرجة العالية، وفكر الاجتهاد الحقيقي المخلص للسير في هذا الطريق الذي سار فيه الصحابة.

أحب أن أنقل لكم حديثين رائعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما الحديث الأول فهو الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء».

فهذه بشرى يكشف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن واقعنا الذي نعيش فيه الآن، فكما كان أهل مكة، والعرب بصفة عامة، والعالم أجمع يستغرب الرسالة الإسلامية عند نزولها، ويستنكر تعاليمها، ويحشد كل الجنود لحرب هذه الدعوة، عادت هذه الأيام كما كانت من قبل، وأصبح عموم الناس يستغرب الأحكام والتعاليم الإسلامية.

أصبح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر غريبًا وسط الناس، فمن يقول نترك شرب الخمر، والتعامل بالربا أصبح غريبًا، ومن يقاوم العري في الأفلام والمسرحيات والإعلانات لأن هذا حرام يصبح غريبًا، ومن نادى برجوع فلسطين للمسلمين أصبح غريبًا وسط الناس.

وبالفعل رجع الإسلام غريبًا كما بدأ لكن البشارة: «فطوبى للغرباء».

سيكون هناك غرباء، وسيوجد أمثال الصحابة، ومن يكافح مثل كفاح الصحابة، ويجاهد مثل جهاد الصحابة، ويدعو إلى الله عز وجل دعوة الصحابة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما كان يفعل الصحابة،

سيوجد الغرباء الذين يحبون الدين كما أحبه الصحابة، وسيوجد الغرباء الذين يحبون الرسول وسنته كما فعل الصحابة، لأن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي يُسَخّر من يدافع عن هذا الدين، ويحمل الأمانة.

«فطوبى للغرباء»

وفي رواية الترمذي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، زيادة في الحديث وزيادة لطيفة جدًا سأله الصحابة: من الغرباء؟

فقال: «الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سُنَّتي».

فلماذا لا نكون نحن من هؤلاء الغرباء؟

ونكون نحن الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، ونكون كالصحابة

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

فهذه الهدية الأولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الحديث الثاني والهدية الرائعة من النبي صلى الله عليه وسلم، فرواه أبو داود، والترمذي عن ثعلبة الخشني رضي الله عنه وأرضاه حديث طويل جاء في آخره كلام جميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مَثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ».

فأصاب العجب الصحابة، فقالوا: يا رسول الله أجر خمسين رجلًا منا، أو منهم؟

قال: «بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلٍ مِنْكُمْ».

فمن تمسك بدينه في مثل هذا الزمن له أجر خمسين من الصحابة، فمن أحبط لتقليد صحابي واحد، فلديه فرصة أن يكون كخمسين صحابي، ولا تستعجب فالله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة، وفوق ذلك هو الكريم سبحانه وتعالى، فارق ضخم جدا بين الصحابي الذي يعيش في معسكر إيماني كامل، كلما سار في اتجاه رأى مؤمنًا، بل رأى رجالًا الواحد منهم يوزن بأمة كاملة، إذا سار هنا رأى الصديق، والفاروق، وعثمان، وعلي، وإذا سار هناك رأى أبا عبيدة، وسعد، والزبير، إذا دخل المسجد وجد سعد بن معاذ، وعبد الله بن مسعود، إذا حضر درس علم سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جواره أبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، يصلي الجماعة مع أبي ذر، وأبي الدرداء، ويسمع الأذان من بلال، إذا جاهدت جاهدت تحت راية خالد بن الوليد، وإذا سافرت فمع أبي موسى الأشعري، معسكر إيماني كامل، وأي عون على الخير كهذا.

قارن هذا بمن يعيش في المجتمع لا يجد فيه أعوانًا على الخير إلا القليل، بل قليل القليل، ومع ذلك يصبر على طاعة ربه، يصبر على الدعوة، يصبر على الإسلام، أيام الصبر يقبض على الجمر تمامًا كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قارن بين الصحابي الذي يعيش في مجتمع قلما تقع فيه عينه على معصية قلما يسمع منكرًا قارن هذا بالذي يطيع ربه ويقبض على دينه في مجتمع تقتحم فيه المعصية عينك اقتحامًا، تمشي في الشارع تجد معاصي، وتشاهد التليفزيون فتجد معاصي، وحتى الجامعة دار العلم لم تخلو من المعاصي، ففي كل مكان تجد المعاصي، وفي هذا الوسط أنت تقبض على دينك، تقبض على الجمر، وعلى قدر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبجل ويعظم من يعمل حسنة أو فضيلة ففي زماننا على قدر هذا الأمر يحارب الدعاة، وتجد إهانة، وتشريد، وتعذيب للدعاة؛ لأنهم يأمرون بما كان يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم

{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل من الآية:56].

هذه مشكلة أهل الخير في زماننا، وعلى قدر ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعظم الصحابي إذا فعل الخير على قدر ما يحارب الداعية في هذا الزمان، عندما تضع كل هذه الملابسات والظروف في ذهنك، وأنت تعلم أن الله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة تستطيع أن تفهم بشارة النبي صلى الله عليه وسلم للعامل فيهن أجر خمسين رجلًا منا أو منهم يا رسول الله بل أجر خمسين منكم.

هذا البحث غرضه أن نكون من هؤلاء القابضين على الجمر، من هؤلاء الذين يصلحون ما أفسد الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من هؤلاء الغرباء الذين لا يعتبرون بنظر الإسلام لديهم إنما فقط يعتبرون بنظر الله عز وجل لهم من هؤلاء الذين يحلمون أن يكونوا صحابة، بل من أولئك من الذين إذا عملوا أجروا ليس كأجر صحابي واحد بل كأجر خمسين من الصحابة، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم، وأن يجمع بيننا وبين حبيبنا، وقائدنا، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، إن الله عز وجل على كل شيء قدير.

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 39
  • 3
  • 50,633
المقال السابق
(1) جيل فريد
المقال التالي
(3) صناعة الرجال

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً