حديثُ عائشةَ وقصةُ فدكَ - (02) غريب الحديث ودراسة طرقه

منذ 2014-05-05

المبحث السادس: رواية الوليد بن محمد عن الزهري:

قال الترمذي: "حدثنا سويد بن سعيد والحسن بن عثمان قالا: حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله على رسوله، وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله قال: «لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال» وإني لن أُغيِّر شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول لله، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله. فأبى أبو بكر رضي الله عنه أن يدفع إلى فاطمة رضي الله عنها منها شيئًا فوجدت فاطمة على أبي بكر رضي الله عنه في ذلك فهجرته فلم تُكلِّمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي رضي الله عنه" (أخرجه الترمذي: [548]).

وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة:

قال الترمذي: "حدثنا بِذَلِكَ عَلِيُّ بن عِيسَى، قال: حدثنا عبد الْوَهَّابِ بن عَطَاءٍ، حدثنا محمد بن عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم تَسْأَلُ مِيرَاثَهَا من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لا أُورَثُ»، قالت: والله لا أُكَلِّمُكُمَا أَبَدًا، فَمَاتَتْ ولا تُكَلِّمُهُمَا". قال عَلِيُّ بن عِيسَى: مَعْنَى لا أُكَلِّمُكُمَا تَعْنِي في هذا الْمِيرَاثِ أَبَدًا، أَنْتُمَا صَادِقَانِ. وقد رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ من غَيْرِ وَجْهٍ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عن النبي صلى الله عليه وسلم" (أخرجه الترمذي: [1609]).

الفصل الثاني: غريب الحديث ودراسة طرقه، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: غريب الحديث

"أفاء":

"الفيء ما رد الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه بلا قتال.. إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين، أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم فهذا المال هو الفيء في كتاب الله قال الله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر:6] (لسان العرب).

"فَدك":
وأما فدك وهي بفتح الفاء والمهملة بعدها كاف بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل.

"قلت: تبعد عن المدينة حاليًا مئة كيلو" (فتح الباري).

"فوجدت":

"تعتب عليه أي وجد عليه، والعتب الموجدة عتب عليه، يعتب ويعتب عتبًا وعتابًا ومعتبة ومعتبة ومعتبًا أي وجد عليه" (لسان العرب).

"فهجرته":

"الهجر: ضد الوصل، وبابه نصر وهجرانًا أيضًا، والاسم الهجرة والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية والتهاجر التقاطع" (مختار الصحاح).

"بايع":

"هو عبارة عن المعاقدة عليه والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره" (النهاية في غريب الحديث).

"لم ننفِس":

"نفِست به بالكسر أي بخلت به ونفِست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلًا ومنه حديث علي: لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفِسناه عليك، وحديث السقيفة لم ننفِس عليك أي لم نبخل" (النهاية في غريب الحديث).

"استبددت":

وفي حديث علي رضي الله عنه: "كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقًا فاستبددتم علينا..؛ يقال استبد بالأمر يستبد به اسستبدادًا إذا تفرَّد به دون غيره" (النهاية في غريب الحديث).

"شجر":

"شجر بين القوم إذا اختلف الأمر بينهم" (لسان العرب).

"لم آل":

قال أَبو حاتم قال الأصمعي: "ما ألوت جهدًا.. أَي لم أدع جهدًا. قال: والعامة تقول ما آلوك جهدًا وفلان لا يأْلو خيرًا أَي لا يدعه ولا يزال يفعله" (النهاية في غريب الحديث).

"العشية":

وفيه "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فسلَّم من اثنتين يريد صلاة الظهر أو العصر لأن ما بعد الزوال إلى المغرب عشي" (النهاية في غريب الحديث).

"يلتمسان":

الحديث: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا...» أي يطلبه" (النهاية في غريب الحديث).

"أن أزيغ":

"يقال: زاغ عن الطريق يزيغ إذا عدل عنه، ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: أخاف إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ أي أجور وأعدل عن الحق" (النهاية في غريب الحديث).

"لحقوقه التي تعروه":

وفيه: "كانت فدك لحقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعروه أي تغشاه وتنتابه" (النهاية في غريب الحديث).

"ونوائبه":

في حديث خيبر: "قسمها نصفين: نصفًا لنوائبه وحاجاته، ونصفًا بين المسلمين النوائب. جمع نائبة وهي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث وقد نابه ينوبه نوبًا وانتابه إذا قصده مرة بعد مرة" (النهاية في غريب الحديث).

"فضرع علي":

ضرع الرجل، يضرع بالفتح فيهما ضراعة خضع وذل، وأضرعه غيره وفي المثل الحمى أضرعتني إليك وتضرَّع إلى الله أي ابتهل" (مختار الصحاح).

دراسة طرق الحديث

مدار الحديث على الزهري والرواة عنه ستة هم: (صالح، شعيب، عقيل بن خالد، معمر بن راشد، الوليد بن محمد، عبد الرحمن بن خالد)..

- الأول: صالح بن كيسان وعنه: إبراهيم بن سعد وعن إبراهيم اثنان هما: (عبد العزيز بن عبد الله الأويسي [خ] صدوق تكلم فيه أبو داود، يعقوب بن إبراهيم [م] ثقة).

الثاني: شعيب بن أبي حمزة وعنه ثلاثة هم:

- أبو اليمان وعنه ثلاثة هم:

(البخاري [خ] إمام المحدثين، محمد بن عوف الطائي [جارود] ثقة ثبت، عثمان بن سعيد الدارمي [بيهقي] ثقة).
- أبو إسحق الفزاري وعنه: (محبوب بن موسى [س] ثقة).

- عثمان بن سعيد بن كثير وعنه اثنان هما: (عمرو بن عثمان [حبان] ثقة، محمد بن عوف الطائي [جارود] ثقة ثبت).

الثالث: عبد الرحمن بن خالد وعنه: الليث بن سعد وعنه: (عبد الله بن صالح [طحاوي] كاتب الليث صدوق في نفسه تكلم فيه بعضهم).

الرابع: عقيل بن خالد وعنه: الليث بن سعد وعن الليث ثلاثة هم:

(يحيى بن بكير [خ] ثقة في الليث، متكلم فيه في غيره، حجين [م] ثقة، يزيد بن خالد [د] ثقة).

الخامس: معمر بن راشد وعنه اثنان هما:

- هشام بن يوسف وعنه اثنان هما: (عبد الله بن محمد [خ] المسندي ثقة، إبراهيم بن موسى [خ] ثقة).

- عبد الرزاق وعنه خمسة هم:

(إسحق بن إبراهيم [م] هو ابن راهويه إمام مشهور، محمد بن رافع [م] ثقة، عبد بن حميد [م] ثقة، أبو بكر بن زنجويه [طبراني] ثقة، أحمد بن منصور [بيهقي] الرمادي ثقة).

السادس: الوليد بن محمد وعنه اثنان هما: (سويد بن سعيد [ت]، الحسن بن عثمان [ت]).

ملاحظات عامة على طرق الحديث

- الروايات متغايرة جدًا بين بسط واختصار:

فصالح مثلًا يرويه عنه واحد وهو إبراهيم بن سعد.. ومع هذا نجد اختلافًا بين الروايات، ففي رواية البخاري والبيهقي يذكر أن فاطمة هجرت أبا بكر ولكن ليس فيها ذكر بيعة علي. بينما في رواية مسلم ليس فيها ذكر الهجر ولا البيعة. وأما رواية أبي داود فمختصرة جدًا، وأيضًا ليس فيها ذكر الهجر ولا البيعة.

2- طريق شعيب في رواية البخاري ليس فيها ذكر الغضب ولا الهجر ولا البيعة. ورواية النسائي مختصرة جدًا وليس فيها أيضًا ذكر الغضب ولا الهجر ولا البيعة، ورواية البيهقي فيها ذكر الوجد فقط.. بينما رواية ابن حبان فيها الغضب والهجر والبيعة.

طريق عقيل في رواية البخاري ومسلم يذكر الغضب والهجر والبيعة، ورواية البيهقي هي اختصار لرواية البخاري. ورواية أحمد فيها الوجد فقط. بينما رواية أبي داود ليس فيها ذكر الغضب ولا الهجر ولا البيعة.

4- طريق معمر في رواية البخاري مختصرة ليس فيها ذكر الغضب ولا الهجر ولا البيعة. وفي رواية أخرى للبخاري ذكر الهجر فقط. ورواية مسلم مختصرة جدًا. وليس فيها الهجر ولا الغضب ولا البيعة. ورواية الطبراني فيها الهجر فقط، وأن عدم البيعة من زيادات الزهري. ورواية البيهقي فيها الغضب والهجر والبيعة.

5- طريق الوليد فيها الوجد والهجر، ولم تذكر البيعة.

- قال البيهقي: "وقول الزهري في قعود علي عن بيعة أبي بكر حتى توفيت فاطمة منقطع. وحديث أبي سعيد أصح [6/300]".

قلت: ستأتي رواية أبي سعيد.

المصدر: موقع المنهج

عثمان بن محمد الخميس

خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم

  • 20
  • 0
  • 4,839
المقال السابق
(01) تخريج حديث عائشة مع ذكر طرقه
المقال التالي
(03) دراسة الفروق بين الروايات - مسائل مهمة في الحديث

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً