لا تحقرن من المعروف شيئًا

منذ 2014-05-08

إن جنَّةُ الرحمن ليسَتْ مقصورةً وخاصَّة لِمَن باعُوا أرواحَهم، وبذَلُوا أموالهم في سبيل الله، مغفرةُ الرحمن ليسَتْ وقفًا للعِباد النسَّاك، والصوَّام والقوَّام، بل رحمة الله وجنَّته تُدرَك بأعمالٍ هي صغيرة في أعيُنِ كثيرٍ من الناس..

إن جنَّةُ الرحمن ليسَتْ مقصورةً وخاصَّة لِمَن باعُوا أرواحَهم، وبذَلُوا أموالهم في سبيل الله، مغفرةُ الرحمن ليسَتْ وقفًا للعِباد النسَّاك، والصوَّام والقوَّام، بل رحمة الله وجنَّته تُدرَك بأعمالٍ هي صغيرة في أعيُنِ كثيرٍ من الناس؛ {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت من الآية:35]، وهذة نظرة سريعة على موقف عظيم سجلته لنا دواوين السنة حيث غفر الله لامرأة سقت كلبًا وهي من البغايا..

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: « غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ» (رواه البخاري).

وهنا نقول: إذا كان الله تعالى قد غفر لامرأة بغي سقت كلبًا، فكيف بك لو أطعمت مسكينًا، أغثت ملهوفًا، أنظرت معسرًا، نصرت مظلومًا، كفلت يتيمًا، سترت مسلمًا؟! وأزيدك قائلاً: أن هذه المرأة البغي أخلصت لله في عمل يسير فغفر لها فكيف لو أخلص العباد لله تعالى، بل كيف لو أخلصت الأمة كلها، إن هذا المشهَد عبادَ الله رسالةٌ إلى كلِّ مؤمن يَرجُو رحمةَ ربِّه والفوزَ برضوانه: ألاَّ يحتَقِر من العمل شيئًا؛ فرُبَّ عملٍ صغَّرَتْه الأعين، كان سببًا لرضا الرحمن، والفوز بالجنان.

تأمل معي أيها القارىء الكريم في هذه المشاهد كيف فاز أصحابها بالنعيم المقيم بالرغم من أنهم فعلوا
امورًا يسيرة، فقد شكر الله تعالى لرجل وغفر له إذ أزال شوكًا من طريق المارين، فعن أبو هريرة رضِي الله عنه عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «بينَما رجلٌ يمشِي بطريقٍ وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّرَه، فشَكَر الله له فغفَر له» (متفق عليه).

وهذا رجل لم يعمل خيرا قط غير أنه كان يداين الناس فينظر المعسرين فتجاوز الله عنه فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من خير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجاوزوا عن الموسر، قال الله عز وجل: تجوزوا عنه» (رواه مسلم).

وهذا بلال رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دف نعليه في الجنة بعمل يسير كان يفعله، فقد قال له رسول الله: «يا بلال، حدِّثني بأرجَى عملٍ عملتَه في الإسلام؛ فإنِّي سمعتُ دَفَّ نعلَيْك بين يديَّ في الجنَّة»، قال بلال: "ما عمِلتُ عمَلاً أرجَى عندي منفعةً من أنِّي لا أتطهَّر طهورًا في ساعة ليلٍ أو نهارٍ، إلاَّ صلَّيتُ بذلك الطهور ما كتَب الله لي أنْ أصلِّي".

فاتَّقوا الله عباد الله ولا تحتَقِروا ولا تستَصغِروا شيئًا من صالح العمل؛ فالكلُّ مكتوب، والجميع محسوب؛ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، والخير مهما قَلَّ فهو عند الله محبوب، وفي مُحكَم التنزيل: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:121].

وللحث على الأعمال الصالحة وإن كانت بسيطة يرغبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْرِسُ مسلِمٌ غَرْسا ولا يَزْرَع زَرْعا فيَأكُل منه طَيْر أو إنسانٌ ولا دابّةٌ ولا شيء ٌإلا كانت له صدقةٌ» (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» (رواه البخاري).

روى ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ فقال: "يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبّ إلى الله؟ وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال رسولُ الله: «أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ يدخِله إلى مسلمٍ أو يكشِف عنه كربةً أو تقضِي عنه دينًا أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد يعني مسجدَ المدينة شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ الله عورته، ومن كظمَ غيظَه ولو شاء أن يمضيَه أمضاه ملأَ الله قلبَه رجاءً يومَ القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له أثبتَ الله قدمَه يوم تزول الأقدام، وإنَّ سوءَ الخلُق ليفسِد الدّين كما يفسِد الخلُّ العسل» (حديث رواه الطبرانيّ في الكبير، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وغيرهما، وسنده حسن عند المحقّقين من المحدّثين).

وختاما أيها الأحبة: وكم تمرُّ بنا في حياتنا، في يومنا وليلتنا، في عملنا وطُرُقنا ومَنازِلنا من أعمالٍ صالحات، ميسورات قريبات، نَمُرُّ بها وعليها ونحن عنها غافلون!

لا تستَقلِل ثواب الشَّفاعة الحسنة، وقَضاء الحوائج، وحل المشاكل، لا تَزهَد في قُربات وطاعات؛ من مُواسَاة مكلوم، وتعزية مُصاب، وتشييع جنازَة، وعِيادَة مريض، وإنظار مُعسِر، بل وإدخال البهجة في النُّفوس، فلا تدري، فلعلَّ ذلك العمل وإنْ كان صغيرًا تكون به ومعه سعادَتُك ونجاتُك في أخراك، وبقاء ذكرك في دنيا

أسأل الله لي ولكم فعل الخيرات وترك المنكرات إنه ولي ذلك ومولاه.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد رشيد

داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية

  • 5
  • 0
  • 9,628

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً