ليس المؤمن بالطعان

منذ 2014-05-08

نلاحظ في هذه الآونة التي نعيش فيها كثيرًا من الناس يُكثِرون اللعن والسب للمسلمين، فبعضهم يسب ويلعن لما يحمله من حقدٍ وغلٍ دفين، ومنهم من يلعن أو يسب لأن هذه هي الأخلاق التي تربى عليها..

ليس المؤمن بالطعان

نلاحظ في هذه الآونة التي نعيش فيها كثيرًا من الناس يُكثِرون اللعن والسب للمسلمين:

 فبعضهم يسب ويلعن لما يحمله من حقدٍ وغلٍ دفين، ومنهم من يلعن أو يسب لأن هذه هي الأخلاق التي تربى عليها، والصنف الآخر يسب ويلعن في بعض المسلمين لأنهم لا يوافقون عقيدته أو مذهبه أو هواه وهذا أخطرهم لأنه يعتقد جواز ذلك! بل يعتقد أنه يتقرَّب إلى الله بذلك ويرجو الأجر والثواب عندما يلعن أحد المسلمين!



ونسوا أو تناسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ. ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ» (السلسلة الصحيحة، وقال عنه الإمام الألباني: "صحيح على شرط الشيخين").
 

وغاب عن ذهنهم:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَكُنِ سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ» (أخرجه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه).



ومعنى هذه الكلمة: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»:

قال الحافظ ابن حجر في بيان معناها: "قوله: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ» -قال الخطابي: يحتمل أن يكون المعنى خرَّ لوجهه فأصاب التراب جبينه. وقال الداودي: قوله: ترب جبينه؛ كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم، وهي من التراب أي سقط جبينه للأرض، وهو كقولهم رغِمَ أنفه، ولكن لا يراد معنى قوله ترب جبينه، بل هو نظير ما تقدَّم في قوله تربت يمينك أي إنها كلمة تجري على اللسان ولا يراد حقيقتها" اهـ (بتصرُّفٍ يسير).



ولا تعجب إذا ما علِمت أن صحابيًا جليلًا جاء يطلب الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو جُرَيّ جابر ابن سليم الهُجَيْمي رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله اعْهَدْ لِي! -أي أوصني وانصحني-، قال: «لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا» قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً" (رواه أبو داود).



انظر ماذا كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له؟ وماذا كان من أمر هذا الصحابي الجليل.

ما أعظم هذه الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم! يقول: "فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً".



ألا فلنتعلم جميعًا من صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم لما كان اليهود يدعون عليه بالموت فردت عليهم السيدة عائشة رضى الله عنها كما روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "أَنَّ اليَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ! بحذف اللام، والسام: هو الموت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَعَلَيْكُمْ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ أَوِ الفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ»".



الله أكبر! قالت عائشة رضي الله عنها في هذا المقام في شأن هؤلاء اليهود الذين قالوا تلك الكلمة الشنيعة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت رضي الله عنها من شدة غضبها: "لَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ!" فقال: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ!» أي تمهلي وأمَرَها بالرفق وحذَّرها من العنف ونهاها عنه صلوات الله وسلامه عليه؛ فإذا كان قد قال نبينا عليه الصلاة والسلام ذلك في مثل هذا المقام ناهيًا ومحذِّرًا .



فكيف الحال بمَن يسبون الدين! وسبّ الدين كفر قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة من الآية:65].



وكيف بمَن يسبون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم! والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فلَوْ أنَّ أَحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحدٍ ذهبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَهُ» (رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضى الله عنه).



وكيف بمَن يسبون آبائهم وأمهاتهم! والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»، قيل يا رسول الله: كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ» (رواه البخاري ومسلم، من حديث ابن عمر رضى الله عنهما).



وهناك أمور كثيرة نحن مَنهيون عن سبها منها:

سب الدهر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قال اللهُ تعالَى: يُؤذيني ابنُ آدمَ، يسبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ، بيدي الأمرُ، أُقَلِّبُ الَّليلَ والنَّهارَ» (متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري).



سب الأموات: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنهم قد أَفَضَوْا إلى ما قَدَّموا» (رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها).



وقال أيضًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا الأمواتَ فتُؤْذُوا الأحياءَ» (صحيح الترمذي، ومسند أحمد من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه).



سب الأمراض:

في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: ما لكِ يا أم السائب -أو: أم المسيب- تزفزفين؟ -يعني تتحرَّكين حركة شديدة- قالت: الحمى لا بارك الله فيها! قال: «لا تسُبِّي الحُمَّى. فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدمَ. كما يُذهبُ الكِيرُ خبثَ الحديدِ»".



سب الريح: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسبُّوا الريحَ، فإذا رأيتُم ما تكرهونَ فقولوا: اللهمّ إنا نسألُكَ من خير هذهِ الريحِ، وخيرٌِ ما فيها، وخيرٌ ما أُمرَتْ بهِ، ونعوذُ بكِ من شرّ هذه الريحِ، وشرّ ما فيها، وشرّ ما أُمرَتْ بهِ» (رواه الترمذي، وقال: "حسنٌ صحيح من حديث أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه").



قال الشافعي رحمه الله: "لا ينبغي لأحدٍ أن يسبّ الريح، فإنها خلق الله مطيعٌ، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونعمة إذا شاء".



سب الديك:

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسُبُّوا الدِّيكَ فإنَّه يوقظُ للصَّلاةِ» (صحيح الجامع؛ من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه).



ولهذا ينبغي على المسلم وقد سمع هذه الأحاديث ولها نظائر كثيرة أن يتقي الله في نفسه، وأن يصون لسانه وأن يحذر من مثل هذه الأوصاف، وأن يتقي الله تبارك وتعالى، وأن يتمهَّل، وأن يترفَّق، وأن يبتعد عن مثل هذه الأوصاف بأن يربأ بنفسه عنها وأن يصون لسانه من الوقوع فيها حفظًا لإيمانه وتحقيقًا لتقواه لربه جل وعلا، وقد تقدَّم معنا قول نبينا عليه الصلاة والسلام: «ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ. ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ».



وخِتامًا:

أهمس في أذن كل رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.. ألا يجعل من الخلافات الفكرية والصراعات السياسية سببًا، لأن يُطلِق لسانه بالسب والسخرية واللعن فيمن يختلف معه خاصة إذا كان الأمر مما يسع الناس الخلاف فيه.



ألا فلنتقِ الله عز وجل، ولنحرص على صيانة ألسنتنا وحفظ منطقنا، فإن العبد يُسأل يوم القيامة عما يقول، وكلامه في جملة عمله الذي يُحاسِبه الله عليه يوم القيامة.



فاللهم احفظ ألسنتنا من كل ما يُغضِبك يا ربّ العالمين..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد رشيد

داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية

  • 42
  • 4
  • 511,496

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً