الكفاءة في النسب

منذ 2008-04-07

النّاس لآدم وآدم من تراب، ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ النّاس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ النّاس في أنسابهم، وفي الحديث: «يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه» [رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر].

 
من المعلوم في الشريعة الإسلامية أنّ النّاس جميعًا سواسية كأسنان المشط؛ لأنّهم من أب واحد وأم واحدة، وإنّما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: من الآية 13]، وفي الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى» [رواه أحمد].

النّاس لآدم وآدم من تراب، ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ النّاس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ النّاس في أنسابهم، وفي الحديث: «يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه» [رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر].

وأبو هند كان حجّامًا وبنوا بياضة أسرةٍ من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وقد تزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس القرشية، ولكن لما بَعُد النّاس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية رفض الكثير منهم هذا المبدأ، ووصل الحال إلى الإنكار والاستنكاف حتى إن من يقدم على التزوج من غير طبقته قد يخاطر بنفسه خاصة في المناطق القبلية والعشائر والبوادي، فإذا وصل الحال إلى الإنسان بأن يصبح في خطر من تزوجه من غير طبقته بحيث يتعرض للتهديد أو الضرر أو الإساءة إلى أسرته بالاستهزاء والسخرية والسب والأذى فإنّ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وقد عرفنا قضايا لما اكتشف فيها البعض نسب الآخر وقد سبق أنّ صاهره هدّده بالقتل حتى أفتاه بعض العلماء بفراق زوجته، حيث أوشك أن ينشب بين الأسرتين قتال، والشرع لا يأمر بالمخاطرة إلى درجة أن تذهب النفس أو يسفك الدم، أيعيش الإنسان مرعوبًا مهددًا لا يأمن على أسرته ونفسه من أجل تطبيق بعض أفراد الشريعة، ورأيي أن تعم في النّاس ثقافة المساواة والتكافؤ، ويبيّن لهم رأي الإسلام عن طريق العلماء والدعاة ووسائل الإعلام والتعليم، ويُحارب التمييز العنصري في المدارس والجامعات والخطب والندوات والمؤلفات، وينقل النّاس تدريجيًا إلى وعي راشد حتى يصبح لديهم العلم الكافي بهذه المسألة، حينها يصبح الأمر طبيعيًا أن يتزوج الإنسان من غير طبقته في المجتمع المسلم، وقد حصل هذا في بعض الدول الإسلامية.

أمّا في المناطق التي ما زالت تفتخر بالأنساب والأحساب فرأيي أن لا يغامر الإنسان رجلا أو امرأة بمشروع زواجه لما يترتب على ذلك من أضرار، وقد عشنا قضايا حصل فيها الفراق بعد أن اكتشف أحد الطرفين عدم تكافؤ النسب، وأيَّدت القبيلة هذا الفراق وهو دليل على رسوخ التمييز العنصري، وغياب الوعي الإسلامي وعدم الامتثال للشريعة في هذا الباب، ولهذا نصَّ بعض الأئمة الكبار على اشتراط الكفاءة بالنسب، وهو قول ضعيف لكن بعضهم نظر إلى ما قد يترتب على هذا الأمر من مفاسد، وهذه المسائل الاجتماعية تُحل حلا جماعيا من قِبَل الدولة والمجتمع بحيث يقتنع الجميع في الآخر بمساواة الإنسان للإنسان في نسبه بغض النظر عن لونه وطبقته وحرفته، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه»، ولم يُذكر في الحديث النسب فعسى أن يتجه العلماء ورجال الإعلام والتعليم إلى بث الوعي بين النّاس وتأصيل مبدأ المساواة الإنسانية، فإنّ النّاس جميعًا خُلقوا أحرارا، كما قال عمر: "متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، حتى إنّ الميثاق الدولي ينص على هذا، ففي إحدى مواد هيئة الأمم المتحدة ما نصه: "الإنسان وُلد حرًّا ليس لأحد عليه رِقْ"، ولكن من حِكْمة الشريعة الإسلامية أنّها تراعي المصالح وتدفع المفاسد، فإذا كبرت المفسدة وعَظُمَتْ وقلَّت المصلحة وصَغُرَتْ دُفعت المفسدة الكبرى بترك المصلحة الصغرى، وحفظ الإنسان في نفسه وعرضه مقدم على تحصيل مصلحة تقرير زواجه من غير طبقته؛ ليقيم بذلك قاعدة التكافؤ في النسب، إذًا الجهل وقلّة الوعي هو السبب وراء ما حصل من خلاف ومن إنكار في مسألة زواج الإنسان من طبقة غير طبقته، وحلُّ ذلك حملة علمية ودعوية وثقافية تنبذ الكراهية والتمييز العنصري والتعلق بالأخلاق الجاهلية والعصبية القبيلية، ونحن لا نقول للإنسان أن يتحدى الصعاب ويخاطر بنفسه؛ ليحقق التكافؤ بالنسب بزواجه من غير طبقته، وما معنى قولنا له اصبر على القيام بمشروع الزواج إلى آخر قطرة من دمك؟

نحن أيّها النّاس سواسية من أب وأم، كلنا ذو دم أحمر وليس فينا من له دم أزرق، فأبيضنا وأحمرنا وأسودنا يعودون إلى مادة الطين الأولى التي خُلق منها آدم أبو البشر ولا تفاضل بيننا إلاّ بتحقيق تقوى الله بالعلم النافع والعمل الصالح ولي قصيدة:

ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى *** ولو كنتَ من قيسٍ وعبد مدانِ
أبو لهب في النّار وهو ابن هاشــم *** وسلمانُ في الفردوس من خرسانِ



الشرق الأوسط


المصدر: الشرق الأوسط

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 34
  • 9
  • 174,701
  • أبو عمرو

      منذ
    [[أعجبني:]] طريقة سرد الموضوع بالأدلة والنصوص والحقائق الثابتة في الكتاب والسنة
  • أحمد ابراهيم

      منذ
    [[أعجبني:]] من قصة زواج السيدة زينب بنت جحش و ثابت ابن قيس و طلاقهما نتعلم ان التكافؤ الاجتماعي مهم جدا و ضروري و هو من صميم الشريعة السمحة الحريصة على الاستقرار الأسري و يفضل أن يكون الرجل من مستوى أعلى من المرأة حتى لا تتعالى عليه لأن التعالي غالبا ما يأتي من جهة المرأة و لا ينبغي أبدا لرجل أن يتزوج من امرأة أعلى من مستواه الاجتماعى لأنه اذا أمرها لن تطيعه . هذا رأيي و شكرا
  • أبو معاذ

      منذ
    [[أعجبني:]] الموضوع رائع جدا ولكن كان ينبغي الاستفادة من رسالة ماجستير بعنوان ( الكفاءة في الزواج مقارنة بقانون الأحوال الشخصية ) للباحث حسن محمد الكردي
  • محمد آل الحسن العسيري

      منذ
    [[أعجبني:]] بارك الله فيكم ، بتوفيق الله للناس ثم إرادتهم التي يرزقهم الله إياها سيتغير الواقع إلى المأمول [[لم يعجبني:]] لا يعجبني قول الشيخ "أمّا في المناطق التي ما زالت تفتخر بالأنساب والأحساب فرأيي أن لا يغامر الإنسان" لأن الرجل رجل والرجولة باتباع الحق ، ولا يهمنا قول الرجال إذا اتبعنا قول الله ورسوله وكل ما كان على خلاف .. أمر محمد فللتلاف
  • حميد

      منذ
    [[أعجبني:]] مقالة قيمة، لكن اتمنى لو اهل ادرار و ائمتها ان يطلعوا عليها
  • ايمن ابو مالك

      منذ
    [[أعجبني:]] الحمد لله ان الله خلقنا مسلمين حيث ان الاسلام دين المساوة والعزة حيث ان الله خلق الناس جميعا من طين هكذا نكون جميعا سواسيه ( العودة للدين فيه النصرة)
  • بن غامد

      منذ
    [[أعجبني:]] تطرقه للموضوع حيث ان هناك من القبائل والعوائل التي ترى انه من العار ان يزوجوا بناتهم خارج العائلة او القبيله [[لم يعجبني:]] فيما اظن وبعض الظن اثم (نستغفر الله تعالى من كل الاثام)ان الشيخ يريد تبيين غلط القضاة الذين حكموا على المراءة بالطلاق من زوجها لعدم تكافؤ النسب . وهي قضية اكل فيها الاعلام وشرب وطار بها العلمانيون واعداء السلفيه من الرافضة والجهلاء ولكن اعتب على الشيخ عدم تعيينه الصريح على الهدف من هذه المقاله لانه ما يتبادر الى ذهن كل من يعرف بقضية المراء المطلقه لعدم تكافؤ النسب الا يرى ان الشيخ يخطئ حكم القضاة . اما لو انه لم يسبق ان حدثت القضيية فإن كلام الشيخ يؤخذ بادنى شك انه دعوى لترك التعصب للزواج من العائلة او القبيلة . لذا ارى انه كان يجب على الشيخ حفظه الله ان يتطرق لنوع القضية المذكوره ويبين الحكم الشرعي في إذا دلس او كذب الخاطب وادعى انه من اصل وفصل , وهويعلم انه لو عرف اهل المراءة انه من قبيله كذا سواء كانت وضيعة ام شريفة فلو عرف اهل المراءه فإنهم لن يوافقوا على زواجه وبهذا يكون قد غشهم وكذب او دلس عليهم . ففي هذه الحال هل يحق لاهل الزوجه ان يطلبوا طلاقها منه . انا احترم الشيخ ليس فضلا مني ولكن حق يستحقه الشيخ ولست بالذي يرقى الى ركبة الشيخ في علم ولا معرفة ولكن حقيقة انني اجهل هذه المسألة واريد ان اسمع منه الجواب كما انني اخشى ان يطير بهذه المقاله طيور السوء ليشنعوا على القضاة ويقولون شهد شاهد من اهلها . كل ما ورد من كلام الشيخ لست على مستوى من يقيمه ولو اننه اعتبره نصيحة مؤمن ناصح . لكن اطلب من الشيخ ابانة حكم الشرع في من كذب او دلس واوهم اهل المراءة انه من القبيله اوالاصل الفلاني وهو يكذب هل لهم حق طلب تطليق ابنتهم منه اسال الشيخ سؤال يلقى اجر إجابته عندالله وان تجاهله ان يلقى ذلك عند الله ان يجيب على استفساري . لانني احترق ان اجد من يضرب الصالحين بالصالحين بارك الله في الشيخ وفي كل من قراء والحمد لله رب العالمين امين .
  • أبو معاذ

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاكم الله خيرا سعادة الشيخ وجزاكم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء
  • طويلب علم من مصر

      منذ
    [[أعجبني:]] المقال فوق المتوسط أما بالنسبة للحديث الذي ذكرته الأخت "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" فقد حكم عليه علماء الحديث بالضعف أما بالنسبة لما ذكرته من مسألة الدم فهي ترجع إلى القبول وعدمه أما مقال الشيخ فيتحدث عن الرفض بسبب أن هذا الرجل من قبيلة أو من مستوى دون مستوى المتقدم لها والله تعالى يقول "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" الحجرات وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
  • علاء

      منذ
    [[أعجبني:]] بسم الله والصلاة ولسلام على خير الانام سيدنا محمد علية افضل الصلاة والسلام اما بعد اني احبك في الله ياشيخ عائض وانا من اشد المعجبين بك وهذة مقالة جميل لما تمسة من مشاكل حقيقة تواجة الشباب في مجتمعاتناالعربية حالياوشكرا جزيلا لك

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً