اليأس والقنوط - (2) ذم اليأْس والقنوط والنهي عنهما

منذ 2014-05-11

ذم اليأْس والقنوط والنهي عنهما في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وبعض أقوال السلف والعلماء في اليأْس والقنوط..

أولًا: في القرآن الكريم:

- قال تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:55-56].

قال الطبري: "قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى... فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله"(جامع البيان: [17/113]).

قال الواحدي: " {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر من الآية:55]: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ"(الوسيط في تفسير القرآن المجيد: [3/47]).

- وقال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36].

"خبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/642]).

قال الماوردي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن" (النكت والعيون: [4/315]).

قال البغوي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" ((معالم التنزيل) للبغوي: [3/579])، (المحرر الوجيز) لابن عطية: [4/338]).

- وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

"{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/727]).

- وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].

قال ابن كثير: "وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: {وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم:49]. {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله" ((تفسير القرآن العظيم) لابن كثير: [7/206-207]).

- وقال تعالى: {لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:49].
قال الطبري: "{فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه" (جامع البيان) للطبري: [21/490]).

 

ثانيًا: في السنة النبوية:

- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار» (رواه البخاري: (6469)].

قال بدر الدين العيني: "«لم ييأس من الجنة» من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: «لم ييأس من الجنة» قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة" (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) لبدر الدين العيني: [23/67]، (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر [11/302]).

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد» (رواه مسلم: [2755]).

قال المباركفوري: "إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه" (مرعاة المفاتيح: [8/80]).

 

أقوال السلف والعلماء في اليأْس والقنوط

- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الفقيه حقُّ الفقيه: من لم يُقنِّط النَّاس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله" (رواه الدارمي: [1/338] [305]، وأبو داود في (الزهد)، ص: [115]).

- وقال ابن مسعود: "الهلاك في اثنتين، القنوط، والعجب" ((الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي: [1/121]).

- وقال أيضًا: "الكبائر ثلاث: اليأْس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله" ((جامع البيان) للطبري: [8/246]).

- وقال محمد بن سيرين: "الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى" ((معالم التنزيل) للبغوي: [1/217]).

- وقال أيضًا: "لا تيأس فتقنط فلا تعمل" ((العجاب في بيان الأسباب) لابن حجر العسقلاني: [1/479]).

- وقال سفيان بن عيينة: "من ذهب يقنِّط الناس من رحمة الله، أو يقنِّط نفسه فقد أخطأ" ((تفسير القرآن العظيم) لابن أبي حاتم: [7/ 2268] برقم [12406]).

- وقال الطحاوي: "الأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة" (العقيدة الطحاوية: [1/61]).

- وقال البغوي: "القنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكره" ((معالم التنزيل في تفسير القرآن) البغوي: [3/61]، (اللباب في علوم الكتاب) ابن عادل: [11/471]).

  • 28
  • 3
  • 167,186
المقال السابق
(1) معنى اليأس والقنوط والفرق بينهما
المقال التالي
(3) ذم اليأس والقنوط في واحة الشعر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً