الحياء.. والفهم المقلوب!

منذ 2014-05-11

كثير من الناس يفهم الحياء فهمًا خاطئًا! فيظن أن الحياء أمرٌ خاصٌ بالنساء؛ فحين يتصوَّر الإنسان أن الحياء سلبية وضعف من الرجل وأن الجسارة واقتحام ما لا يليق من الكلمات أو السلوكيات جرأةٍ محمودة من الرجل فهذا تصوُّرٌ مرفوض.

إن الحياء خُلقٌ عظيمٌ من أخلاق الإسلام.. وهو خُلقٌ يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حقِ ذي الحق.

وتحدَّث عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه لـ (رياض الصالحين)، فقال: "الحياء صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما يًُجمِّل ويُزيِّن، وترك ما يُدنِّس ويشين، فتجده إذا فعل فِعلًا خالف المروءة استحيا من الناس، وإذا صنع شيئًا محرَّما استحيا من الله تعالى".

والحياء مفتاح كل خير.. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولولا هذا الخلق: لم يُقرّ ضيف، ولم تُؤدى أمانة، ولم تُقض لأحد حاجة، ولا تحرَّى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة. وهنا نقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ» (متفقٌ عليه)".

والحياء منه المحمود ومنه المذموم:

فالمحمود هو الذي يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ويعرف الحياء بثمرته، فإن ترتب عليه خير فهو المحمود، كهذا الذي يهِم بفاحشة فيمنعه حياؤه من فعلها، أو يعتدي عليه إنسان بقولٍ أو فعلٍ فيمنعه حياؤه من مقابلة السيئة بالسيئة، أو يجلس في مجلس فيُمسِك الحياء لسانه عن الكلام بالباطل والخوض فيما لا يعنىيه... وهكذا.

وإن أتى بِشَرٍ فهو عجزٍ وخور، وضعفٍ ومهانة.. وهو من خداع الشيطان وتلبيسه. كالحياء الذي يترتب عليه كتمان حق، أو انتهاك حُرمة، وقد كان صلى الله عليه وسلم أشَدَّ حياءً مِن العَذراءِ في خِدْرِها ومع ذلك كان لا يمنعه حياؤه من حقٍ يقوله أو منكرٍ ينهى عنه.

وكثير من الناس يفهم الحياء فهمًا خاطئًا! فيظن أن الحياء أمرٌ خاصٌ بالنساء؛ فحين يتصور الإنسان أن الحياء سلبية وضعف من الرجل وأن الجسارة واقتحام ما لا يليق من الكلماتِ أو السلوكياتِ جرأة محمودة من الرجل فهذا تصوُّرٌ مرفوض.

ولذلك نقول ليس من الحياء:

- أن يترك الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة الحياء!

فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ النَّاسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا شهِده أو علِمه» (السلسلة الصحيحة).

فما الذى يضرُّك أن تنهى رجلًا يدخن في بيتك؟ وما الذي يمنعك إذا رأيت رجلًا لا يُحسِن الصلاة أن تُعلِّمه؟!

- وليس من الحياء: أن تخرج المرأة متبرِّجة، فإذا نظر إليها أجنبي.. اِحمرَّ وجهها!

- وليس من الحياء: أن أن يجلس الرجل بجوار زوجته في ليلة عُرسِه على مسرح.. فيأتي صديقه يريد صورةً تذكارية فيستحي منه أن يمنعه!
 
- وليس من الحياء أيضًا: أن تمدّ امرأة يدها لتُصافح أجنبيًا عنها فيُصافِحاها بحجة الحياء!

- وليس من الحياء: أن يكف الرجل بصره إذا عَلِمَ أن أحدًا ينظر إليه؛ قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19].

- وليس من الحياء: أن يتعرَّض فاجرٌ لامرأةٍ في خلوةٍ.. يحاول استكراهها فتنقبِض نفسها عن أن تستغيث وتصرخ! لأنها تستقبِح أن يَشيع عنها أن فاجِرًا تعرَّض لها.. ولو عقلت لعلِمَت أن شيوع ذلك ليس بقبيحٍ إذا اقترن برفضها للفاحشة والناس سيمدحون عِفَّتها.
         
وفي الختام نقول.. لا عجب أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحياء إنه خُلق الإسلام.. كما روى عبد الله بن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» (رواه ابن ماجة).

ولله در عمر رضي الله عنه إذ يقول: "من قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه".

فكم من قلوبٍ ماتت! وكم من أجسادٍ قد تعرَّت وتجرَّدت من ثوب الحياء!

وصدق من قال:

إذا لم تخشَ عاقبة الليالي *** ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله في العيشِ خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

أسأل الله لي ولكم فعل الخيرات، وترك المنكرات.. إنه ولي ذلك ومولاه..


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد رشيد

داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية

  • 2
  • 0
  • 5,527

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً