تغلبي على الإحباط

عندما تتعثر خطاكِ، وتسقطين، من وقتٍ لآخر بمقتضى طبيعة البشر؛ احرصي على أن يكون سقوطك إلى الأمام.. باتجاه الهدف!

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا المرأة المسلمة -

تقول إحدى الأمهات:

"أريد أن أجد تفسيرًا لما ألاحظه على ابنتي منذ فترة.. تنام لساعات طويلة دون مبرر، لديها حالة من العزوف عن المذاكرة وتأجيل مواعيد الدروس المرة تلو الأخرى، غير متحمسة للكلام مع أصدقائها أو حتى معنا داخل الأسرة.. فما هو تفسير هذه الأعراض الغريبة على طبيعتها؟".

أعزائي المربين والمربيات..

لعل هذه الشكوى قد تتكرر في كثير من البيوت التي تضم أبناء أو بنات في مرحلة المراهقة، ولعل هناك حلقة ناقصة في كلام هذه الأم، وهي أن هذه الأعراض غالبًا ما تصيب الأبناء بعد إخفاق دراسي أو فشل في علاقة صداقة، أو ابتلاء بفقد أحد الأقارب.. وبذلك تكتمل لدينا الصورة، فهذه الفتاة تعاني من الإحباط، وتحتاج إلى من يساعدها للتغلب عليه، فإلى هذه السطور نتعرف بشكل أكثر تفصيلًا على (الإحباط) كعرض نفسي.. ما هو؟ وما هي أسبابه؟ وكيف نساعد الأبناء للوقاية منه والتغلب عليه؟


وبداية ما معنى لفظة الإحباط؟

هو إسم مشتق من الفعل حبط، وحبط الجرح: بقيت له آثار بعد البرء. وحبط ماء البئر: ذهب ذهابًا لا يعود. وحبط العمل: بطل. وفي التنزيل العزيز: {لَئِنْ أَشْرَ‌كْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، أحبط ماء البئر: حبط، وأحبط عمله ودمه: أبطله.

والمصدر: (إحباط)، لا يخرج عن هذه المعاني اللغوية التي تنحصر في معنيين اثنين:
1- التلاشي والاضمحلال المصحوب بالخيبة والضيق والنفور.
2- الفساد الذي تبقى آثاره حتى بعد ذهاب عينه وأصله، مما يصيب صاحبه بالحسرة والألم.


ويعرّف المختصون (الإحباط) بأنه أحد الحالات المزاجية  كالقلق والغضب، وهو يؤثر على حالة الإنسان النفسية، وقد يصل به -إن لم يتداركه- إلى حد الإكتئاب، وتحديدًا هو: مجموعة من المشاعر المؤلمة، تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة، (إسراء هارون: كلماتي لفتاتي، [ص:29]).


غير أنّ ما يميز الإحباط عن غيره من المشاعر.. أن له خاصية التغلغل حيث يتسرب داخل النفس رويدًا حتى يصيبها بالعزوف عن أهم أنشطة الحياة اليومية للفرد، كما يكون له أكبر الأثر على مستوى التحصيل الدراسي، وعلى علاقة الفتاة بأسرتها بل وعلى مدى نجاح أو فشل تكيفها الاجتماعي؛ ولذلك فهو يعد من أكثر المشاعر السلبية خطرًا خصوصًا على الأبناء والبنات في مقتبل حياتهم.


ولكن ما هي الأسباب التي يمكن أن تدفع بالزهور اليافعة إلى دائرة الإحباط؟
- عدم التعامل الصحيح مع تجارب الإخفاق والفشل: إنّ السبب الرئيس لنمو هذا الشعور هو التفكير مرارًا وتكرارًا في المشاعر التي تنتاب المرء الخطأ أو الفشل أو الإخفاق.. والمشكلة ليست في وقوع الخطأ أو حدوث الفشل والإخفاق، ولكن المشكلة الحقيقية في كيفية التعامل الصحيح مع تجربة الفشل..


من الأسباب أيضًا: ضعف عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشرّه:
تشير بعض الدراسات إلى أن كثيرًا من الشباب يُدوِّنون في مذكراتهم الشخصية قضية حتمية القضاء والقدر، وأنهم تحت مصير محتوم، ولا حول لهم تجاهه ولا قوة، وبعضهم يصيبه القلق الشديد من التفكير في الموت، حيث يقطع عليهم آمالهم وخططهم المستقبلية، ويحصل لهم من ذلك العنت الشديد. وكثير من الشباب من الجنسين يعانون من إحباط نفسي بسبب التفكير في مستقبل الحياة، والخوف من أحداثها المؤلمة المتوقعة، فيحصل لهم من ذلك خيال مُشوَّش، واكتئاب، والفتيات -في هذا- يعانين من هذا التفكير أكثر من الفتيان، وهن أيضًا أقل تفاؤلًا منهم، في حين أن الإيمان بالقضاء والقدر يمثل لهن حلًا جذريًا، وواقيًا من مثل هذه الصراعات النفسية، بحيث تقتنع الفتاة أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها: فتسكن إلى هذا نفسها وتطمئن، ويزول منها الشعور بالقلق على المستقبل، أو الحزن على ما فات من الخير (د.عدنان حسن باحارث: ملف التربية الإيمانية للفتاة/شبكة الانترنت).


ومنها: حساسية الفتاة تجاه الإخفاق الدراسي:
فمن الحاجات النفسية المستقرة الرغبة في النجاح والإنجاز، والخوف من الانهزام والإخفاق، خاصة فيما يتصل بأداء الشباب والفتيات الأكاديمي، فإن الرسوب، أو الخوف من احتمال وقوعه قد يؤدي بهم إلى اضطرابات نفسية، خاصة عند الفتيات منهم، فهن أكثر إحساسًا بألم الرسوب؛ لهذا يتأثرن بقلق الامتحانات أكثر من الذكور.


ابنتي الحبيبة.. كيف تتغلبين على مشاعر الإحباط؟
كلما كان إيمانك أقوى كانت قواك أعظم وتماسك شخصيتك أمتن وأصلب؛ وإليك هذه الإضاءات التي تساعدك على التغلب على مشاعر الإحباط السلبية:

- الإيمان بالقدر: إن الحقيقة التي لا بد أن يدركها المكلَّف  -والفتاة على الخصوص- أن ما يصدر من قضاء الله تعالى للعبد المؤمن كلُّه خير، حتى ما يحصل له من الأذى، فكل ذلك ضمن مفهوم الخيرية في التصور الإسلامي، وأن محاولة تغيير القضاء، أو تأخيره: أمر لا قدرة للإنسان عليه، فكل شيء يجري في الكون قد كُتب وفُرغ منه، ولا يحصل الشعور ببرد الإيمان إلا بالتسليم الكامل -في ذلك- لله تعالى، كما قال ذو النون: "من وثق بالمقادير لم يغتم" كما فسَّر مجاهد النفس المطمئنة في القرآن بأنها النفس الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها.


إنّ هذا الفهم يبعث في نفس الفتاة استقرارًا واطمئنانًا في جميع الأحوال الطيبة والسيئة، وفي الرخاء والشدة، ويذهب عنها القلق والاكتئاب والتشاؤم، ويبعث في النفس دوام الأمل والتفاؤل في مقادير الله تعالى، وحسن الظن به جل وعلا، كما يقطع عنها دابر الجزع و التشاؤم لأنها تؤمن أن كل شيء بقدر، قال عز وجل: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ‌ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ‌ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌} [الأنعام:17]، (حنان عطية الطوري:الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، [ ص:123] بتصرف).


- القرآن الكريم يعلمنا مراجعة النفس بعد الإخفاق، والتفتيش داخل النفس أولًا عن أسباب الخلل، قبل أن نعلق الخطأ على الآخرين، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. فالمصائب والأخطاء في غالبها مبعثها من النفس، ومن ثم فإن عملية التصحيح تبدأ أولًا من الداخل من النفس.

ـ الفهم الصحيح لهذه العقيدة من خلال معرفة سُنن الله تعالى الاجتماعية في النجاح والفشل، الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى؛ فمعرفة سنن الله تعالى من أعظم أبواب النجاح.

- تعودي على تنفيذ أي عمل أو خطوة أو برنامج، سواء كان يوميًا أو شهريًا أو سنويًا، بدءًا من اللحظات الأولى التي تعقب الانتهاء من التخطيط له مباشرة وبدون تأجيل، ولا تفكري في مواقف الإخفاق السابقة (نهاد درويش:الحيل النفسية، [ص:17]).

ـ أحيانًا يكون الشعور بالإحباط فرصة رائعة للعصف الذهني ودراسة كافية للخيارات الممكنة. وبالتالي قد تكتشفي طرق أكثر فعالية بقليل من الجهد والتفكير.

- تربية النفس على الصبر والجدية والمثابرة إلى أن تنتهي الأعمال، وإعادة المحاولة مرات ومرات بعد الفشل. قال صلى الله عليه وسلم:قض «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»(صحيح مسلم).

ـ أخذ العبرة من سيرة الناجحين، فلم يكن الفشل في حياتهم إلا أحد الدوافع للنجاح .

- من الأفضل لصحتك النفسية أن يكون لكِ إنسانة مقربة كأخت أو صديقة تحدثينها بأمورك.
لكن احرصي على أن تنتقيها بعناية بحيث تكون صادقة  مخلصة أمينة على أسرارك فتسدي لك النصح والمشورة وتعطيك الدافع والقوة لمواجهة هذا الشعور المؤلم... ومن الممكن أن يكون أيضًا الأم أو الخالة أو العمة أو الأب أو الأخ أو العم أو أحد المحارم ذوي الخبرة (إسراء هارون: كلماتي لفتاتي،39).


وأخيرًا، زهرتي..
إذا علمت أن بقاء الحال من المحال، فما تعيشه من لحظات إحباط لن تدوم، وكلما ازداد الكرب والضيق قرب الفرج كما قال الله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّ‌سُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُ‌نَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَ‌دُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِ‌مِينَ} [يوسف:110].


نعم.. فالفشل ليس نهاية العالم، بل من الممكن أن تستثمري حدث الفشل في عملٍ ما بدلًا من الغرق في مشاعر سلبية نتيجة هذا الفشل، والمثل الياباني يقول: "إذا تردَّيت في حفرةٍ، فلا تخرجْ منها فارغ اليدين"!

لهذا، عندما تتعثر خطاكِ، وتسقطين، من وقتٍ لآخر بمقتضى طبيعة البشر؛ احرصي على أن يكون سقوطك إلى الأمام.. باتجاه الهدف! إنه أسلوب المثابرة على التقدم والعودة إلى النهوض بعد كل عثرة، بمعنى أن تتعاملي مع العثرات التي تسببت في إخفاقك على أساس أنها مجرَّد أحداثٍ ووقائع، لا كوارث ومثبِّطات!

 

____________________

المراجع:
- ملف التربية النفسية للفتاة، د.عدنان حسن باحارث/شبكة الانترنت.
- الدور التربوي للوالدين في تنشأة الفتاة، حنان عطية الطوري.
- كلماتي لفتاتي، إسراء هارون عمران.
- الحيل النفسية، نهاد درويش.

 

سحر محمد يسري

المصدر: مفكرة الإسلام