هكذا بدأ الاختلاط

منذ 2003-02-05

قال الشيخ علي الطنطاوي: أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكى من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام..


قال الشيخ علي الطنطاوي: أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكى من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.

يَجِدُّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفاً واحداً، والمسلمون قد فرَّقت بينهم خلافات في الرأي، ومطامع في الدنيا.


يدخلون علينا من بابين كبيرين، حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها، أما البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات.

أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه، ولكن سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كل شاب ولا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.

أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل، ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى، إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله، وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشيء أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر. طاقة نعطلها ونهملها ودافع أوجد ليوجه إلى عدونا، لندافع بها عن بلدنا، فنحن نطلقها في الهواء، فنضيعها هباء، أو يوجهها بعضنا إلى بعض.

هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب. عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط.


بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ولما جاءت الإذاعة انتقل منها إلى برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات.

ثم إنه قد فسد الزمان، حتى صار التعدي على عفاف الأطفال، منكراً فاشياً، ومرضاً سارياً، لا عندنا، بل في البلاد التي نعدُّ أهلها هم أهل المدنية والحضارة في أوربا وأمريكا.


كان أعداء الحجاب يقولون أن اللواط والسحاق، وتلك الإنحرافات الجنسية سببها حجب النساء، ولو مزقتم هذا الحجاب وألقيتموه لخلصتم منها، ورجعتم إلى الطريق القويم. وكنا من غفلتنا ومن صفاء نفوسنا نصدقهم، ثم لما عرفناهم وخبرنا خبرهم، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة.

إن كان الحجاب مصدر هذا الشذوذ، فخبروني هل نساء ألمانيا وبريطانيا محجبات الحجاب الشرعي ؟ فكيف إذن نرى هذا الشذوذ منتشراً فيهم حتى سَنّوا قانوناً يجعله من المباحات ؟


ثم إن أصول العقائد، وبذور العادات ومبادئ الخير والشر، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت الاختلاط فيها، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟ ثم تصير أمراً عادياً ينشأ عليه الفتى ، وتشب الفتاة، فيكبران وهما عليه ؟ وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟

أم هي تكبر شعرة شعرة، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه. فهو إذن يمشي وإن لم تر مشيه، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟

والصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير، ولا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير، ولكنه يختزن هذه الصورة في ذاكراته فيخرجها من مخزنها ولو بعد عشرين سنة. أنا أذكر نساء عرفتهن وأنا ابن ست سنين، قبل أكثر من سبعين سنة. وأستطيع أن أتصور الآن ملامح وجوههن، وتكوين أجسادهن.


ثم إن من تُشْرِف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها، يظهر في عاطفته، وفي سلوكه، في أدبه، إذا كان أديباً.
ولا تبعد في ضرب الأمثال، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألَّفه في الحب " طوق الحمامة " حديثاً مستفيضاً في الموضوع.

خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب. فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج. ومن تسوَّر الجدار أو نقب السقف، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس، وتأديب الضمير، وكان له في الآخرة عذاب السعير ...
" ذكريات الشيخ على الطنطاوي (5/268-271) "


هذا ما قاله الشيخ عن بلادٍ غير بلادنا، والسعيد من وُعِظَ بغيره ولم يتعظ به الناس، فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } [النور:19].

جنبنا الله مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهُداة المهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

علي الطنطاوي

الأديب المشهور المعروف رحمه الله تعالى

  • 26
  • 4
  • 58,359
  • بنت السعودية

      منذ
    [[أعجبني:]] المقالة كانت رائعة جدا ، وفعلا دائما أعداؤنا يفترسوننا من غريزة الشهوة ، سبحان الله يعرفون من أين يدخلون لنا ولا نعرف من أين ندخل لهم ونحن المأمورون بنشر القيم الإسلامية ، وليتنا كذلك فحسب بل أننا أيضا لا نعرف مقاصدهم إلا بعد أن تعم البلوى [[لم يعجبني:]] لا قوة إلا بالله كانت مقالة جميلة لم أرى عليها غبار
  • لطيفة

      منذ
    [[أعجبني:]] كل شى حلو كتير وبارك الله فيكم
  • يوسف

      منذ
    [[أعجبني:]] نرتيب الأفكار جميل جدا و يجعله سهلا و منطقيا
  • محمد سمير

      منذ
    [[أعجبني:]] كل الفكرة رائعة
  • أحمد

      منذ
    [[أعجبني:]] إنه لحق ما قاله الكاتب ... لقد لفت نظرى إلى شئ لم أدركه حقا ولكنه يؤرقنى , دون أن أعرفه : وهو سهام إبليس المسمومة التى أصابتنى فى طفولتى بسبب مدرساتى و معلماتى فى الحضانة ... حين لم أكن أدرك شبئا ولا ذنب لى بذلك إذ لم أن أفهم أكن شيئا وقتها !!! ... إنّا لله و إنّا إليه راجعون ... [[لم يعجبني:]] عقول محاربة دين الله : هى أحقر العقول.
  • هند

      منذ
    [[أعجبني:]] أنا أتمنى لو يتحقق هذا فبذلك تحل العديد من المشاكل التي نعاني منها في مجتمعنا الإسلامي [[لم يعجبني:]] الاختلاط محتوم في واقعنا وليس ممكنا في غالبية المجتمعات الإسلامية منعه
  • محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] أظهر ما بداخل كل رجل [[لم يعجبني:]] لم يناقش الاختلاط بين الطلبة في الجامعات
  • محمد رفاعى

      منذ
    [[أعجبني:]] هوأن فضيلته لفت النظر الى تلك القضية الخطيرة وعلى كل شاب أن يدرك هذا وألا يقع فيه فالخلوة والاختلاط من مداخل الشيطان
  • حمدان  نصرالدين

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبتني المحاضرة لانها تعالج امرا مهما الا وهو الختلاط [[لم يعجبني:]] الانقطاع المتكرر للصوت ارجوكم اصلحوه وجزاكم الله الف خير
  • دعاء فراج

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبتني مقولة الامام ابن حزم التي استشهد بها الشيخ لما بينته من تناقض بين حال من يدخل من باب الرحمة(الزواج) وحال من يدخل سرقة يبغي الحرام فيلقى الشقاء [[لم يعجبني:]] وصف العقول المدبرة لحرب الأسلام بالعقول الكبيرة جدا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً