ظاهرة الداعية البديل

منذ 2014-05-19

لقد أفرزت الساحة الفكرية في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل في دعاة أو مصلحون يتبنون فكر الطب البديل وعلم الطاقة، لكنهم في حقيقة الأمر يتبنون فكرة الداعية البديل عن العالم الرباني والداعية المحقّق المتحدث بالشرع والدليل.

لقد أفرزت الساحة الفكرية في السنوات الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل في دعاة أو مصلحون يتبنون فكر الطب البديل وعلم الطاقة، لكنهم في حقيقة الأمر يتبنون فكرة الداعية البديل عن العالم الرباني والداعية المحقّق المتحدث بالشرع والدليل وإن أنكروا ذلك فأقوالهم شاهدة على تدخلهم في العقيدة والشريعة -كما سنبين-.

ويتحدث الداعية البديل بقليل من الحق والقرآن وكثير من الباطل والبهتان؛ يتقلد فجأة الصفوف الأولى في الإعلام العلماني ليهرف بما لا يعرف لأن الكثير غير متفرغ لنقده وضبطه، ويتواجد على صفحات التواصل الاجتماعي ليتبادل الحوار ويغذي المتحاورين بتوجهه الجديد.. 

ومع الاستقراء والملاحظة ستجد أن أخطر فكرتين تروجهما تلك الظاهرة هما: عقيدة الإرجاء[1]، وعقيدة القدرية، وباختصار شديد جدًا أذكر مثالين:

الأول: يرفع الداعية البديل راية التفاؤل والأمل والمحبة وحسن الظن بالله إلى أبعد الحدود، وهذا جيد، إلا أن امتداده ليس بجيد حين يؤصل بها لعقيدة الإرجاء؛ فيحرّم التذلل والخضوع لله تبارك وتعالى، ويلغي التعبد إلى الله بالخوف والرهبة ويحصرها على الرغبة والمحبة، بل على العكس فالخوف من الله كما يصفه بعضهم صفة سيئة وعادة قبيحة لأن الله غفور عفو ودود إلى عباده ولا شيء يدعو أن يكون الله مخيف -هكذا يؤصلون-، وينشر "البديل" المحبة بين الجميع من شتى الملل وسائر النحل ليؤنسن المجتمع، ويهدم الولاء والبراء الذي بين أهل الملة ويوزعه على قدر إنسانية المرء لا على قدر موالاة أولياء الله والتبري من أعدائه

ثم هو ينتقد المشايخ الذين ينفِّرون الناس من الدين ويرهبونهم من الله تعالى –على حد قوله- وينعتهم بالتزمت والتشدد والصد عن سبيل الله، ومن هنا تتأكد فكرة أنه داعية بديل، فهو يريد استبدال الباطل بالحق فلا يرفع راية حربه إلا عليهم ولا يجد له عدو غيرهم!!

وهو في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الكثير من بلدان المسلمين يكسب في كل يوم أرض لأنه يتعامل بحرفية مع قلوب مجهدة ونفسيات متعبة؛ تطمح لأي مكسب إثر الثورات والأحداث الدامية في ذلك الواقع الأليم، تلك الحالة التي يستغلها في الترويج للفكر الإرجائي، والتنفير من الوسطية العقدية في التوازن بين الخوف والرجاء، حيث تركن النفوس إلى من يُدللها ويرتب على أهوائها ولو بالتخدير والنسيان والحديث المدغدغ للمشاعر، كما أن النفس بطبيعتها تهفو إلى من يُغدق عليها بالرُّخَص وترك الواجبات فتهفوا لذلك آذان الكسالى وأهل الأهواء الذين لا يرون في العمل إلا مشقته ولا يصبرون لجني لذته.

الراية الثانية: التي يرفعها الداعية البديل هي التحفيز والدعم النفسي والإصرار على تحقيق الهدف ونيل مكارم الغايات وبث الطموح والأمل في المستقبل، وهذا جيد جدًا لو لم يكن بالتمني والتخلي والتذرع بعلوم واهية لا دليل شرعيًا ولا علميًا عليها، حيث تتعلق تلك الأمنيات والرغبات وترتبط بعلم الطاقة الحيوية وما تنقله لنا من طاقة إيجابية وسلبية تلك الطاقة التي لا دليل على وجودها تجريبيًا حتى هذه اللحظة بل هي مستمدة من أفكار نابعة من الفلسفة الروحية الشرقية القديمة.

 ولكن الأمر الأكثر خطورة هو إصرارهم على التقهقر إلى عقيدة القدرية الأولى (من نفي خلق الله لأفعال العباد وألاّ قدر قبل فعل العبد بل أن الأمر أنف)، وسواءً قصدوا التأسي بالقدرية الأوائل أم لم يتعمدوا هذا فإن فعلهم يحكي ذلك ويطبقه فأنت – عندهم - وحدك من تحقق فعلك وتمنح ابتسامتك لنفسك ونجاحك؛ بل تمنح النجاح لمن حولك، وأنت وحدك أيضا بسلبيتك المتعاركة في الكون من تجني على نفسك فشلك، وعلى من حولك أولئك الذين سيتطيرون بك من نكدك وهمّك.

وأما قدر الله النازل وقضائه الحاصل فهو أمر غير معترف به عند هؤلاء في حقيقة قولهم، فلا يوجد شيء اسمه ابتلاء، ولا يوجد – عندهم - أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، ولا أشد الناس بلاء الأنبياء، وكل المصائب التي حولك أنت من صنعتها بنفسك أو جلبتها عليها، كما أن كل الأفعال الخيّرة أنت من صنعتها بإرادتك وفضلك، ولا دخل لله في كل ذلك، وهذا النفي الأخير لا يظهر في حديثهم صريحًا بل من العجيب أنك تراهم يقدمون المشيئة (إن شاء الله كعادة لا عبادة) إلا أن شروحاتهم وأقوالهم تخالف هذه المشيئة وإن شئت سألتني كيف ذلك؟!

أقل لك أنهم يُعزون الإرادة والمشيئة إلى الكون لا الإله الخالق المُريد، يعزونها لما يدعونه بالطاقة السلبية التي جلبتها لنفسك أو الإيجابية التي اكتسبتها من مسارات الكون؛ فالكون هو المانح الحقيقي للخير والشر، وقوَّتك تتحدد بموافقتك لتلك المسارات أو مخالفتك لها، فالكون إذا تميمة النجاح والفشل.

إذًا فقد تم تحويل العبادات وتقعيدها على أساسين:

الأساس الأول: أنك من تخلق فعلك وحدك على حسب طاقتك إيجابية كانت أم سلبية.

والأساس الثاني: وهو نتيجة للأول ودليل عليه، وهو انتقال إرادة العبد وفعله من كونه إرادة وفعلاً تحت مشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى إلى علاقة متناسقة ومنسجمة بين إرادة العبد ومسارات الطاقة الكونية، وهم في ذلك قد فاقوا مقولة القدرية في "خلق العباد لأفعالهم" أولئك الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مجوس الأمة.

فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لكلِّ أمَّةٍ مجوسٌ، وإنَّ مجوسَ هذه الأمِّةِ: القدريَّةُ، فلا تَعودوهم إذا مَرِضوا، ولا تصلُّوا على جنائِزِهم إذا ماتوا.» (رواه أبو هريرة وصححه الألباني، في تخريج كتاب السنة برقم:[342]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ أمةٍ مجوسٌ، و مجوسُ أمتي الذينَ يقولونَ لا قَدَرَ، إنْ مَرِضُوا فلا تَعُودُوهُم، و إنْ ماتُوا فلا تَشْهَدُوهُم». (حديث حسن، السيوطي في الجامع الصغير برقم:[7304]).

ويتضح ذلك أيضًا في تأثرهم بالفلسفات الشرقية الروحية والعقائد البوذية وكسوتها بكساء إسلامي وكأنهم اكتشفوا الدين من جديد بعد 1400 عام، وكأن الاجتهاد في أصول الدين مباح ولا مشاحة فيه.

والملاحظ في مروجي علم الطاقة أنهم ابتدعوا فلسفة جديدة وفريدة من نوعها حين شقوا صفوف الصراع بين أهم اتجاهين على الساحة الفكرية، حيث يحتدم الخلاف بين اتجاه الفلسفة الروحية التي تفضل التفكير الكلاسيكي في الإيمان بالإله الخالق المدبر ومن ثم الإيمان بالغيبيات – الميتافيزيقا -؛

والاتجاه الثاني المادي الوضعي الذي لا يؤمن إلا بالدليل والتجربة والملاحظة والنتائج المشاهدة بالحس ولا يفكر في الغيب والماضي.

وعلم الطاقة الوهمي اجتزأ من الاتجاهين مكونًا فكريًا مشوهًا وفريدًا من نوعه فمزج الفلسفة التجريبية وزج بها في فلسفة الميتافيزيقا –الغيبية الروحية- الشرقية المخالفة للعقيدة الإسلامية زاعمًا أن علمه جزء من العلوم الفيزيائية، وأن الطاقة السلبية والإيجابية التي يتحدث عنها دعاة الطاقة هي شيء مادي معلوم بالتجربة والبرهان، موهمًا المتلقي أن تشابه الأسماء يعني تشابه المسميات، وشتان بين الطاقة في العلوم الفيزيائية (الكهربية- الالكترونية) التي تبدأ بملاحظات وتنتهي بنتائج مادية محسوسة، يعترف بها الإسلام، وبين الطاقة الميتافيزيقة الوهمية التي تعنى بالهالة والجسم الأثيري وتؤمن بالطلاسم والأحجار، وهي مسميات وهمية لا دليل مادي عليها، ودليل ذلك أنها من بدع المجوس الأوائل.

فالأولى علمية لها أدلتها العقلية والحسية والثانية وهمية لا دليل عليها سوى كلام الداعية البديل، ودرجة الاختلاف بينهما باختصار هي درجة الاختلاف بين شحنات الطاقة الفيزيائية المختلفة حين تتجاذب وشحنات الطاقة الوهمية المختلفة أيضا حين تتنافر!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]الإرجاء: هو مصطلح أصله من المرجئة وهي فرقة من الفرق الإسلامية القديمة التي حادت عن المنهج الوسطى، يقول الطحاوي فيما يعتقده أهل السنة (ولا نقول لا يضر مع الايمان ذنب لمن عمله) أي أن هذه المقولة لا نقول بها بل هي مقولة المرجئة الذين يرون أن أصل الإيمان بالقلب واللسان فقط وليس بالعمل أيضًا ومن ثم فعندهم لا تضر الأعمال السيئة ولا يترتب عليها عقاب ولا ثواب في الدنيا ولا في الآخرة طالما نطقنا الشهادتين.

وأهل السنة يقولون أن الايمان بالقول والقلب والعمل معًا، وفي الوقت نفسه لا نكفر أحدا من أهل القبلة لذنب استحله إلا بشروط وضوابط.

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام
  • 17
  • 0
  • 2,698

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً