(12) الحليم

هاني حلمي عبد الحميد

الْحِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الْأَلْبَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ الْعِرْضِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلَابِ الْحَمْدِ...

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

 

الحليــــم سبحــــانه وتعالى:
الله الحليم سبحانه وتعالى هو الصبور المتصف بالحلم، يتمهل ولا يتعجل، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات، فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب، ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب، ولكن الله عزَّ وجلَّ هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في ملكه، واستبقاه إلى يوم موعود وأجلٍ محدود، فأجَّل بحلمه عقاب الكافرين، وعجَّل بفضله ثواب المؤمنين.

 

المعنى اللغوي:
الحِلْمُ بالكسر: الأناة والعَقْل، وجمعه أحلامٌ وحُلُومٌ، وأحلام القومِ: حُلماؤُهُم، ورجل حليمٌ من قومٍ أحلامٍ وحُلماء، والحِلْمُ: نقيض السفه.


قال الراغب الأصفهاني: الحِلْمُ: ضبطُ النفس والطبع عن هيجـــان الغضب وجمعه أحلامٌ. قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} [الطور من الأية:32]، أَحْلَامُهُمْ، أي: عُقولُهُم، فالحلم بمعنى: العقل أي الإحكــــام وضبطُ النفس، وحَلُم، أي: ضبط نفسهُ وسيطر عليها.


وروده في القرآن الكريم:
ورد الاسم في القرآن إحدى عشرة مرة، منها:
قوله تعالى{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[البقرة من الأية:235].

وقوله سبحانه وتعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263].

وقول الله عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب:51].

وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44].


معنى الاسم ودلالته في حق الله تعالى:
الحليـــم: الذي لا يعجل على عبــــاده بعقوبتهم على ذنوبهم، حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه، في تركه تعجيـــل عذابه له، حليمًا ذو الصفح والأنــــاة، لا يستفزه غضب ولا يستَخِفُّهُ جهلُ جـــاهلٍ ولا عصيـــانُ عاصٍ.
ولا يستحق الصافحُ مع العجز اسم الحِلْمِ، إنما الحليمُ هو الصفوح مع القدرة والمتأني الذي لا يعجل بالعقوبة.

وقد أنعمَ بعض الشعراء بيـــان هذا المعنى في قوله:


لا يدركُ المجدَ أقوامٌ وَإنْ كَرُمُوا *** حتى يَذِلُّوا وإنْ عَزُّوا لأقوامِ
ويُشتَموا فترى الألوان مُسفرةً *** لا صَفحَ ذُلٍّ ولكن صفحَ أحْلامِ

 


يقول الإمام الغزالي "الحليم: هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش، كما قال تعالى{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ[النحل:61]" (المقصد الأسنى: [1/103]).


وتأمل حلم الله تعالى على عباده، في قوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس:11].

وقوله عزَّ وجلَّ: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:58].


فالحليــم هو الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام، ولا يحبس عن عباده بذنوبهم الفضل والإنعام، بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع، وإن كان بينهما تفاضل على مقتضى الحكمة، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب.

وحِلْمُ الله تعالى عظيــــم، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله: «ما أحدٌ أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم» (متفق عليه).

 

يقول ابن القيم في نونيته (القصيدة النونية: 244):

 

وَهْوَ الحَلِيــــــمُ فَلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ *** بِعُقُوبَةٍِ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ
 


حظ المؤمن من اسم الله تعالى الحليم.
كيفية التخلُّق بالحلم: لا شك إن الحلم خُلُقٌ عظيم، كما قال النبي لأشج عبد القيس«إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (رواه مسلم)، وقال«إن الله يحب الغني الحليم المتعفف، ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح» (رواه البزار وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب: 819).


فالحلم صفة تُكسِبُ المرء محبة الله ورضوانه، وهو دليلٌ على كمال العقل وسعة الصدر وإمتلاك النفس، والذي يتخلَّق بهذا الخُلُق سيكون له أثرًا عظيمًا في تهذيبه وتربيته لنفسه.


قال القرطبي رحمه الله: "فمن الواجب على من عَرَفَ أن ربَّهُ حليمٌ على من عصـــاه، أن يحلُم هو على من خــالف أمره، فذاك به أولى حتى يكون حليمًا فينــال من هذا الوصف بمقدار ما يكسر سورة غضبه ويرفع الانتقــام عن من أســـاء إليه، بل يتعود الصفح حتى يعودَ الحِلم له سجية. وكما تحب أن يحلُمَ عنك مالكك، فاحلم أنت عمن تملك؛ لأنك متعبدٌ بالحلم مُثــابٌ عليه.


قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]، وقال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43]".

فالحلمُ يعمل على تآلف القلوب، وينشُر المحبة بين الناس، ويُزيل البغض ويمنعُ الحسد، ويُميل القلوب ويستحق صاحبه الدرجات العلا والجزاء الأوفر، والحليــــم لا يكون إلا حكيمًا، واضعًا للأمور مواضعها، عالمًا قادرًا، إن لم يكن قادرًا كان حلمه مُتلبسًا بالعجز والوهن والضعف، وإن لم يكن عالمًا كان تركه للانتقام جهل، وإن لم يكن حكيمًا ربما كان حلمه من السفه.


وقد ذكر الإمام الماوردي عشرة أسبــــاب دافعة للحلم في كتابه (أدب الدنيا والدين)، فقال:
"الْحِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَقِّهَا بِذَوِي الْأَلْبَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ الْعِرْضِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ وَاجْتِلَابِ الْحَمْدِ".
وَأَسْبَابُ الْحِلْمِ الْبَاعِثَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ عَشَرَةٌ:

1) الرَّحْمَةُ لِلْجُهَّالِ: وَذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ يُوَافِقُ رِقَّةً، وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مِنْ أَوْكَدِ الْحِلْمِ رَحْمَةُ الْجُهَّالِ.

2) الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْتِصَارِ: وَذَلِكَ مِنْ سَعَةِ الصَّدْرِ وَحُسْنِ الثِّقَةِ في رَبِّهِ وما عنده من جزيـــل الثواب.

3) التَّرَفُّعُ عَنْ السِّبَابِ، وَذَلِكَ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ

وَقَدْ قِيلَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيِّدًا لِحِلْمِهِ".


وعن عائشة قالت: "لم يكن رسول الله فاحشًا ولا متفحشًا، ولا سخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح" (رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

4) الِاسْتِهَانَةُ بِالْمُسِيءِ، وَذَلِكَ قد يؤدي إلى ضَرْبٍ مِنْ الْكِبْرِ وَالْإِعْجَابِ، ولكنه مع الجُهال وأعداء الله يُعد من العزة، حُكِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْعِرَاقَ جَلَسَ يَوْمًا لِعَطَاءِ الْجُنْدِ وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: أَيْنَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ أَبَاهُ الزُّبَيْرُ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ إنَّهُ قَدْ تَبَاعَدَ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ : أَوَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنِّي أُقِيدُهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ فَلْيَظْهَرْ آمِنًا لِيَأْخُذَ عَطَاءَهُ مُوَفَّرًا، فَعَدَّ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْكِبْرِ".

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ :

 

إذَا نَطَقَ السَّفِيهُ فَلَا تُجِبْهُ *** فَخَيْرٌ مِنْ إجَابَتِهِ السُّكُوتُ
سَكَتُّ عَنْ السَّفِيهِ فَظَنَّ *** أَنِّي عَيِيتُ عَنْ الْجَوَابِ وَمَا عَيِيتُ

 

5) الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ جَزَاءِ الْجَوَابِ، والباعث عليه ما يَكُونُ مِنْ صِيَانَةِ النَّفْسِ وَكَمَالِ الْمُرُوءَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ، فيجب أن يصون لسانه ويترفع عن أن يرد الأذى بالأذى.

6) الْكَرَمُ وَحُبُّ التَّأَلُّفِ وَالتَّفَضُّلُ
حُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ".


7) الحَزم وَاسْتِنْكَافُ السِّبَابِ وَقَطْعُ السِّبَابِ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: "مَا أَدْرَكْت أُمِّي فَأَبَرُّهَا، وَلَكِنْ لَا أَسُبُّ أَحَدًا فَيَسُبُّهَا"، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "فِي إعْرَاضِك صَوْنُ أَعْرَاضِك"، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

 

وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الْأَذَى *** وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا


8) الْخَوْفُ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ عزَّ وَجَلَ.. فَقَدْ قِيلَ: "الْحِلْمُ حِجَابُ الْآفَاتِ".

9) الْوَفَاءِ وَحُسْنِ الْعَهْدِ: فإن كان من أســاء إليـــك له مَكرُمة سالفة عليك، عليك أن ترعاها له وتتغاضي عن خطأه وفاءً له.

10) الحِكمة في التعامل مع الأمور: وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "إذَا سَكَتَّ عَنْ الْجَاهِلِ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَابًا وَأَوْجَعْتَهُ عِقَابًا".


الفرقُ بين الحِلْمُ وكظم الغيظ:
يقول الإمام الغزالي: "الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأن كظم الغيظ عبارة عن التحلُّم أي تكلف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهو الحلم الطبيعي وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوة الغضب وخضوعها للعقل ولكن ابتداؤه التحلم وكظم الغيظ تكلفا" (إحياء علوم الدين: [3/176]).


فمن كانت طبيعته كثرة الغضب قبل الالتزام، لابد أن يظهر أثر الإيمان عليه بأن يصير أكثر حلمًا.

وإن لم يجد للإيمان أثرًا على طباعه، فليعلم أن عمله مدخول كما يقول ابن القيم رحمه الله: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الربَّ تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" (مدارج السالكين: [2/68]).


وقد ضرب لنا النبي أعظم مثل في التحلي بخُلُق الحِلْم:
عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى النبي يتقاضاه فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه. فقال رسول الله: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً»، ثم قال: «أعطوه سنًا مثل سنه »، قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أمثل من سنه، قال: «أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء» (رواه البخاري ومسلم).


وعن ابن مسعود قال: "كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (متفق عليه).

وعن أنس أنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة ورجع نبي الله في نحر الأعرابي حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت به حاشية البُرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ثم ضحك ثم أمر له بعطاء". (متفق عليه)، فيا لشدة حُلم النبي على هذا الأعرابي الذي جذبه جذبًا شديدًا من ثيابه، فلم يغضب منه بل ضَحِكَ.

وعن عائشة قالت: "إن اليهود أتوا النبي فقالوا: السام عليك. قال: «وعليكم»، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله: «مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» (متفق عليه).


وعن عائشة أنها سألت الرسول: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟، فقال: «لقد لقيت من قومك فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أفق إلا في قرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا» (متفق عليه).

 

وأمرنا بالتحلي بهذا الخُلُق العظيــــم:
قال رسول الله: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (متفق عليه). وعن أبي هريرة: أن رجلاً قال للنبي: أوصني. قال: «لا تغضب». فرد ذلك مرارًا، قال: «لا تغضب» (رواه البخاري).

وعن عبد الله بن سرجس المزني أن النبي قال: «السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).


والحلم كمال العلم

كما قال عمر: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم" (إحياء علوم الدين: [3/178]).

وعن علي بن الحسين بن علي أنه سبه رجل، فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فقال بعضهم: "جمع له خمس خصال محمودة: الحلم، وإسقاط الأذى، وتخليص الرجل مما يبعد من الله عزَّ وجلَّ، وحمله على الندم والتوبة ورجوعه إلى مدح بعد الذم اشترى جميع ذلك بشيء من الدنيا يسير" (إحياء علوم الدين: [3/178]).


كيف ندعو الله تعالى باسمه الحليـــم؟
عن ابن عباس قال: كان النبي يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربِّ السموات والأرض وربِّ العرش العظيم» (متفق عليه).

 

المصدر: موقع الكلم الطيب