من غشنا فليس منا
الغش له مجالات عديدة فقد يكون في التجارة بكافة أنواعها، وقد يكون الغش من الإمام لرعيته وقد يكون في الزواج أو يكون في الامتحان أو غير ذلك.. وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد:
لقد ذم الله عز وجل الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3]، فهذا وعيد شديد للذين يبخسون ينقصون المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟! إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.
وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم، والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن، وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي: "مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني» وفي رواية: «من غشنا فليس منا» (رواه مسلم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا»:1/99).
فكفى باللفظ النبوي: «ليس منا» زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله عز وجل في أعمالها، دون أن يكون عليها رقيب من البشر.
وصدق من قال:
ولا ترجع الأنفس عن غيّها *** ما لم يكن منها لها زاجر
إن الغش أيها الأحبة كما قال المناوي: "هو ما يخلط من الرديء بالجيد".
وقال ابن حجر الهيثمي: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل".
والغش له مجالات عديدة فقد يكون في التجارة بكافة أنواعها، وقد يكون الغش من الإمام لرعيته وقد يكون في الزواج أو يكون في الامتحان أو غير ذلك، ولا يخفى على أحد أن للغش مضاراً عظيمة ومن ذلك:
1- الغش طريق موصل إلى النار.
2- دليل على دناءة النفس وخبثها، فلا يفعله إلا كل دنيء نفس هانت عليه فأوردها مورد الهلاك والعطب.
3- البعد عن الله وعن الناس.
4- أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء.
5- أنه طريق لحرمان البركة في المال والعمر.
6- أنه دليل على نقص الإيمان.
7- أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: "ولهذه القبائح -أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع، سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً".
وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة، على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وانصرنا على القوم الكافرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- التصنيف: