لا تحزن - لابُدَّ للذَّكاء مِن زكاء

منذ 2014-06-01

حسانُ بنُ ثابتٍ لا يُجيدُ الأذان، لأنهُ ليس بلالاً، وخالدُ بنُ الوليد لا يقسمُ المواريث، لأنه ليس زيد بن ثابتٍ، وعلماءُ التربيةِ يقولون: حدِّدْ موقِعَكَ.

  • هكذا خُلِقت: في الحديث: «كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِق له». فلماذا تُعْسفُ المواهبُ ويُلْوى عنقُ الصِّفاتِ والقدراتِ لَيَّا ؟! إن الله إذا أراد شيئاً هيَّأ أسبابه، وما هناك أتْعَسُ نفْساً وأنْكدُ خاطراً من الذي يريدُ أنْ يكون غَيْرَ نَفْسِه، والذكيُّ الأريبُ هو الذي يدرسُ نفسهُ، ويسدُّ الفراغ الذي وُضع له، إن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ، وإنْ كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ، هذا سيبويه شيخُ النَّحْوِ، تعلَّم الحديث فأعياهُ، وتبلَّد حسُّهُ فيع، فتعلَّم النحو، فَمَهَرَ فيه وأتى بالعَجَب العُجاب.

    يقولُ أحدُ الحكماءِ: الذي يريدُ عملاً ليس منْ شأنِهِ، كالذي يزرعُ النَّخْل في غوطةِ دمشق، ويزرعُ الأتْرُجَّ في الحجازِ.
    حسانُ بنُ ثابتٍ لا يُجيدُ الأذان، لأنهُ ليس بلالاً، وخالدُ بنُ الوليد لا يقسمُ المواريث، لأنه ليس زيد بن ثابتٍ، وعلماءُ التربيةِ يقولون: حدِّدْ موقِعَكَ.
     
  • لابُدَّ للذَّكاء مِن زكاء: سمعتُ إذاعة لندن تُخبرُ عنْ محاولةِ اغتيالِ الكاتب نجيبِ محفوظٍ، الحائزِ على جائزةِ نوبل في الأدبِ، وعدتُ بذاكراتي إلى كتبٍ له كنتُ قرأتُها مْن قبْلُ، وعجبتُ لهذا الذَّكيِّ، كيف فاتهُ أنَّ الحقيقة أعظمُ من الخيالِ، وأنَّ الخلود أجلُّ من الفناءِ، وأن المبدأ الرَّبّانيَّ السَّماويَّ أسْمى من المبدأِ البشريِّ {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى}. بمعنى أنهُ كتب مسرحياتٍ منْ نسْج خيالِهِ، مُستخدمِاً قدراتِه القويَّة في التصويرِ والعرضِ والإثارةِ، والنهايةُ أنها أخبارٌ لا صحَّة لها.

    لقد استفدتُ من قراءةِ حياتِه مسألةً كبرى، وهي أنَّ السعادة ليستْ سعاد الآخرين على حسابِ سعادتِك وراحتِك، فليس بصحيحٍ أن يُسرَّ بك الناسُ وأنت في همٍّ وغمٍّ وحزنٍ، إنَّ بعض الكُتاَّابِ يمدحُ بعض المُبدعِين، ويصفُه بأنه يحترقُ ليُضيء للناس، والمنهجُ السَّويُّ الثابتُ هو الذي يجعلُ المبدع يُضيءُ في نفْسِه ويضيءُ للناسِ، ويعمرُ نفسه بالخيرِ والهدى والرُّشدِ، ليعمر قلوب الناسِ بذلك.

    وبعد هذا، فماذا ينفعُ الإنسان لو حاز على مُلكِ كسرى وقلبُه بالباطلِ مكسورٌ، وحصل على سلطانِ قيصر وأملُه عن الخيْرِ مقصورُ؟! إنَّ الموهبةَ إذا لم تكنْ سبباً في النجاةِ، فما نفعُها وما ثمرتُها؟!

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 4,268
المقال السابق
الوَسَطِيَّةُ نجاةٌ من الهلاك
المقال التالي
أبشِرْ بالفَرَج القريبِ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً