ذكريات في المشفى - (10) وحدث أن

منذ 2014-06-02

تقول صاحبتنا:

هال كل من رأى الخُرَاج مدى سُوئه...

فأصرّ طبيبي المعالج على ضرورة استئصاله..

وحوّلني إلى قسم الجراحة لاختصاصه..

فأخبرتني إحدى الممرضات: أن طبيبًا من أهل الكتاب سيراني بعد ساعات..

وكنت ساعتئذ بكامل الحجاب، فانزعجت لاضطراري لجرّاحٍ من أهل الكتاب!

فحاولت الاعتراض، فقُوبل الاعتراض بكثيرٍ من الدهشة والامتعاض..

وأخذت ساميتي تُهوِّن عليَّ الحال، مُعلِّلة ذلك أنه جائز من باب الاضطرار..

فبكيت وقلت: ألا يكفيني غمٌّ وهمٌّ أن الطبيب سيكون رجل..!

ثم بعد ساعات من الترقُّب والبكاء والآهات: جاءتني إحدى العاملات..

وألقت إليَّ الزِّي المخصَّص لإجراء الجراحات: ارتديه لأنكِ حُولّت إلى حجرة العمليات..

وهنا انتابني الهلع ومسَّني الجنون، وأقسمت بالله ألا أرتديه وليكن ما يكون..

فلما رأت المسكينة حالتي، تركتني وذهبت لتحكي للجرّاح قصتي..

ثم جاءت وقالت بصوتٍ متردِّد خائف: فضلًا أجيبي الطبيب على الهاتف؟

فأمسكت الهاتف ولم أشأ البدء بإلقاء السلام..

فإذا بصوتٍ غريبٍ بمنتهى السمو والتهذيب: وبعد أن ألقى تحية الإسلام قال: معكِ الطبيب مصطفى ابن فلان..

فسُعِدت بتحية الإسلام، وبدأت أتقبَّل منه الكلام..

قال: علِمت أنكِ ترفضين لبس زِيّ الجراحة، لا عليكِ البسي ما تشعرين فيه بالراحة..

وانزلي فضلًا لأطَّلِع على الحال، علَّنا نستغني عن جراحة الاستئصال؟

فلم أستطع إلا شكره والوعد بإجابة طلبه..

ثم تمدَّدت في الفراش وتحت الغطاء كنت بكامل ثيابي: حتى جوربي ونقابي..

وأنزلني العاملون في المصعد، وبعد لحظات وصلت إلى القسم المُحدَّد..

وما إن دفع العاملون الفراش إلى الداخل... حتى صرخت طبيبة بصوتٍ مستنكرٍ وحافل!

ومن قولها ارتجف العاملون: كيف تدخل المريضة بثيابها.. وكيف تسمحون؟!

فأوقفها صوت الطبيب: أنا من أمرت، وبذا المريضة وعدت..

فصمتت الطبيبة على مضض... وقد كنت تحفزّت لها بالرد..

وكان جمع من الحضور، فأخذني الطبيب إلى غرفةٍ بعيدةٍ عن المرور..

واطَّلع بحرصٍ شديد على موطن الداء والصديد..

ففزع مما رأى وقال بصوتٍ أسيف: لا بد من استئصال عاجلٍ عنيف..

فبكيت أتوسَّل بصراحة: والله لا أخشى الجراحة، فقط أخشى التكشُّف، فالستر من آلامي يُخفِّف...

فسكتَ برهة ثم سألني في رقة: أأتحمَّلين جراحةً بلا تخدير؟

ثم أضاف بلهجة الخبير: أُحذِّرك بأن الألم ليس بالقليل!

فقلت وقد عاودني الرجاء: نعم.. نعم.. نعم أتحمَّل مهما كان العناء...

فباشر بالعمل وقد سترني -أكرمه الله- ما استطاع بكل حرصٍ ووجل..

وكنت أكتم الآهات، فقط تحت غطاء وجهي تجري مني العبرات..

وبعد تمام الجراحة قال: حقًا أتعجَّب كيف طِقتِ يا أختنا صبرًا!

وكنت طوال الوقت أسعل وبشِدَّة، ثم حين أنهى عمله انتابني نزف بحِدَّة..

فأدهشه ما شاهد من سوء حالتي.. فأشرت إليهم أن اصعدوا بي إلى غرفتي..

فأعادوني في الحال.. والحق كنت سعيدة بستر الله وحُسن المآل..

وسعدتْ لسعادتي صديقتي، وتعجَّبتْ بشِدَّةٍ من غرابة قصتي..

وما زلتُ إلى اليوم أذكر ذلك الطبيب بكل خير.. وأدعو له بتمام العافية والستر...

يتبع...

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أم هانئ

  • 0
  • 0
  • 1,505
المقال السابق
(9) وضحكنا معًا
المقال التالي
(11) وحدث أن

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً