كيف نخطط لإجازة سعيدة

منذ 2014-06-07

ومن تأمل سير الناجحين والمبدعين والمصلحين الذين تركوا آثارًا بعد رحيلهم، يجد أن القاسم المشترك بينهم هو استثمار هذا الوقت، واغتنام الزمان فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير والفائدة. فلولا عناية العلماء بأوقاتهم ما حفظت الأحكام ولا جمعت السنة، ولادونت الدواوين، فبهم حفظ الله هذا الدين، وباستغلال أوقاتهم خدموا دينهم وأمتهم وأوطانهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد

1. نداء:
إلى كل مسلم ومسلمة تتوق نفسه إلى أن يكون صالحًا في نفسه، مصلحًا لغيره، ونافعًا لأمته..
إلى النفوس الأبية التي تأبى أن تعيش على هامش الحياة..
إلى كل من يحمل هم أمته وإعادة مجدها وسؤددها..
سنسابق الزمن قبل أن نتفاجأ بقدوم الإجازة فننشغل بمطالبها عن مثل هذه الوصايا التي نحتاجها فيها..

حديثي هذا اليوم تعمدت تقديمه لأترك مساحة للتفكير والتخطيط قبل مجئ الإجازة:

أولًا
الوقت هو الحياة، وقيمة الإنسان في استثماره لوقته، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن الموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، وإضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة. وأشد الناس غبنًا يوم القيامة أشدهم تضييعًا لوقته في الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»

ومن عظيم شـأن الوقت والزمان، أن الله أقسم به في كتابه بل وأقسم بجميع أجزائه، فلئن كان الوقت فجرًا وضحى وعصرًا؛ فلقد أقسم الله بالفجر، وأقسم بالضحى، وأقسم بالعصر، يقول تعالى {وَٱلْعَصْرِ . إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ . إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ} [العصر:1-3]، والعصر هو الزمان فماهي العلاقة بين العصر والخسر؟

العلاقة بينهما عكسية؛ فمن استثمر العصر سلم من الخسر، ومن ضيع العصر وقع في الخسر، ثم ختمت السورة بالاستثمار الحقيقي للعصر، وذلك بالإيمان بالله والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

ومن تأمل سير الناجحين والمبدعين والمصلحين الذين تركوا آثارًا بعد رحيلهم، يجد أن القاسم المشترك بينهم هو استثمار هذا الوقت، واغتنام الزمان فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير والفائدةفلولا عناية العلماء بأوقاتهم ما حفظت الأحكام ولا جمعت السنة، ولا دونت الدواوين، فبهم حفظ الله هذا الدين، وباستغلال أوقاتهم خدموا دينهم وأمتهم وأوطانهم.

واليوم وفي هذا العصر الذي تقاربت فيه الثقافات وسهلت فيه العلوم والآلات، نجد أن أمتنا التي قادت الأمم وبنيت على أكتافها الحضارات، أصبحت عنايتها بالأوقات مهملة، وأمسى الكثير من الناس إلا من رحم الله يعيش على هامش الحياة، بعيدًا عن عوامل البناء ومقومات التغيير والعطاء.

يخرج من عمله أو متجره أو مدرسته ويعود إلى بيته ليأكل وينام ثم يقلب الشاشات، ويسامر الأصحاب في الاستراحات ثم يعود إلى بيته وهكذا تقتل الهمم وتنزف الطاقات، لم تضف له الحياة ثقافة يتعلمها أو مهارة يكتسبها، وليس له أي مشاركات تطوعية تعود على أمته ووطنه بالنفع والفائدة

ونشأت أجيالُ تعادي العلم والمعرفة، وتنتهز الفرص لتتخلص من المشاريع الجادة، فتحيى على اللهو واللعب، وتنافس عليه، وإذا جاءت الإجازات فالهموم محصورة، ما بين لهو وسفر ولعب وأنسٍ ونومٍ وطرب، أبهذا تبنى الحضارات؟ وتعود الريادة وتصنع الإنجازات؟

وها هي الإجازة على الأبواب.. يترقبها الجميع، فهل سنجعل منها مصدرًا لبناء ثقافتنا وزيادة مهاراتنا ومعارفنا، أم ستستهلكنا ليالي السهر وأجهزة اللعب؟ لقد أئتمنكم الله على أنفسكم وعلى أبنائكم وكل راع مسؤول أمام الله عن رعيته كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحاجة أبنائكم إليكم في الإجازة أشد من حاجتهم إليكم قبل الإجازةأتدرون لماذا؟

1. لأنهم قبل الإجازة لديهم مايشغلهم، من مدرسة يقضون فيها ربع يومهم، وربما انشغلوا بالاستعداد لها بعد عودتهم، أما الإجازة فهم متفرغون تمامًا من هذا كله.

2. ولأن الإجازة تكثر فيها الملهيات والمشغلات التافهة ويكثر احتكاكهم بالآخرين، وطبيعة المجتمع تساهم في مساعدة الشباب على السهر، ووسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في القضاء على بقايا القيم، بما تعرضه من تبرج وسفور وتغييب عن الدين.

ومما يؤسف عليه أن ثقافة بعض الآباء وتصورهم عن الإجازة خاطئة وجارفة، فبعض الآباء يرى أنه إذا اصطحب أبناءه إلى دولة أجنبية أو دولة عربية وأنفق عليهم في الملاهي بسخاء، وزار بهم دور السينماء يرى أنه الأب المثالي المتحضر المخلص لأسرته، والمحقق لهم عوامل النهضة والاستقرار والتقدم، وأنه بهذا قد أجزل لهم المثوية وكافأهم على جدهم واجتهادهم طوال العاموما علم المسكين أنه ممن يخربون بيوتهم بأيديهم بما جنى عليهم من تمكين لرؤية ومخالطة مجتمعات لايضبطها دين ولا قيم.

لنجعل من الإجازة مصدرًا لبناء أسرنا والارتقاء بقيمهم وأخلاقهم ومعارفهم، وما زالت ولله الحمد والمنة في مجتمعاتنا أسر تهتم بذلك وتحرص عليه، وكثير من الآباء يشغلهم وضع أبنائهم في الإجازة ويهتمون لها أشد الاهتمام.

وعملًا بقوله صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة»، وحتى نضئ للحريصين على أنفسهم وأسرهم الطريق للاستغلال الأمثل للإجازات، وبعد قراءة وإطلاع، ومشاركة في دورات تهتم بالتخطيط الأمثل للحياة عمومًا، وللإجازات خصوصًا، فسأجمل لكم المجالات الثمانية التي ينبغي أن تبنى عليها أهدافنا في الحياة عمومًا، وفي الإجازة خصوصًا، وقبل ذلك نسأل أنفسنا السؤال التالي:

2. لماذا هذه الدورة؟
لأن كثرة طرق الحياة وتشعب دروبها تحول بيننا وبين تحقيق أهدافنا،فحياتنا في مد وجزر تتجاذبنا وتتنازعنا مطالب كثيرة فلا يدري الواحد منا هل يلبي حاجاته المادية أو رغباته العلمية أو ظروفه الاجتماعية أو شهواته الخفية، فليس أمامنا إلا أن نخطط لأهدافنا ونرسم لتحقيق طموحنا.

3. لماذا نخطط؟ 
- نخطط.. لأن أي بناء في الدنيا يفتقر إلى تخطيط سليم، وأفضل بناء هو بناء الإنسان الذي به يكون بناء الأمم فحاجته إلى التخطيط أولى.
- نخطط.. لأن المشغلات كثيرة والصوارف متعددة.
- نخطط.. لأن وضوح الرؤية لا تتهيأ إلا لمن يخطط.
- نخطط.. لأن متعة الحياة ولذة الإنجاز لا تنال إلا حينما نسير على وفق خططنا ونتذوق طعم انجازاتنا.
- نخطط.. لكي نستثمر إمكاناتنا في تحقيق أهدافنا وأمنياتنا.
- نخطط.. لكي ننشر ثقافة التخطيط.
- نخطط.. لأن الذي لايخطط حتمًا سيخلط ويتخبط.

4. لماذا الإجازة؟
- لأنها الفرصة التي يفوتها الكثير منا.
- لخلوها من تكاليف الدراسة والوظيفة في أغلب الأحوال.
- لكثرة البرامج المتنوعة المقدمة فيها.
- لوجود من يعينك على تحقيق أهدافك فيها.
- لأن ملايين الطاقات من شباب وفتيات تهدر فيها وتستنزف في ثناياها.

5. ما المراد بالتخطيط؟
كثرت تعريفات التخطيط فسبكت لكم بعض الكلمات التي توضح معناه بيسر وسهولة
- التخطيط هو: استثمار الإمكانات لتحقيق الأهداف ورصد الإنجازات، فالذي يريد أن يستفيد من إجازته في تحقيق أهدافه فإنه سيرسم خططًا توصله نحو الهدف المنشود، ومن خلال سبر وتقسيم يمكن أن نجمل المجالات التي ينبغي أن تبنى عليها أهدافنا في الحياة عمومًا وفي الإجازة خصوصًا في المجالات الثمانية:

أولًا: في مجال العلم والمعرفة:

يقول الله تعالى {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۢ} [المجادلة من الآية:11]، فاحرص أن يكون لك ولأسرتك أهدافٌ في هذا المجال من قراءةٍ لكتب نافعة أو حضور لدورات مفيدة كلٌ في تخصصه ورغبته، وكذلك أن تستمع أو تشاهد بعض البرامج التي تهتم بجانب العلم والمعرفة وتجمع وتلخص انجازاتك في هذا المجال لتستفيد منه في مستقبل حياتك، وكذلك قراءة كتب الثقافة وإجراء المسابقات الثقافية التي تزيد من ثقافتك الدينية والطبية والصناعية والتاريخية الخ.

ولو هيأنا لأبنائنا بعض الكتب والقصص التي تبني فيها القيم النبيلة، وتزرع فيهم المعاني العظيمة ونمنح المنجزين منهم مكافآت رمزية، أو ساهمنا في حضورهم لبعض الدورات في القراءة والإطلاع ومهاراته المكتسبة، لكان ذلك انجازًا أسريًا كبيرًا.

ولنحذر من الروايات الفاسدة والمجلات الهابطة الماجنة فإن خطرها عظيم وضررها كبير ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال
- قراءة الكتب واختيارها بعناية واستشارة. 
- حضور الدورات والمؤتمرات. 
- متابعة المجلات العلمية والاستفادة من إنتاج بعض العلماء وبحوثهم.
- حاول أن تكون 80% من أهدافك في مجالك وتخصصك العلمي و20% في تخصصات أخرى.
- لاتنس القراءة في كتب الأدب والأخلاق وأمراض القلوب.
- تابع الجديد من البحوث والكتب والإصدارات العلمية.
- تعاون مع غيرك في تلخيص المفيد ونشره.

ثانيًا في مجال العبادات المحضة:

هناك من يسمي هذا المجال بالمجال الإيماني، وهذا خطأ كبير لأن جميع أعمال المسلم داخلة في مسمى الإيمان، فتخصيص الإيمان بالعبادات المحضة إخراج لبقية الأعمال من مسمى الإيمان،لذلك الصحيح أن نسمي هذا المجال بالعبادات المحضة، يقول الله تعالى {وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ} [الحجر:99]، وأعظم زاد يتزود به العباد تقوى الله، ومن ذلك الإتيان بالعبادات التي تقوي الروح وتزيل الهم بإذن الله، فتحرص أن يكون لك إنجازات تعبدية ما بين صيام وقيام وحفظ أو تلاوة للقرآن، وأن تحيي في أسرتك جانب الذكر والمحافظة على الأوراد التي تحفظهم بإذن الله، ولو اجتمعت أنت وأسرتك على مائدة الإفطار يوم الاثنين أو الخميس ليتربوا على الصيام، أو قمتم بزيارة الحرمين وأداء العمرة والاعتكاف ولو لساعات قليلة، فإن هذه العبادات تعود عليك وعلى أسرتك بالخير والرحمة والبركة. 

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال:
- ليكن لك مع القرآن ختمتان؛ ختمة تلاوة وختمة تدبر.
- احرص على أن تأتي بالأذكار والأوراد بقلب حاضر حتى تؤتي ثمارها بإذن الله. 
- تدرج في قيام الليل، وابدأ بأول الليل إن كان يصعب عليك آخره.
- اجعل لنفسك ساعات ولو في الأسبوع مرة تخلو بها مع الله وتحاسب فيها نفسك، إما بعد صلاة الفجر أو قبيل السحر أو في أي وقت مناسب، وأكثر فيها من الثناء على الله وكثرة الذكر والاستغفار.
- اقرأ في كتب فضائل الأعمال وتعاهد الأعمال الثابتة الصحيحة مستشعرًا فضلها.
- اجعل لعبادتي الذكر والاستغفار حظًا من وقتك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ويستغفر في المجلس الواحد سبعين مرة.

ثالثًا: في مجال الدعوة والأعمال التطوعية:

يقول الله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًۭا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحًۭا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس أنفعهم للناس»، وذلك بأن يكون لك ولأسرتك مشاركات تطوعية في المجتمع باستضافة أيتام في بيتك أو زيارتهم، أو صنع طعام لأسر فقيرة وزيارتهم في بيوتهم، أو زيارة أطفال مرضى السرطان وتقديم الهدايا لهم مع بعض البرامج المرحة، أو المساهمة في تنظيف بيوت الله أو توزيع الكتب والأشرطة النافعة.

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال: 
- اجعل لك مشروعًا دعويًا أو تطوعيًا في هذه الحياة، إما على أرض الواقع أو في الإنترنت واجمع همك وفكرك على تطويره ونجاحه.
- ساهم في تعليم الناس ودعوتهم ومساعدتهم بحدود قدراتك وإمكاناتك ولو بالدلالة والتوجيه.
- قم بزيارة المواقع المتخصصة أو الجمعيات التطوعية لتستفيد من بعض الأفكار لتقوم بتطبيقها.
- ابدأ بوضع صندوق الأسرة الخيري بحيث يضع فيه جميع أفراد الأسرة ماتيسر من مال وفي نهاية الشهر أو العام، تصرف هذه الأموال في صدقات جارية أو أوقاف خيرية.
- كون لك فريق عمل تتلاءم معه وتتعاون في تحقيق أهداف دعوية أو تطوعية فإن العمل الجماعي أثره كبير بإذن الله.


- اختر شخصية علمية أو دعوية قريبة منك ويسهل الوصول إليها لتستضئ بتوجيهاتها وتجعل منها مستشارًا لك.
- احرص في طرحك ومشاريعك على التجديد وقلل من التقليد إلا في العمل المفيد، وأن تبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن تبدأ من حيث بدأو.

رابعًا: في مجال البدن والصحة:

لقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم قول سلمان لأبي الدرداء: «وإن لبدنك عليك حقًا»، وقال صلى الله عليه وسلم «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، ويقول الله تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـْٔجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْأَمِينُ} [القصص من الآية:26]. ​

فتنمي هذا المجال وذلك بالاشتراك في بعض الأندية المحافظة أوممارسة الرياضات النافعة؛ من مشي منتظم أو جري محكم أو سباحة وركوب للخيل ورماية، أو بعض مهارات الدفاع عن النفس وأن تكون المشاركة في هذه الأندية لا لغرض التسلية، وإنما للفائدة وبناء الجسم الذي تتقوى به على طاعة الله وخدمة دينه، وكذلك الحرص على تناول أغذية مفيدة ووضع المنافسات والتحديات بين أفراد الأسرة على ذلك. ولو حصل زيارة لبعض الجمعيات التي تزيد من ثقافتكم الصحية لكانت حسنة كبيرة منك عليهم.

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال
- إن كنت قليل الحركة فتجنب الدهون والشحوم والحلويات والمشروبات الغازية.
- حدث نفسك بالرياضة لكي لا تركن إلى الخمول والكسل.
- تذكر أن النشاط الرياضي يزيد من قدرتك على الاستيعاب والحفظ والإنتاج. 
- التزم بوقت محدد لممارسة الرياضة سواء في المنزل أو خارجه.

خامسًا: في مجال المال والتجارة والوظيفة:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، وذلك بأن تحرص على التفكير الجاد في بعض المشاريع التجارية، أو الحصول على دورات تزيد من مستواك الوظيفي، وتساهم في تعليم أبنائك بعض الأعمال التي يكتسبون منها مهارات تساعدهم على حسن التعامل مع المال، وقد قامت إحدى الجمعيات بمسابقة لأطفال الفقراء بإعطائهم مبلغًا يسيرًا من المال في أحد المراكز التجارية وطلبوا منهم أن يشتروا بهذا المبلغ اليسير أشياء مفيدة بأقل تكلفة ممكنة، فحرص الأطفال على المقارنة بين السلع والأسعار فاستفادوا من هذه المسابقة، أنه يمكن بمال يسير تأمين أكبر قدر ممكن من الحاجات الضرورية بأقل سعر ممكن.

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال:
- التفكير في مشاريع صغيرة بالتعاون مع الثقات.
- الاطلاع على النشرات المتعلقة بالمشاريع الصغيرة.
- البدء في الادخار الشهري وإحياء هذه الفكرة في المنزل.
- تكليف الأبناء ببعض المهام التسويقية لبعض المنتجات المستهلكة.

سادسًا: في مجال العلاقات النافعة

يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن حسن العهد من الإيمان»، وذلك حينما أكرم صاحبة خديجة رضي الله عنها، وحسن العهد يكون مع كل قريب أو جار أو صاحب وصديق، فتجعل من الإجازة فرصة لتقوية علاقتك بهم، وتعاهدك إياهم باتصال أو إرسال، فإنه من أعظم الوفاء، وتبدأ بوالديك فتخصص لهم من وقتك الثمين وقتًا تحادثهم وتجالسهم وتسامرهم وتقضي حاجاتهم، ثم أسرتك وإخوانك وأخواتك وأرحامك وجيرانك وأصحابك، وأن تحرص على اكتساب علاقات جديدة مع شخصيات تنتفع بهم وتنمي مهاراتك وخبراتك بمجالستهم. ومن الجميل أن تعيد العلاقات المتهالكة مع كل من حصل بينك وبينهم خلاف أو شقاق.

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال
- أن تنظم لقاءً أسريًا شهريًا تجتمع فيه مع أفراد أسرتك وإخوانك وأخواتك.
- استرجع ذكرياتك الجميلة واجمع أسماء أصدقائك وأصحابك، وحاول أن تصل إلى أرقامهم وتتتعاهدهم بالسؤال والاطمئنان على الحال ولو برسالة جوال.
- حاول أن تتعاون مع إمام مسجد حيك، وتدعوا جيرانك لزيارتك في بيتك ومناقشة قضايا الحي المهمة.
- قم بزيارة العلماء والدعاة ومن تكتسب منهم خبرات واختر الأوقات المناسبة لهم.
- حاول أن لا تخسر أحدًا -إلا في الله- واحرص أن يكون حبل المودة موصولًا إن لم يكون متينًا.

سابعًا: في مجال الخبرات والمهارات المكتسبة:

يقول الله تعالى عن داود عليه السلام {وَعَلَّمْنَـٰهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍۢ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّنۢ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء من الآية:80]، فكل مهارة أو خبرة تخدم به دينك وأمتك فإنه نصر منك للدين، فتجعل من الإجازة فرصة لحضور الدورات واكتساب الخبرات والمهارات في اللغة أو البرمجة والتصميم أو في مهارات الاتصال أو في تقوية الذاكرة أو في التخطيط الاستراتيجي أو في الإبداع والتميز إلى غيرها من الدورات المفيدة، كل بحسب حاجته، فالزوجان يحتاجان دورات أسرية أكثر من غيرها، والموظف يحتاج ما ينفعه في وظيفته، والطالب يحتاج ما ينفعه في دراسته مع الحرص على الدورات التي تهتم بمهارات التعامل مع الآخرين.

ومن الأفكار المساعدة في هذا المجال
- اختر من الدورات ما يتناسب مع أهدافك وطموحك.
- إن لم يتيسر لك الحضور المباشر يمكنك المشاهدة عبر البرامج المسجلة.
- حاول أن تلخص من كل دورة المهم وتضعه في ملف خاص، تراجعه بين فترة وأخرى، لأن كثرة الدورات ينسي بعضها بعضًا.
- حاول أن تطبق ماتعلمته مباشرة.
- استفد من المواقع الإلكترونية والمنتديات التي تقدم دورات تخصصية.

ثامنًا: في مجال الأنس والمؤانسة:

لنعلم أن حمل النفس على الجد بشكل دائم قد يوهنها ويضعفها، ويمنعها من المضي في طريق تحقيق أهدافها وطموحها، فلا بد للنفس من أنس ومؤانسة وترويح مشروع وهذا هو المجال الثامن: الأنس والمؤانسة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «ساعة وساعة» وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويسابق زوجته.

 

ومن أعظم الجهل استدلال بعض الناس على فعل شيء من المحرمات بقوله صلى الله عليه وسلم: «ساعة وساعة»، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- أوصى أن تكون حياة المسلم دائرة بين ساعة للمعاصي وساعة للطاعات وهذا خطأ خطير. ومن قرأ سبب ورود الحديث علم أن المقصود ساعة جد وطاعة وساعة راحة في مباح من حديث مع الأهل أو إيناس لهم.

إن منح النفس شيئًا من الترويح بما تهواه وترتاح له -مما لا يخالف شرع الله- هو كالمكافأة لها على صبرها وجدها واجتهادها. والمتأمل في واقعنا في الإجازات يجد أن هذا المجال يستوعب الإجازة بأكملها وهذا خطأ كبير لأنه يحرمنا من الإنجاز الحقيقي.

أحرص أن تكون ساعات وأوقات اللهو و اللعب لك و لأبنائك مؤقتة بأوقات محددة، لكي يستقر في الأذهان أنها ليست الأصل في حياة المسلموحاول أن تكون مرتبطة بما ينجز من أهداف في المجالات السابقة، فمكافأة النفس على العجز والتقصير قتل لها.

اختر من الألعاب ما تساهم في تنمية المواهب، واحرص على الألعاب الحركية التي تقضي على الخمول والكسليمكن أن يكون هذا المجال في رحلة صيد أو جلسة على شاطئ محافظ أو سياحة مشروعة، أو اجتماع مع من تحب. لن أزودك بأفكار مساعدة في هذا المجال لأن حياتنا مليئة بالأفكار المساعدة في هذا المجال.

أخيرًا، عند كتابة الأهداف حاول أن تكون الأهداف مشروعة وواقعية وقابلة للقياس، ستجد في الموقع m3alah.net طريقة كتابة جدول الأهداف يمكنك الاستفادة منه وهو للتقريب فقط.

أعلم أن لديك الكثير من الأفكار، وما ذكرت من أمثلة إنما هو للتقريب فقط، وإلا لك أن تختار في كل مجال من المجالات السابقة ما يناسبها.

إذا أردت أن يبارك الله فيك و في أولادك؛ فأحسن تربيتهم باهتمام وتخطيط وقراءة وإطلاع، وإذا أردت أن يشكرك أبناؤك حينما يكبرون، فاغرس فيهم القيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، وهذه لن يجدوها في القنوات، ولا الصحف والمجلات، وإنما يكتسبونها منك وبما تقوم به من مشاريع تربوية.

تذكر أيها المسلم المبارك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مامن راع يسترعيه الله رعية يموت وهو يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» (رواه الإمام مسلم في صحيحة)، ومن أعظم الغش أن يغشوا في دينهم وأخلاقهم بأن يهيأ لهم ما يفسد عليهم دينهم ويضيع أخلاقهم.

فواز بن لافي الرحيمي

  • 2
  • 0
  • 7,704

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً