مختارات من فقه الصيام

منذ 2014-06-08

الصيام هو أحد أركان الإسلام، فيجب على كل مسلم الحرص على تعلُّم فقه الصيام، وأن لا يؤدي هذه العبادة إلا عن عِلم، وفي هذا المقال سأُسلِّط الضوء على بعض الأحكام التي تهم المرأة في فقه الصيام.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

الصيام هو أحد أركان الإسلام، فيجب على كل مسلم الحرص على تعلُّم فقه الصيام، وأن لا يؤدي هذه العبادة إلا عن عِلم، وفي هذا المقال سأُسلِّط الضوء على بعض الأحكام التي تهم المرأة في فقه الصيام.

أولًا: من أحكام  الصيام:
من الأحكام التي تشكل على النساء في أحكام الصيام ما يلي:

أ- الكحل والقطرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لا بأس على الصائم أن يكتحل، وأن يقطر في عينه، وأن يقطر كذلك في أذنه حتى وإن وجد طعمًا في حلقه فإنه لا يفطر به، لأنه ليس بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب، فلا يلحق بهما  في معناهما، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وهو الصواب، أما لو قطر في أنفه فدخل جوفه فإنه يفطر إن قصد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» (سنن أبي داود؛ أركان الإسلام، ص: [468]).

ب- ذوق الطعام.
ذوق الطعام جائز عند الحاجة يقول الشيخ ابن عثيمين: "لا يبطل الصوم بتذوق الطعام إذا لم يبتلعه ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه، وفي هذه الحال لو دخل شيء إلى بطنك بغير قصد فلا يبطل صومك" (أركان الإسلام، ص: [514]).

ج- المرضع والحامل.
قال الشيخ ابن عثيمين: "المرضع إذا كانت تخاف على ولدها من الصيام بحيث ينقص اللبن حتى يتضرَّر الطفل فإن لها أن تفطر ولكنها تقضي فيما بعد لأنها تشبه المريض الذي قال الله فيه {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة من الآية:185]، فمتى زال المحذور تقضي في وقت الشتاء لقصر النهار وبرودة الجو أو إذا لم يكن في الشتاء ففي العام القادم، أما الإطعام فلا يجوز إلا في حال كون المانع مستمرًا لا يرجى زواله فهذا هو الذي يكون فيه الإطعام بدلًا عن الصيام" (أركان الإسلام، ص: [456]).

والحامل تأخذ حكم الرضع فيجوز لها أن تفطر إذا خافت على جنينها، وتقضي إذا استطاعت ذلك، وإن عجزت على القضاء فإنها تنتقل إلى الفدية.

د- حكم السواك والطيب.
قال الشيخ: "الصواب في التسوك للصائم سنة في أول النهار وفي آخره العموم قول النبي صلى الله عبه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» (رواه البخاري) أو قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» (متفقٌ عليه).

وأما الطيب فكذلك جائز للصائم في أول النهار وفي آخره سواءً كان الطيب بخورًا أو دهنًا أو غير ذلك.. إلا أنه لا يجوز أن يستنشق البخور، لأن البخور له أجزاء محسوسة مشاهدة، إذا أستنشقه تصاعدت إلى داخل أنفه ثم إلى معدته ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة رضي الله عنه: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»" (أركان الإسلام، ص: [469]).

هـ- تحليل الدم.
قال الشيخ: "لا يفطر الصائم بإخراج الدم من أجل التحليل فإن الطبيب قد يحتاج إلى الأخذ من دم المريض ليختبره، فهذا لا يفطر، لأنه دم يسير لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة، فلا يكون مفطرًا، والأصل بقاء الصيام ولا يمكن أن تفسده إلا بدليل شرعي وهنا لا دليل على أن الصائم يفطر بمثل هذا الدم اليسير، وإذا تبرع  بالدم لضرورة فإنه يفطر لأنه مثل الحجامة ويأكل ويشرب ويقض ذلك اليوم إذا كان هناك ضرورة لتبرع بالدم وإلا لا يتبرع" (أركان الإسلام، ص: [478]).

و- أحكام الحيض:
الحيض من مفسدات الصوم، ونحن نعلم أن المرأة إذا حاضت فسد صومها ولو كان قبل الأذان بخمس دقائق، ولكن هناك أحكام مهمة يخص هذا الشهر فهي ما يلي.

1- الطهارة من الحيض أثناء النهار.

يقول الشيخ رحمه الله: "لا يلزمه الإمساك لأن المرأة استباحت هذا اليوم بدليل من الشرع"، وقال: "كل من أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يلزمه الإمساك والعكس بالعكس فمن أفطر لغير عذر لزمه الإمساك؛ لأنه لا يحل له أن يفطر، وقد انتهك حرمة اليوم بدون إذن من الشرع فنلزمه بالبقاء على الإمساك والقضاء" (أركان الإسلام، ص: [459]).

2- حكم حبوب منع الدورة:

كثير من النساء تسأل عن حكم هذه الحبوب يقول الشيخ رحمه الله: "استعمال المرأة حبوب منع الحيض إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية فإنه لابأس به بشرط أن يأذن الزوج بذلك، ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي، والشيء الطبيعي إذا مُنِع في وقته، فإنه لا بد أن يحصل من منعة ضرر على الجسم، وكذلك أيضًا من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على المرأة عاداتها، فتختلف عليها، وحينئذ تبقى في قلقٍ وشك في صلاتها ومن مباشرة زوجها، وغير ذلك، لهذا أنا لا اقول أنها حرام ولكن لا أحب للمرأة أن تستعملها خوفًا من الضرر عليها.

وأقول: ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدر الله لها، فرسول صلى الله عليه وسلم: "دخل عام حجة الوداع على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تبكي وكانت قد احرمت بالعمرة، فقال: «مالكِ لعلكِ نفستِ؟» قالت: نعم. قال: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» (صحيح مسلم)، فالذي ينبغي للمرأة أن تصبر وتحتسب، وإذا تعذَّر الصوم والصلاة من أجل الحيض، فإن باب الذكر مفتوح ولله الحمد، وتُسبِّح الله سبحانه وتعالى، وتتصدَّق وتُحسِن إلى الناس بالقول والفعل، وهذا من أفضل الأعمال" (أركان الإسلام، ص: [459-460]).

3- إذا طهرت الحائض قبل الفجر واغتسلت بعد طلوع الفجر، فما حكم صومها؟

قال رحمه الله: "صومها صحيح إذا أيقنت الطهر قبل طلوع الفجر المهم أن تتيقن أنها طهرت، لأن بعض النساء تظن أنها طهرت وهي لم تطهر، ولهذا كانت النساء يأتين بالقطن لعائشة رضي الله عنها فيرينها إيَّاه علامة للطهر فتقول لهن: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" (صحيح وذكره البخاري). فالمرأة عليها أن تتأنى حتى تتيقن أنها طهرت، فإنها تنوي الصوم إن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ولكن عليها أيضًا أن تراعي الصلاة فتبادر بالاغتسال لتصلي صلاة الفجر في وقتها.

وقد بلغنا أن بعض النساء تطهر بعد طلوع الفجر، أو قبل طلوع الفجر، ولكنها تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس بحجة أنها تريد أن تغتسل غسلًا أكمل وأنظف وأطهر، وهذا خطأ في رمضان وغيره لأن الواجب عليها أن تبادر وتغتسل لتصلي الصلاة في وقتها، ولها أن تقتصر على الغسل الواجب لأداء الصلاة، وإذا أحبت أن تزداد طهارة ونظافة بعد طلوع الشمس فلا حرج عليها، ومثل الحائض من كان عليها جنابة فلم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا حرج عليها وصومها صحيح، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيصوم ويغتسل بعد طلوع الفجر صلى الله عليه وسلم.

4- فتاة صغيرة حاضت وكانت تصوم أيام الحيض جهلًا فماذا يجب عليها؟

قال الشيخ: "يجب عليها أن تقضي الصيام الذي كانت تصومه في أيام حيضها، لأن الصيام في أيام الحيض لا يُقبل ولا يصح ولو كانت جاهلة، لأن القضاء لا حد لوقته وهنا مسألة عكس هذه المسألة: امرأة جاءها الحيض وهي صغيرة فاستحت أن تُخبر أهلها فكانت لا تصوم فهذه يجب عليها قضاء الشهر الذي لم تصمه لأن المرأة إذا حاضت صارت مكلَّفة، لأن الحيض إحدى علامات البلوغ" (أركان الإسلام، ص: [455]).

وقد تجاوزت بعض الفتوى لكن هذا ما تيسر لي جمعه ومما أُحس أنه مهم للمرأة معرفة من أحكام تخص رمضان.

اللهم بلغنا هذا الشهر وارزقنا صيامه وقيامه خالصًا لوجهك الكريم وفي عِزٍ للإسلام والمسلمين.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

العنود المحيسن

- خريجة كلية الشريعة - تخصص فقه مقارن / جامعة الملك سعود بالرياض - محاضرة ومدربة في معهد معلمات القرآن الكريم بغرب الرياض - مديرة دار الإمام محمد بن سعود لتحفظ القرآن الكريم بغرب الرياض

  • 4
  • 1
  • 12,597

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً