(1) غزوة نجد - سرية زيد بن حارثة

محمد طه

في السنة الثالثة من الهجرة حدث فيها ثلاثة عشر حدثًا..

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

وفيها ثلاثة عشر حدثًا:
1- في المحرم من هذه السنة: وقعتْ غَزْوَةُ نَجدٍ عند ماءٍ يَقالُ له (ذو أمَرّ):

الشرح:
مكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد رجوعه مِن غزوة السويق، فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غزا نجدًا يريد غطفان، حيث تجمعوا عند مَاءٍ يقالُ له (ذو أمَرّ) بناحية نجدٍ، واستعمل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأقام بنجدٍ صفرًا كلَّه أو قريبًا مِن ذلك، ثم رجع إلي المدينة، ولم يلق كيدًا [1].

2- وفي ربيع الأول مِن هذه السَّنة: قُتل كعبُ بن الأشرف اليهوديُّ بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الشرح:
كان كعب بن الأشرف اليهودي من الحاقدين على الإسلام والمسلمين بالمدينة، وهو من قبيلة طيء، وأمُّه من بني النضير، وكان يكتم غيظه وحقده على المسلمين، حتى انتصر المسلمون على المشركين في موقعة بدر، وجاء الخير، فلم يستطع كتم مَا بداخله من حقد وغيظ على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين، حتى إنه قال حين بلغه الخبر: "أحق هذا؟ أترون محمدًا قتل هؤلاء، فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمدٌ أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها".

فلما تيقن عدوُّ الله الخبر خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضُبيرة السهميَّ، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، فأنزلته وأكرمته وجعل يحرَّض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر.

ثم رجع كعب بن الأشرف إلي المدينة فشبَّبَ بنساء المسلمين [2] حتى آذاهم [3]، فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لِكَعْبِ بن الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى الله وَرَسُولَهُ؟»، فَقَامَ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ الله أَمُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: «قُلْ»، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بن مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً يقصد النبي صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ قَدْ عزَّانا [4]، وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، قَالَ: نَعَمِ ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ يَعْنِي السِّلَاحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا [5]، وَمَعَهُ أبو نَائِلَةَ، وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وأبو عيسى بن جبر، والحارث بن أوس وعباد بن بشر".

ومشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرْقد، ثم وجههم، فقال: «انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم»، ثم رجع رسول الله إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة -وكان حديث عهد بعرس- فوثب في مِلحفته، فأخذت امرأته بناصيتها، وقالت: "إنك امرؤ محارَب، وإنَّ أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة"، قال: "إنه أبو نائلة لو وجدني نائمًا لما أيقظني"، فقالت: "والله إني لأعرف في صوته الشر"، فقال: "لو يُدعى الفتى لطعنة لأجاب"، فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه، ثم قالوا: "هل لك يا ابن الأشرف أن نتماش إلى شعب العجوز، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه"، قال: "إن شئتم"، فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شامَ يده في فود رأسه [6].

ثم شمَّ يده فقال: "ما رأيت كالليلة طيبًا أعطر قط"، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى اطمأنَّ، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه، ثم قال: "اضربوا عدو الله"، فضربوه، فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئًا، قال محمد بن مسلمة: "فذكرتُ مغولًا [7] في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئًا، فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حِصن إلا وقد أوقدت عليه نارٌ"، قال: "فوضعته في ثُنَّته [8]، ثم تحاملتُ عليه حتى بلغتُ عانته فوقع عدو الله، وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله، أصابه بعض أسيافنا".

قال: "فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قُريظة، ثم على بُعاث حتى أسْندْنا [9] في حرة العريض [10]، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتْبعُ آثارنا"، قال: "فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل، وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه، فخرج إلينا، فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل على جُرح صاحبنا، فرجع ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه" [11].

3- وفي ربيع الأول من هذه السنة: عقد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أم كلثوم بنت رسول الله بعد وفاة أختها رقية، وبنى بها في جمادى الآخرة..

الشرح:
قال ابن كثير رضي الله عنه: "وفيها -أي: في السنة الثالثة- عقد عثمان بن عفان على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أختها رُقية، وكان عقده عليها في ربيع الأول منها، وبنى بها في جمادى الآخرة منها [12].

4- وفي ربيع الآخر من هذه السنة: وقعت غزوة الفرع من بُحران:

الشرح:
وفي ربيع الآخر من السنة الثالثة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشًا، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، حتى بلغ بُحران [13] من ناحية الفرع، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى؛ ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا [14].

5- وفي جمادى الآخرة من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى القَرَدَةِ، فغنموا عيرًا ومالًا لقريش..

الشرح:
وسرية زيد بن حارثة التي بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها حين أصاب عير قريش، وفيها أبو سفيان بن حرب على القَرَدَة -ماء من مياه نجد- وكان من حديثها: "أنَّ قريشًا خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام، حين كان من وقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق، فخرج منهم تُجار فيهم: أبو سفيان بن حرب، ومعه فضة كثيرة، وهي عُظْم تجارتهم، واستأجروا رجلًا من بني بكر بن وائل، يقال له: فرات بن حيَّان يدُلُّهم على الطريق، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء، فأصاب تلك العير وما فيها، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم" [15].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر: "سيرة ابن هشام" 2/237238.
[2] شبب بنساء المسلمين: أي تغزل فيهنَّ وذكرهنَّ في شعره.
[3] من "سيرة ابن هشام" بتصرف.
[4] أي: أتعبنا.
[5] متفق عليه: أخرجه البخاري (4037)، كتاب: المغازي، باب: قتل كعب بن الأشرف، ومسلم (1801)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود.
[6] شام يده: أي أدخل يده، وفود رأسه: أي جانبه من جهة الأذن، ومعناه أدخل يده في رأسه.

[7] المغول: السكين.
[8] الثُنَّة: ما بين السرة والعانة.
[9] أسندنا: ارتفعنا.
[10] حرة العريض: مكان بالمدينة.
[11] صحيح: أخرجه ابن هشام في "السيرة" 2/244، 245، عن ابن إسحاق بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه.

[12] "البداية والنهاية" 4/71.
[13] قيده جماعة بفتح الباء، وقيده آخرون بضمها.
[14] "سيرة ابن هشام" 2/238.
[15] "سيرة ابن هشام" 2/240.