دعامات في تربية البنات

منذ 2014-06-14

تلعب الأجواء الأسرية دورًا حاسمًا في تربية البنات بخلاف تربية الأولاد، وهذا بحكم انطوائية البنات وارتباطهن أكثر بالأسرة بخلاف الأولاد الذين يجدون متنفسًا معقولًا خارج النطاق الأسري.

تلعب الأجواء الأسرية دورًا حاسمًا في تربية البنات بخلاف تربية الأولاد، وهذا بحكم انطوائية البنات وارتباطهن أكثر بالأسرة بخلاف الأولاد الذين يجدون متنفسًا معقولًا خارج النطاق الأسري خاصة في فترة المراهقة وما يليها.

ومن هذا المنطلق فإن الأنماط الأسرية لها بصمة لا يستهان بها في تكوين شخصية البنت، بل إن بصمة الأم أكثر تأثيرًا عن غيرها من أفراد الأسرة لالتصاق البنت بأمها سلوكيًا ووجدانيًا، إضافة إلى كل هذا لا نستطيع أن نهمل المشاعر الحساسة للبنات، والتأثر المفرط بكل ما يدور حولها، وهذا وإن كان من طبيعة المرأة الفطرية إلا أنه عامل شديد الحساسية في حياة البنات وبالأخص المراهقات.

 

الأم الصارمة أو الجافية، الدلال الزائد، فقدان الأم، زوج الأم الجافي، التفكك الأسري.. كلها مطبات تربوية تترك أثرًا كئيبًا على الصفحة البيضاء الناصعة لنفسية بناتنا، وتوتر أحاسيسهن بدرجات متفاوتة قد تصل إلى منعطفات نفسية كارثية، وتربك الإشباع العاطفي والنفسي للفتاة، وتوقعها ضحية لأفكار سوداء، أو التمرد والعناد وكل هذا ينتج (حطام أنثى) أو ما يعرف بالانتحار الذاتي.

إن البنت عندما تتأثر عاطفتها نجد منها الانطوائية والانكفاء على الذات مع عدم الثقة بالنفس وفقدان المقدرة على اكتساب مختلف المهارات الاجتماعية التي تصوغ شخصيتها وأنوثتها لاحقًا فيما يعرف بالعزلة الشعورية.

وقد تصبح الفتاة أكثر تأثرًا بآراء الآخرين تزامنًا مع قلة الثقة بنفسها، وهذا ما يجعلها تنفجر أمام مواقف عادية لعدم قدرتها على احتوائها، كما أنها تتصور المواقف والكلمات كلها ضدها، وهذا ما يجعلها دائمة التوتر أمام أدنى إشارة أو لفتة، وتجدها تعترض على سلوكيات الأم والأخوات، وكثيرًا ما يؤدي هذا الاعتراض إلى البكاء والتأثر السريع والشديد..

ثم إن أدنى اندفاع يسبب لها الشعور باليأس والإحباط العميق لضعف القدرة على التكيف العقلاني مع الظروف والأحداث، وربما تحاول الفتاة إرضاء الآخرين بطرق مختلفة، خاصة بعد أن تحدث مواقف متشنجة، فإذا كانت الأمهات يجهلن آلية احتواء البنت ويمر الموقف دون اكتراث من الأم أو إبداء اهتمام انعكس سلبًا على الفتاة وسبب لها جراحات نفسية يصعب أن تندمل.

 

فنون إرشادية

- خريطة الذات نرسمها ابتداءً من صورة الآخرين عنا، ولذلك من المهم جدًا عدم التركيز بصورة مباشرة على المنعطفات النفسية والسلوكية السلبية للبنت، وهذا يشمل تجنب النقد اللاذع والاتهامات المتكررة والمراقبة الدائمة التي تشعرها بانتهاك خصوصيتها. بل إن تدعيم الصفات الحميدة يفتح شهية ونفسية البنت ذات الحس المرهف إلى تقبل النقد البناء والانسجام مع محاولات التخلص من السلبيات، والانخراط الإيجابي مع الواقع المحيط وتفريغ مشاعرها وأحاسيسها بصورة سليمة.

- الحجاب الشرعي، الثقة المنضبطة، المصارحة حتى في المواضيع الحساسة، الحب القائم على الاحترام، القدوة النموذجية، المشاركة الوجدانية.. كلها إيجابيات تربوية وبلسم يذيب كل العقد النفسية والمشاكل السلوكية التي تنتاب بناتنا المرهفات في فترات عمرهن المختلفة.

- استشارتها في ما يناسبها من قضايا ويلائم مرحلتها العمرية والفكرية، وهذا من شأنه أن يفتح جسور التواصل ويدعم ثقتها بنفسها ويدربها على اتخاذ القرار ومهارات النقاش.

- تؤدي الأم الدور الكبير مع ابنتها المراهقة، إذ تنتهي قوانين الطفولة الصارمة لتبدأ مرحلة الحوار المفتوح في كل ما يخص الشابة اليافعة، مع الانتباه لضرورة ترك مجال لخصوصيتها الشخصية كالانفراد المعقول في غرفتها، وترك الحرية لها في ترتيبها واقتناء الأشياء التي تشبع دافع الفضول لديها، وبالتالي ندعم خصوصيتها وهويتها الشخصية التي تساعدها في ترسيخ جوانب الإبداع في حياتها، والتفريق بين ما ينبغي وما لا ينبغي، لأن المراهق أشبه بالصغير الذي يتعلم المشي لأول مرة ويستفيد من كبواته في إتقان توازن جسمه.

- التدريب على حفظ الأسرار.. خاصة الأسرار الأسرية لما لها من صلة يومية مباشرة بكل أفراد الأسرة، فما كل ما يعلم يقال، ومن رجاحة العقل ترتيب المنطق.. عن أنس رضي الله عنه قال: أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان. فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا (رواه مسلم).

- يقول الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله: "إذا علمت ولدًا فقد علمت فردًا، وإذا علمت بنتًا فقد علمت أمة".


وتعليم البنت ليس محصورًا على حشو الدماغ بالمقررات الدراسية، بل هو مفهوم أرفع وأرحب من هذا بكثير..

إنه تعليم يقوم على تنشئة أنثى سوية في نفسيتها وسلوكيتها، أنثى تعرف أبجديات العفة والأمومة وفنون الحياة الأسرية والزوجية، وهذا يتطلب أولًا من الآباء تعديل نظرتهم للبنت الرقيقة وأم المستقبل، وإعطائها قدرها وحقها من الرعاية كما يرتضيه ديننا وقيمنا..


خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب -حكيم العرب- ابنته (عمرة)، وهي أم عامر بن صعصعة فقال: يا صعصعة، إنك أتيتني تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أب بعد أب. وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك.


والبنت المراهقة -خاصة- ترى في أبيها الباب الذي تدخل منه إلى عالم الرجال، والهادي الأمين الذي يبصرها بضروب الرجولة وسماتها، ومن هذا المنطلق ينبثق دور الأب التربوي في حياة ابنته الشابة، فهو محور حياتها الذي باستطاعته أن ينبت لنا زوجة وأما مثالية أو على النقيض، امرأة معقدة تكره كل ما يمت للرجولة بصلة.

- قضية المساواة بين الأولاد، وعدم التميز بين الولد والبنت من أهم الأمور التي ينبغي أن نوليها اهتمام بالغ، لما عكر صفوها الكثير من التقاليد البالية التي تكسر نفسية البنت وتفقدها الثقة بجنسها، بل ربما تتنكر لأنوثتها فتفرز المرأة الرجولية، ولذلك لا غرابة أن نجد شريعتنا السمحة تولي هذه القضية عناية خاصة، فقال صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف» (رواه الطبراني).

فلا يوجد صاحب ديانة وخلق ديدنه الظلم والجور، كما أن انتظام المعاش والمعاد إنما يدور مع العدل، والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه، وينشأ عن ذلك العقوق ومنع الحقوق.

 

- سلطة الابن الأكبر في غياب الوالد بالسفر أو الموت من أكبر المشاكل التي تواجه البنت في أسرنا العربية، خاصة أن مجتمعاتنا العربية غالبًا ما تعلي من شأن الذكر وتفضله على الأنثى، ومعظم الأسر تغرس هذه النظرة الجائرة، مما يجعل الولد ينظر إلى أخته على أنها مخلوق أدنى منه، ونفس الشيء لدى البنت التي تعتقد أنها أدنى من أخيها، وأنه أفضل مكانة، بالإضافة إلى حب التسلط لدى الابن الأكبر الذي يرى في التحكم بقرارات الأسرة نوعًا من الإحساس برجولته وسيادته، الأمر الذي ينعكس سلبًا على البنت كسيرة الجناح، وقد يصل بها الأمر إلى رفض الرجال عمومًا، ونبذ فكرة الزواج خصوصًا.

- الجوال، الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والشات.. أصدقاء جدد دخلوا حياة أبنائنا بالإضافة إلى أصدقاء المدرسة والجيران والأقارب، فالحذر الحذر، والحرص الحرص، والمراقبة المعقولة دون تخوين أو تشكيك، أما إذا علم الوالدان من بنتهما شرًا أو فسادًا فلا مانع مطلقًا من تتبع تصرفاتها لمنع هذا الشر وتجنب شر وفساد أكبر وأعظم..


فالحذر من انفراد الأولاد بالإنترنت في غرف مغلقة، بل يوضع جهاز الكمبيوتر في مكان بارز حيث أفراد الأسرة يروحون ذهابًا وإيابًا، وينطبق هذا الكلام على منع السهر على الإنترنت بينما سائر أفراد الأسرة نائمون، وأن تكون كافة مواقع التواصل والبريد الالكتروني بكلمة سر معلومة للوالدين، والمحك الإيماني هام في هذا الموضوع ، بتربية الأبناء على مخافة الله في السر والعلن، وتقديم القدوة الإيمانية الطيبة في الوالدين، مع المزيد من الحنان والصراحة كي لا يشرد فلذات أكبادنا إلى محاضن أخرى خداعة تستقطبهم وتهلكهم.

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 0
  • 7,968

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً