كيف نحمي أولادنا من وباء المخدّرات؟

منذ 2014-06-14

بيّنت بحوث ودراسات المختصّين أن إدمان المخدّرات في العالم العربي والإسلامي قد زادت في السنوات الأخيرة بنسب مرعبة، كما كشفت الدّراسات عن ارتفاع أعداد قضايا المخدّرات التي تم ضبطها في الدول العربية والإسلامية، وأعداد المتهمين في قضايا تعاطي المخدّرات وقضايا التّرويج والاتّجار فيها بنسب تفوق 30 في المائة..

بسم الله الرحمن الرحيم

الأولاد أمانة عندنا، والله سائلنا عن أداء هذه الأمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى سائل كلّ راع عمّا استرعاه أحفظ ذلك أم ضيّعه حتّى يسأل الرّجل عن أهل بيته» (أخرجه النسائي، وابن حِبَّان في صحيحه).

وباء المخدّرات وخطره على صحّة المجتمع:

تُعتبر ظاهرة انتشار المخدّرات في زمننا أخطر مشكلة تواجه الأمّة، هذه المشكلة الاجتماعية المستشرية تستهدفنا في أعزّ ما نملك، تستهدفنا في شبابنا وفي مستقبلنا، فهي تمسّ بدرجةٍ أولى الشباب وصغار السنّ، فقد أثبتت الدراسات المقامة في الدول العربيّة انتشار استهلاك المخدّرات في أوساط صغار السنّ والشباب من أبناء المجتمع، وأن نسب كبيرة من التلاميذ والطّلبة في المدارس والجامعات تستهلك مواد كحوليّة ومواد مخدِّرة وقد وصل هذا الوباء إلى الإطاحة بفئة من الأطفال الّذين لم يتجاوزوا بعد سن 13 سنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على فئة دون أخرى؛ فهي تشمل المتعلّمين ومتوسّطي التعليم من الرجال والنساء، وقد بيّنت بحوث ودراسات المختصّين أن إدمان المخدّرات في العالم العربي والإسلامي قد زادت في السنوات الأخيرة بنسب مرعبة، كما كشفت الدّراسات عن ارتفاع أعداد قضايا المخدّرات التي تم ضبطها في الدول العربية والإسلامية، وأعداد المتهمين في قضايا تعاطي المخدّرات وقضايا التّرويج والاتّجار فيها بنسب تفوق 30 في المائة.

المخدّرات داخلة فيما حرَّمه الله تعالى ورسوله من الخمر المسكر لفظًا ومعنى، ولها من المضار الصحيّة والعقليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة فوق ما للخمر، وقد صدرت فتاوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بتحريمها وأنها من الخبائث، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف من الآية:157]، ولما رواه أبو داود عن أمّ سلمة رضي الله عنها: "أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن كل مُسكرٍ ومفتر" وقد تضمّنت فتاوى الهيئة عقوبة مروّجي المخدّرات وأنهم من المفسدين في الأرض (انظر الفتوى رقم: [85] بتاريخ 11/11/1401هـ، والفتوى رقم: [138]، بتاريخ 7/6/1434هـ).

فهي كلها محرّمة بأنواعها المختلفة مهما كانت: سجائر، حشيش، أفيون، كوكايين... وسواءً كانت حبوب أو أقراص أو مواد سائلة.. على اختلاف أحجامها وأشكالها.

المخدّرات تُدمِّر العقول وتبدِّد الأموال وتُشتِّت الأُسر وتحطِّم المجتمعات، إنها التيّار الجارف والبلاء الماحق والطريق الذي ليس له إلَّا ثلاث نهايات: مرض وجنون، أو سجن وضياع مستقبل، أو موت بطيء..

وقد شاعت بين الناس قصص وقعت في بعض العائلات تحكي الآثار المأساوية لهذه السّموم، فقد يصل بعض مدمني المخدّرات إلى حال مروعة ويقدم على ارتكاب أفعال يصعب تصديقها: فهذا يسرق حليّ أمّه أو زوجته لشراء جرعات من هذا السمّ القاتل، وذاك يبيع أثاث المنزل قطعة قطعة في سبيل الحصول على المال، وآخر وصل إلى حدّ بيع شرفه لذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنهم من يلجأ لاستعمال القوّة مع والديه للحصول على المال، وكثير منهم يضع أسرته في حالة من الرّعب والهلع بصفة يوميّة بسبب إدمانه، وكم من عائلة تفتّتت وتشرذمت وضاعت بسبب المخدّرات.

أسباب انتشار المخدّرات بين الشباب:

إن الإحاطة بأسباب انتشار المخدّرات والعوامل المساعدة لها كثيرة متداخلة ويصعب حصرها، غير أن علاج هذه الظاهرة المرضيّة يبدأ بلا شك من هنا، وأهم عوامل انتشار المخدّرات هي:

- إهمال الوالدين وسوء تربيتهم لأولادهم: حين ينشأ الطفل في المنزل دون أن يجد من يُوجّهه ويُذكِّره وينصحه، يقع فريسة لهذا البلاء لجهله بعواقبه، ولغياب الرّقيب، كذلك كثرة المشاكل في المنزل بين الوالدين تدفع الشّاب للإدمان سعيًا منه للهروب من الواقع، ولنسيان ما يمرّ به أو ما يعانيه من مشاكل أسريّة، فتجده يجري وراء حلم المتعة ونشوة اللّذّة الساري في مخيلته.

- ضعف الإيمان: إنّ انعدام الخوف من الله سبحانه وتعالى عند كثير من الشباب وضعف الوازع الديني والقيمي، وضعف التمسّك بحبل الله هو السّبب الرئيسي لهذا البلاء، فإنّ الطفل إذا لم يتربّى على مراقبة الله في كل أعماله، وأنه سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة، وأنه سيقف غدًا بين يدي من لا تخفى عنه خافية، فلا يهمّه بعد ذلك ما يقدم عليه.

- الفقر: الفقر المعوز وانتشار البطالة بين الشباب الذين هم الهدف الأول لعصابات تجّار المخدّرات، إضافة للظروف المعيشيّة الصعبة من أهم عوامل انتشار الاستهلاك بين الشباب. وكلما زاد الفقر في المجتمع ازدادت معه الجرائم كالسرقة والنّصب وبيع المخدّرات، بحثًا عن الكسب السّريع وجريًا وراء حلم الارتزاق السهل والثّراء، ويهمل الشاب لذلك النظر إلى المخاطر.

- سوء معاملة الأولاد وتدليلهم وتلبية كل مطالبهم: فنجد في المقابل أن وفرة المال أحيانًا يكون سببًا رئيسيًا للإدمان، فعندما يجد الشّاب كل شيء متوفّر بين يديه يظهر الكسل واللامبالاة والغفلة عن محاسبة النفس فيتردّى إلى هاوية الإدمان، خاصة أنّ كثيرًا من الوالدين يستجيبون لكل طلبات أبنائهم خاصة في سنّ المراهقة الصعبة حين يزداد تذمّر الشاب أو الشابّة على كل صغيرة أو كبيرة، فتجد الأولياء يستجيبون لكلّ طلباته للوقاية من شرّه، فيصبح الشاب ولي أمره ويحسّ بالتّحرُّر وبضعف الوالدين، فيصنع ما بدا له ويرتكب كلّ ما يقدر عليه من الحماقات ومنها المخدّرات، وطبعًا ليس كل غنيّ منحرِف ولا كل فقير مدمن.

- الجهل: كذلك الجهل يمنع صاحبه من اليقظة ومن التفطن لما هو واقع فيه، ويكون عادة فريسة سهلة للمجرمين ولتجار المخدّرات وحتى لمن هم في مثل سنّه من الشباب الّذين يسعون للكسب السريع للمال بكل الوسائل ولو ببيع المخدّرات، خاصة أن الجاهل لا يحيط بأضرار هذه السموم ولا يقدّر حقيقة عواقبها المؤلمة، وصدق المثل القائل: "يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوه".

- رفقاء السوء: رفقاء السوء من أعظم أسباب الانحراف والإدمان، فإن حب الاستطلاع والتجربة وحب مجارات الأصدقاء ومجاملتهم عند الصغار، خطر يجب أن يتنبّه له الأولياء.. فهذا يروي أن قصة إدمانه بدأت بنفس من سيجارة خبيثة أغراه بها أصحابه وانتهت بإدمانه على الحشيش.. وهذا أقنعه زملاءه بتجربة الحبوب المنبّهة وأنها تفيد في السّهر وفي مذاكرة الدروس ثم بدأ في تجربة أنواع أخرى من الأدوية المخدّرة والحشيش حتى صار من المدمنين.. وكلّهم يعتقد أن المخدّرات ستحل جميع مشاكله.

- محاكاة بلاد الغرب: بانتشار وسائل الإعلام الغربية في بعض البلاد الإسلامية، وعملها على الإثارة الجنسية لشبابنا بالأفلام الهابطة، وجعلها من يسمونهم فنانين ولاعبين نجوما يقلّدهم ويقتدي بهم أبناؤنا، وأكثرهم مصابون بداء شرب الخمور وإدمان المخدّرات، وكذلك سماح بعض البلدان الإسلامية بانتشار الحانات ودور المراقص والفجور، والسماح لبعض السُّياح بجلب للمخدّرات من بلدانهم إلى البلاد العربيّة والإسلامية وخصوصًا الذين قنّنت بلدانهم الاستهلاك الشخصي للمخدّرات، فيسمح لهم بالدخول للبلاد دون تفتيش أمتعتهم في الموانئ والمطارات الجوية وعلى الحدود البرية بدعوى تشجيع وحماية السّياحة.

كيف نحمي أولادنا من المخدّرات:

إن التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة مسؤوليتنا جميعًا فلا بُدّ من بذل كل الجهود الضّروريّة للتصدّي لهذه الآفة والحيلولة دون زيادة انتشارها بين أفراد المجتمع من الشباب وغيرهم، فعلى المجتمع أن يستيقظ لحجم هذا الخطر الّذي يحدّق بفئاته، و يتصدى لكل للمجرمين الذين يتاجرون بأمن وسلامة أولاده بكل حزم وأن توضع المشاريع والخطط لمواجهة هذه الظاهرة، فإن الأموال الطائلة التي تدرّها تجارة المخدّرات تعمل على تغذية الفساد وتعزيز الشبكات الإجراميّة، وتوجد في البلاد جوًا من الخوف وعدم الاستقرار وتحدّ من التّنمية...

ويمكن علاج هذه الظاهرة بـ:

- السعي لتقوية إيمان أولادنا بدفعهم للمواظبة على الصلوات وعلى تقوى الله، وتعريفهم أنهم سيقفون بين يدي العليم الخبير الذي لا تخفى عنه خافية صغيرة ولا كبيرة. ويكون ذلك باستخدام كل الوسائل المباحة شرعًا لغرس الإيمان في نفوسهم وتحبيب الدِّين إليهم، فأن يكون الشّاب من روّاد المساجد أفضل من أن يكون مُتخفيًا في بعض الأزقّة المظلمة بصدد التّدخين خفية مع بعض المنحرفين، وهذا نبيّنا صلى الله عليه وسلم يُعلّمنا ضرورة العناية بعقيدة أولادنا، يقول لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام إنّي أعلّمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله...» (رواه الترمذي وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح").

- تنشئتهم على الأخلاق الحميدة فهي أساس الدِّين بعد الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق» (رواه الإمام أحمد).

- تعليمهم الحرص على الصُحبة الصالحة، ومتابعتهم في ذلك ومعرفة أصدقائهم وعدم السّماح لهم بالسهر لأوقات متأخّرة من الليل وعدم السّماح لهم بالسفر مع الشباب الذين هم في مثل سِنّهم، فإنّه في حال غياب الرّقيب يكونون عرضة لخبثاء النّفوس المروّجين لمثل هذه السموم قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلّا مؤمنًا» (رواه أحمد والترمذي)، و«المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالِل» (حديث صحَّحه الحاكم).

- تجنيبهم المشاكل الأسريّة والخلافات التي تنشأ في بعض البيوت بين الوالدين، وملئ أوقات فراغهم بما ينفعهم من علم نافع أو عمل صالح أو ترفيه بريء.

- إقامة دورات توعية وتوجيه للطلبة للإحاطة بمخاطر المخدّرات الهدّامة على مستقبلهم، وحماية الوسط المدرسي والجامعي باستعمال وسائل وأدوات المراقبة الحديثة كالتصوير بكاميرات الفيديو لساحات المدارس والجامعات.

- تأطير العائلات وتوعية أفراد المجتمع على مخاطر السموم البيضاء على أبنائهم وبناتهم، والتّأكيد على دور الأمّ خصوصًا في هذه المهمّة، فإن عدم تصريح الأمّهات للآباء بما يلاحظنه من تغيّر في سلوك وطباع أبناءهن كفقدان الشهيّة للطعام النحافة والضعف مصحوبًا باصفرار الوجه وقِلّة الحيويّة والنشاط وما يجدنه أحيانًا مخفيًا في ملابس الأولاد من حبوب وغيرها خوفًا من ردّة فعل الوالد يمنع العائلات من العلاج المبكّر لبعض حالات الإدمان ممّا من شأنه أن يساهم في استفحال الداء وضياع الأبناء. قال صلّى الله عليه وسلم: «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعىته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها» (رواه البخاري ومسلم).

أسأل الله العظيم أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من هذه الشرور، وأن يردّ الذين خدعوا إلى رشدهم ويصلح شأنهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 


أبو عبد الرحمن زهير رزق الله
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 29
  • 1
  • 36,204

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً