(4) الجزء الرابع

محمد بن صالح العثيمين

فتاوى العلامة الشيخ ابن عثيمين عن الصيام مجمعة..

  • التصنيفات: فقه الصيام -

نرى بعض التقاويم في شهر رمضان يوضع فيه قسم يسمى (الإمساك) وهو يجعل قبل صلاة الفجر بنحو عشر دقائق، أو ربع ساعة فهل هذا له أصل من السنة أم هو من البدع؟ أفتونا مأجورين؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البدع، وليس له أصل من السنة، بل السنة على خلافه، لأن الله قال في كتابه العزيز:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة من الأية:187]. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» (صحيح البخاري: [1918]). وهذا الإمساك الذي يصنعه بعض الناس زيادة على ما فرض الله عز وجل فيكون باطلاً، وهو من التنطع في دين الله، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون» (صحيح مسلم: [2670]) [291/19].

 

قمت لتناول طعام السحور ولم أكن أعلم أن الوقت قد دخل، وتناولت كأساً من الماء فتبينت دخول الفجر بمدة زمنية ليست بيسيرة، فهل يبطل صومي بهذا العمل أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان أكلك وشربك بعد طلوع الفجر جاهلاً بطلوع الفجر فإنه لا إثم عليك ولا قضاء؛ لعموم الأدلة الدالة على أن الإنسان لا يؤاخذ بجهله ونسيانه [292/19].

 

ما حكم الذين يتقدمون في أذان الفجر في رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذين يتقدمون في الأذان في أيام الصوم يتسرعون في أذان الفجر، يزعمون أنهم يحتاطون بذلك للصيام وهم في ذلك مخطئون لسببين: السبب الأول: أن الاحتياط في العبادة هو لزوم ما جاء به الشرع، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، ما قال حتى يقرب طلوع الفجر، إذاً فالاحتياط للمؤذنين: أن لا يؤذنوا حتى يطلع الفجر.


السبب الثاني: قد أخطأ هؤلاء المؤذنون الذين يؤذنون للفجر قبل طلوع الفجر، وزعموا أنهم يحتاطون لأمر احتياطهم فيه غير صحيح، لكنهم يفرطون في أمر يجب عليهم الاحتياط له وهو صلاة الفجر، فإنهم إذا أذنوا قبل طلوع الفجر صلى الناس وخصوصاً الذين لا يصلون في المساجد من نساء، أو معذورين عن الجماعة صلاة الفجر [294/19].

 

ما حكم الأكل والشرب والمؤذن يؤذن، أو بعد الأذان بوقت يسير ولاسيما إذا لم يعلم طلوع الفجر تحديداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحد الفاصل الذي يمنع الصائم من الأكل والشرب هو طلوع الفجر، لقول الله تعالى: {فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر». فالعبرة بطلوع الفجر، فإذا كان المؤذن ثقة ويقول: إنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر، فإنه إذا أذن وجب الإمساك بمجرد سماع أذانه، وأما إذا كان المؤذن يؤذن على التحري فإن الأحوط للإنسان أن يمسك عند سماع أذان المؤذن، إلا أن يكون في برية ويشاهد الفجر، فإنه لا يلزمه الإمساك ولو سمع الأذان حتى يرى الفجر طالعاً، إذا لم يكن هناك مانع من رؤيته، لأن الله تعالى علق الحكم على تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه: «فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» [295/19].

 

قلتم حفظكم الله إنه يجب الإمساك بمجرد سماع المؤذن ويحدث ومن عدة سنوات أنهم لا يمسكون عن الطعام حتى نهاية الأذان، فما حكم عملهم هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع النداء، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، فإذا كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه، أما إذا كان المؤذن يؤذن بناء على ما يعرف من التوقيت، أو بناء على ساعته فإن الأمر في هذا أهون. وبناء على هذا نقول لهذا السائل: إن ما مضى لا يلزمكم قضاؤه، لأنكم لم تتيقنوا أنكم أكلتم بعد طلوع الفجر، لكن في المستقبل ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، فإذا سمع المؤذن فليمسك [297/19].

 

بعض البلاد الأوروبية لا يكون فيها الليل إلا قصيراً جدًّا تصل أحياناً إلى الأربع ساعات فقط، ويكون النهار طويلاً جداً يصل إلى العشرين ساعة، فما يجب عليهم إذا لم يأخذوا برخصة الفطر لشبهة الإقامة المؤقتة؟

الواجب على هؤلاء أن يصوموا رمضان في النهار كله، سواء طال أم قصر، لقوله تعالى: {فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإمساك: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، وقوله في الإفطار: «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» (صحيح الجامع: [364])، فهذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على أنه مادام هناك ليل ونهار فالواجب الإمساك في النهار طال أم قصر، وأنه لا يجوز اعتبار البلاد المجاورة، ولا اعتبار بلاد المبتعث، لأن البلاد التي ابتعثت إليها يكون فيها ليل ونهار يتميز أحدهما عن الآخر، فهو كما لو كان في بلده الأصلية.

 

أما لو كان في مكان لا يتعاقب فيه الليل والنهار في خلال أربع وعشرين ساعة، مثل أن يكون نهاره يومين، أو ثلاثة، أو أكثر، وليله كذلك فهنا يقدر له قدره، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخبر عن الدجال أنه يمكث في الأرض أربعين يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع وسائر أيامه كالعادة سئل: هل تكفي صلاة يوم واحد في اليوم الذي كسنة، وكذلك الشهر، والأسبوع بالقياس الجلي؟ قال: «لا، اقدروا له قدره» (صحيح مسلم: [2937])، ولكن هل يقدر بأقرب بلد إليه يكون فيه ليل ونهار، كما هو الأظهر، أو يقدر بالوسط، فيجعل الليل اثني عشر ساعة، والنهار كذلك، أو يقدر بتوقيت مكة، لأنها أم القرى؟ في هذا خلاف بين العلماء، والأظهر القول الأول، والله أعلم. كتبه محمد الصالح العثيمين في 20 شعبان 1409 هـ [313/19].

 

عند ما سمعوا أذان المسجد الحرام أفطروا، ولم يتضح لهم أن هناك فرقاً بين غروب الشمس في جدة وبين غروبها في مكة يبلغ ثلاث دقائق إلا بعد ذلك، فهل عليهم قضاء ذلك اليوم؟
صيامهم صحيح وليس عليهم قضاء، لأنهم لم يتعمدوا، وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب من الأية:5]. وقال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة من الأية:286]. كتبه محمد الصالح العثيمين في 20/10/1417 هـ [329/19].

 

في شهر رمضان يكون إقلاع بعض الرحلات وقت أذان المغرب فنفطر ونحن على الأرض وبعد الإقلاع والارتفاع عن مستوى الأرض نشاهد قرص الشمس ظاهراً فهل نمسك أم نكمل إفطارنا؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تمسك، لأنك أفطرت بمقتضى الدليل الشرعي، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أقبل الليل من ها هنا -وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من ها هنا -وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» [331/19].

 

في شهر رمضان نكون على سفر ونصوم خلال هذا السفر فيدركنا الليل ونحن في الجو، فهل نفطر حينما نرى اختفاء قرص الشمس من أمامنا أم نفطر على توقيت أهل البلد الذين نمر من فوقهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: افطر حين ترى الشمس قد غابت، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» [331/19].

 

هل يتبع الصائم في الفطر أذان المؤذن أو الإذاعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان المؤذن يؤذن عن مشاهدة الشمس وهو ثقة فإننا نتبع المؤذن، لأنه يؤذن من واقع محسوس، وهو مشاهدته غروب الشمس، أما إذا كان يؤذن على ساعة ولا يرى الشمس فالغالب على الظن أن إعلان المذيع أقرب للصواب، لأن الساعات تختلف واتباع المذيع أولى وأسلم [333/19].

 

رجل غني ولا يهمه الإنفاق قليلاً كان أو كثيراً، وجامع زوجته في نهار رمضان، والصوم واجب عليه فهل يؤمر بالصيام شهرين متتابعين أو يعتق؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب عليه العتق؛ لأنه هو المأمور به، ولا يجزئه الصيام، لأنه غير مأمور به مع القدرة على العتق [336/19].

 

رجل جامع زوجته بدون إنزال في نهار رمضان فما الحكم؟ وماذا على الزوجة إذا كانت جاهلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم عليه كفارة مغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، والمرأة مثله إذا كانت راضية، وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء، وإن كانا مسافرين فلا إثم، ولا كفارة، ولا إمساك بقية اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم؛ لأن الصوم ليس بلازم لهما، وكذلك من أفطر لضرورة كإنقاذ معصوم من هلكة سيقع فيها، فإن جامع في اليوم الذي أفطر فيه لضرورة فلا شيء عليه؛ لأنه لم ينتهك صوماً واجباً.


والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء:
أولاً: الإثم.
ثانياً: فساد الصوم.
ثالثاً: لزوم الإمساك.
رابعاً: وجوب القضاء.
خامساً: وجوب الكفارة. ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان. وهذا الرجل إن لم يستطع الصوم ولا الإطعام تسقط عنه الكفارة؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا واجب مع العجز. ولا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل مادام الجماع قد حصل، بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع، فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء [337/19].

 

رجل يجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: يحرم عليها أن تطيع زوجها، أو تمكنه من ذلك في هذه الحال، لأنها في صيام مفروض، وعليها أن تدافعه بقدر الإمكان، ويحرم على زوجها أن يجامعها في هذه الحال، وإذا كانت لا تستطيع أن تتخلص منه فإنه ليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة لأنها مكرهة [339/19].
 

إذا جامع الرجل أهله يوم العيد ثم تبين أنه من رمضان فما يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لو جامع أهله يوم عيد الفطر ثم تبين بعد ذلك أن يوم العيد من أيام رمضان فلا شيء عليه، لأنه جاهل معذور، ولا نقول أيضاً: إن الأفضل ترك الجماع احتياطاً، كما لا نقول: إن الأولى ترك الفطر احتياطاً، بل نقول: يأكل ويشرب ويجامع، ويفعل كل ما أباح الله له في الفطر [342/19].

 

ماذا يجوز للصائم من زوجته الصائمة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصائم صوماً واجباً لا يجوز له أن يستعمل مع زوجته ما يكون سبباً لإنزاله، والناس يختلفون في سرعة الإنزال، فمنهم من يكون بطيئاً، وقد يتحكم في نفسه تماماً، كما قالت عائشة رضي الله عنها في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان أملككم لإربه". ومنهم من لا يملك نفسه، ويكون سريع الإنزال، فمثل الأخير يحذر من مداعبة الزوجة ومباشرتها بقبلة أو غيرها في الصوم الواجب، فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه يملك نفسه فله أن يقبل وأن يضم حتى في الصوم الواجب [342/19].

 

رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال وكان يعتقد أن الكفارة على الإنزال، أي يعلم أن الجماع بإنزال عليه الكفارة، ولكن لا يعلم أن الجماع بدون إنزال حرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا اعتقاده فإنه لا شيء عليه ولا قضاء، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} [343/19].

 

رجل قدم إلى مكة ليلاً وفي الصباح جامع زوجته وهو صائم وهي كذلك صائمة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الرجل الذي قدم هو وزوجته إلى مكة للعمرة واعتمرا في الليل وأصبحا صائمين وفي ذلك اليوم الذي أصبحا صائمين جامعها لا شيء عليهما إلا قضاء ذلك اليوم فقط، فليس عليهما إثم ولا كفارة، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم فقط، لأن المسافر يجوز أن يقطع صومه، سواء قطعه بأكل أو شرب أو جماع، لأن صوم المسافر ليس واجباً عليه، كما قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة من الأية:184] [344/19].

 

واقع امرأته في نفس النهار الذي يسافر فيه وسافر هل عليه شيء؟ وبعض الناس قال: لا شيء عليه لأن أنس بن مالك رضي الله عنه لما أراد السفر أفطر في السفينة.
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: عليه الإثم، وعليه أن يقضي هذا اليوم، وأن يكفر كفارة الجماع في نهار رمضان، لأن الرجل لا يجوز أن يترخص برخص السفر إلا إذا غادر البلد، أما قبل مغادرة البلد فهو مقيم.


وأما ورد عن أنس رضي الله عنه في الفسطاط أنه لما أراد أن يسافر والسفينة على الشاطىء أتى بسفرته وأفطر، فهذا خلاف ما عليه عامة الصحابة رضي الله عنهم والله عز وجل يقول: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة من الأية:185]، فهذا الرجل إن كان طالب علم، وفهم من هذا الحديث أنه جائز له فليس عليه شيء، مع أني أرى أن الواجب على طلبة العلم الصغار ألا يتسرعوا في إفتاء أنفسهم، لأنهم ليس عندهم إدراك للترجيح بين الأدلة [345/19].

 

الذي يجامع زوجته في القضاء وهي تقضي بإذنه هل هو آثم؟ وهل عليها الكفارة؟ وهل هو من الكبائر؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم هو آثم؛ لأنه أفسد عليها صومها الذي أذن فيه، لكن ليس فيه كفارة عليها، لأن الصوم قضاء، ولا عليه لأنه مفطر. ولا أعلم فيه وعيداً خاصًّا، والذنب إذا لم يكن فيه وعيد خاص فلا يكون من الكبائر [346/19].

 

ما حكم السواك للصائم مع ما ينتج عنه من طعم وقطع صغيرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السواك سنة للصائم، سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده، لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» (صحيح بن حبان: [1046]). وجميع الأحاديث الواردة في السواك ليس فيها ما يدل على استثناء الصائم، وعلى هذا فهو سنة للصائم ولغيره، لكن إذا كان للسواك طعم أو كان يتفتت فإنه لا ينبغي للصائم استعماله، لا لأنه سواك، ولكن لما يخشى من وصول الطعم إلى جوفه، أو من نزول ما يتفتت منه إلى جوفه، فإذا تحرز ولفظ الطعم، ولفظ المتفتت فليس في ذلك شيء [353/19].

 

ما حكم بلع الصائم البلغم أو النخامة؟
فأجاب فضيلته بقوله: البلغم أو النخامة إذا لم تصل إلى الفم فإنها لا تفطر، قولاً واحداً في المذهب، فإن وصلت إلى الفم ثم ابتلعها ففيه قولان لأهل العلم:
منهم من قال: إنها تفطر، إلحاقاً لها بالأكل والشرب.
ومنهم من قال: لا تفطر، إلحاقاً لها بالريق، فإن الريق لا يبطل به الصوم، حتى لو جمع ريقه وبلعه، فإن صومه لا يفسد.

 

وإذا اختلف العلماء فالمرجع الكتاب والسنة، وإذا شككنا في هذا الأمر هل يفسد العبادة أو لا يفسدها؟ فالأصل عدم الإفساد وبناء على ذلك يكون بلع النخامة لا يفطر.
والمهم أن يدع الإنسان النخامة ولا يحاول أن يجذبها إلى فمه من أسفل حلقه، ولكن إذا خرجت إلى الفم فليخرجها، سواء كان صائماً أم غير صائم. أما التفطير فيحتاج إلى دليل يكون حجة للإنسان أمام الله عز وجل في إفساد الصوم [355/19].

* * *

 

رجل أصيب بمرض الجيوب الأنفية، وأصبح بعض الدم ينزل إلى الجوف، والآخر يخرجه من فمه، ولا يجد مشقة من صومه، فهل صومه صحيح إذا صام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان في الإنسان نزيف من أنفه وبعض الدم ينزل إلى جوفه، وبعض الدم يخرج فإنه لا يفطر بذلك، لأن الذي ينزل إلى جوفه ينزل بغير اختياره، والذي يخرج لا يضره [356/19].

 

هل يبطل الصوم بتذوق الطعام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يبطل الصوم ذوق الطعام إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه، وفي هذه الحال لو دخل منه شيء إلى بطنك بغير قصد فصومك لا يبطل [356/19].

 

هل الغيبة والنميمة تفطران الصائم في نهار رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الغيبة والنميمة لا تفطران، ولكنهما تنقصان الصوم، قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (صحيح البخاري: [1903]) [359/19].

 

بعض أهل العلم يستشهد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» على أن قول الزور من مبطلات الصيام فهل هذا في محله؟

فأجاب فضيلته بقوله: هذا في غير محله، وتوجيه الحديث مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الإنسان ليصلي وما كُتب له من صلاته إلا نصفها، إلا ربعها، إلا عشرها»، وما أشبه ذلك، فالمراد أن الصوم الكامل هو الذي يصوم فيه الإنسان عن قول الزور والعمل به. أما الصيام فمعروف كما قال تعالى: {فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

 

فهذا هو الصيام: أن يصوم عن هذه الأشياء وما شابهها، وأما الصوم عن القول المحرم والعمل المحرم فلا شك أنه أكمل وأفضل، وهذه هي الحكمة من الصوم، ولكنه ليس شرطاً فيه، قال الإمام أحمد رحمه الله: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صيام، من يسلم من الغيبة. ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من لم يدع قول الزور والعمل به» ما قال: بطل صومه أو صيامه لا يقبل، بل قال: «ليس لله حاجة» يعني ليست هذه الحكمة من الصوم، الحكمة من الصوم عما حرمه الله تعالى [359/19].

 

ما المراد ببركة السحور المذكورة في الحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: بركة السحور المراد بها البركة الشرعية، والبركة البدنية، أما البركة الشرعية فمنها امتثال أمر الرسول والاقتداء به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما البركة البدنية فمنها تغذية البدن وقوته على الصوم [362/19].

 

هل هناك دعاء مأثور عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء، لأنه في آخر العبادة، ولأن الإنسان أشد ما يكون غالباً من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً، وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل، والدعاء المأثور: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» (ضعفه السيوطي في الجامع الصغير: [6588]، وضعفه الألباني في ارواء الغليل: [4/38])، ومنه أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» (صحيح السيوطي في الجامع الصغير: [6589]). وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة، وأما إجابة المؤذن وأنت تفطر فنعم مشروعة، لأن قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» (صحيح بن حبان: [1686]) [362/19].

 

من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فقطع التتابع بعذر شرعي فهل ينقطع التتابع؟
فأجاب فضيلته بقوله: من كان عليه صيام شهرين متتابعين فقطع التتابع بعذر شرعي أو حسي فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا قدر أن شخصاً عليه صيام شهرين متتابعين فسافر في أثنائهما فإن سفره هذا إذا أفطر فيه لا ينقطع به التتابع، لأنه فطر مأذون فيه، وكذلك لو انقطع بعذر شرعي، كما لو صام في أثناء هذين الشهرين صادف شهر رمضان، أو صادف أيام عيد الأضحى والتشريق، وما أشبه ذلك، فإنه لا يقطع التتابع. والله الموفق [365/19].

* * *

 

من وجب عليه صيام كفارة، وأحب أن يؤخره إلى الشتاء فما الحكم لو مات قبل ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن الإنسان إذا وجب عليه صيام كفارة وجب أن يبادر بذلك، لأن الواجبات على الفور، ولكن إذا كان يشق عليه أن يصوم الكفارة في أيام الصيف لطول النهار وشدة الحر فلا حرج عليه أن يؤجل ذلك إلى وقت البرد، وإذا توفي قبل ذلك فليس عليه إثم، لأنه أخره لعذر، لكن يصوم عنه وليه، فإن لم يصم عنه أحد أُطعم من تركته عن كل يوم مسكين [371/19].

 

إذا أفطرت المرأة أياماً من رمضان ولكنها نسيت: هل صامت تلك الأيام أم لا؟ علماً أن كل ما تذكره أنه لم يبق عليها إلا يوماً واحداً، فهل تعيد صيام تلك الأيام أم تبني على ما تتيقنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت لم تتيقن أن عليها إلا يوماً واحداً فإنه لا يلزمها إلا صيام يوم واحد، ولكن إذا كانت تتيقن أن عليها يوماً واحداً، ولكنها لا تدري أصامته أم لا؟ وجب عليها أن تصومه، لأن الأصل بقاؤه في ذمتها، وإنها لم تبرىء ذمتها منه، فيجب عليها أن تصومه، بخلاف ما إذا شكت: هل عليها صوم يوم أو يومين؟ فإنه لا يلزمها إلا يوم، وأما من علمت أن عليها صوم يوم أو أكثر ولكنها شكت هل صامته أم لا؟ فإنه يجب عليها أن تصومه، لأن الأصل بقاؤه [372/19].

 

هل هناك فوارق بين الأداء والقضاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم بينهما فروق منها:
أولاً: أن القضاء موسع إلى رمضان الثاني، والأداء مضيق، لا بد أن يكون في شهر رمضان.
ثانياً: الأداء تجب الكفارة بالجماع فيه على من يجب عليه، والقضاء لا تجب الكفارة بالجماع فيه.
ثالثاً: الأداء إذا أفطر الإنسان في أثناء النهار بلا عذر فسد صومه، ولزمه الإمساك بقية اليوم احتراماً للزمن، وأما القضاء فإذا أفطر الإنسان في أثناء اليوم فسد صومه، ولكن لا يلزمه الإمساك، لأنه لا حرمة للزمن في القضاء [373/19].

 

رجل نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: نحن من هذا المنبر نكرر النهي عن النذر، آخذين بنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» (صحيح مسلم: [1639])،

 

بعد هذا نرجع إلى جواب السؤال الذي تقدم به السائل، وهو أنه نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني، فنقول له: إن عليك كفارة يمين، لأن نذره تضمن شيئين: تضمن صيام عشرة أيام، وأن تكون في هذا الشهر المعين. فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة، وأما الأيام فقد صامها [374/19].

ما حكم من أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي؟
فأجاب فضيلته بقوله: تأخير قضاء رمضان إلى رمضان التالي لا يجوز على المشهور عند أهل العلم، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يكون عليّ الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان"، وهذا يدل على أن لا رخصة بعد رمضان الثاني، فإن فعل بدون عذر فهو آثم، وعليه أن يبادر القضاء بعد رمضان الثاني، واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك إطعام أو لا يلزمه؟ والصحيح أنه لا يلزمه إطعام، لأن الله عز وجل يقول: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فلم يوجب الله سبحانه وتعالى سوى القضاء [378/19].

 

امرأة العام الماضي جاءها رمضان وهي حبلى ولم تصم حتى جاء رمضان هذه السنة وهي الآن صائمة هل يكون رمضان هذه السنة عن العام الماضي أو تصوم رمضان هذه السنة إذا فطرت ويكون بدل عن هذه السنة؟
صيام المرأة المذكورة هذا الشهر عن هذه السنة، فإذا أفطرت قضت رمضان العام الماضي، ولا يجوز أن تنوي هذا الشهر عن صيام العام الماضي، فإن فعلت لم يصح [379/19].

 

امرأة تقول: إني منذ وجب عليَّ الصيام أصوم رمضان، ولكني لا أقضي الأيام التي أفطرها بسبب الدورة الشهرية، ولجهلي بعدد الأيام التي أفطرتها فإني أطلب إرشادي إلى ما يجب عليَّ فعله الآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: يؤسفنا أن يقع مثل هذا بين نساء المؤمنين، فإن ترك قضاء ما يجب عليها من الصيام إما أن يكون جهلاً، وإما أن يكون تهاوناً وكلاهما مصيبة؛ لأن الجهل دواؤه العلم والسؤال. وأما التهاون فإن دواؤه تقوى الله عز وجل ومراقبته والخوف من عقابه والمبادرة إلى ما فيه رضاه سبحانه وتعالى.
فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وأن تستغفر، وأن تتحرى الأيام التي تركتها بقدر استطاعتها فتقضيها، وبهذا تبرأ ذمتها، ونرجو لها أن يقبل الله سبحانه وتعالى توبتها [382/19].

 

ما حكم من مات وعليه قضاء من شهر رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مات وعليه قضاء من شهر رمضان فإنه يصوم عنه وليه وهو قريبه، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (صحيح البخاري: [1952])، فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكيناً [386/19].

 

إذا صام المسلم بعض رمضان ثم توفي عن بقيته فهل يلزم وليه أن يكمل عنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مات في إثناء رمضان فإنه لا يلزم وليه أن يكمل عنه ولا أن يطعم عنه، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (صحيح مسلم: [1631])، فعلى هذا إذا مات فإنه لا يقضى عنه ولا يطعم عنه، بل حتى لو مات في أثناء اليوم فإنه لا يقضى عنه [386/19].

 

من محمد الصالح العثيمين إلى الشيخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم وصل وفهمت إشكالكم من جهة من أفطر رمضان لمرض ثم مات قبل التمكن من القضاء، والمسألة ليس فيها بحمد الله إشكال: لا من جهة النصوص والآثار، ولا من جهة كلام أهل العلم.
أما النصوص فقد قال الله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فجعل الله تعالى الواجب عليه عدة من أيام أخر، فإذا مات قبل إدراكها فقد مات قبل زمن الوجوب، فكان كمن مات قبل دخول شهر رمضان، لا يجب أن يطعم عنه لرمضان المقبل ولو مات قبله بيسير.

 

وأيضاً فإن هذا المريض مادام في مرضه لا يجب عليه أن يصوم، فإذا مات قبل برئه فقد مات قبل أن يجب عليه الصوم، فلا يجب أن يطعم عنه، لأن الإطعام بدل عن الصيام، فإذا لم يجب الصيام لم يجب بدله. هذا تقرير دلالة القرآن على أنه إذا لم يتمكن من الصيام فلا شيء عليه، وأما السنة فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه» (متفق عليه) من حديث عائشة رضي الله عنه فمنطوق الحديث ظاهر، ومفهومه أن من مات ولا صيام عليه لم يصم عنه، وقد علمت مما سبق أن المريض إذا استمر به المرض لم يجب عليه الصوم أداء ولا قضاء في حال استمرار مرضه [389/19].

 

امرأة أنجبت في شهر رمضان منذ حوالي خمسين سنة ولم تقض صوم رمضان الشهر كاملاً علماً أنها توفيت بعد الولادة بحوالي سنتين هل يجوز لأقربائها الصيام؟ وهل له كفارة بعد هذه السنين؟ وما مقدار كفارة الشهر كاملاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز لأوليائها أن يصوموا عنها، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، فإن لم يصوموا أطعموا عن كل يوم مسكيناً ولا تلزمهم كفارة للتأخير؛ لأن القول الراجح أن تأخير القضاء إلى رمضان الثاني لا يوجب الكفارة لعدم الدليل الذي يقتضي ذلك [394/19].

 

إذا مات الإنسان وعليه صيام وصلاة فمن يقضيهما عنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مات الإنسان وعليه صيام فإنه يصوم عنه وليه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه». قال أهل العلم: وليه وارثه، فمثلاً إذا كان رجل قد أفطر في رمضان لسفر أو لمرض ثم عافاه الله من المرض ولم يصم القضاء الذي عليه ثم مات، فإن وليه يصوم عنه، سواء كان ابنه، أو أباه، أو أمه، أو ابنته، المهم أن يكون من الورثة، وإن تبرع أحد غير الورثة فلا حرج أيضاً، وإن لم يقم أحد بالصيام عنه فإنه يطعم من تركته لكل يوم مسكيناً.

 

وأما الصلاة فإنه إذا مات أحد وعليه صلاة فإنها لا تصلى عنه، لأن ذلك لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصح قياس الصلاة على الصوم، لأن الشارع فرق بينهما في مسائل كثيرة، فلما جاء الفرق بينهما في مسائل كثيرة لم يمكن قياس أحدهما على الآخر، لكن إذا مات الإنسان وعليه صلاة لم يقضها فإنه يدعى له بالمغفرة والرحمة والعفو عن تفريطه وإهماله. والله الموفق [395/19].

 

لي قريب صدم شابًّا فمات هذا الشاب، ولكن القريب تهاون في صيام الشهرين حتى مات، وقد تطوعت أخته فصامت عنه الشهرين، لكن بقي منهما يومان وقد دخل شهر رمضان، فكيف تصوم هذين اليومين؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول: لا حرج عليها إن شاء الله إذا دخل رمضان وبقي عليها يومان تصومهما بعد رمضان في اليوم الثاني واليوم الثالث من شهر شوال [399/19].

 

صيام التطوع:
ما الفضل الوارد في صيام الأيام البيض من كل شهر؟ وإذا صادف وجود الدورة الشهرية فهل يجوز للمرأة أن تصوم ثلاثة أيام بدلاً منها من نفس الشهر؟
فأجاب فضيلته بقوله: أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله، ولكن الأفضل أن تكون في الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. فإن لم يمكن بأن كانت المرأة حائضاً، أو حصل سفر، أو ضيق، أو ملل، أو مرض يسير، أو ما أشبه ذلك، فإنه يحصل الأجر لمن صام هذه الأيام الثلاثة، سواء كانت الأيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر والخامس عشر، أو خلال أيام الشهر.


قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لا يبالي أصامها في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره"، فالأمر في هذا واسع، فصيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة سواء أول الشهر أو وسطه أو آخره. لكن كونها في الأيام الثلاثة أيام البيض أفضل. وإذا تخلف ذلك لعذر أو حاجة فإننا نرجو أن الله سبحانه وتعالى يكتب الأجر لمن كان من عادته صومها ولكن تركها لعذر [11/20].

 

ورد في الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر فمتى تصام هذه الأيام؟ وهل هي متتابعة؟

فأجاب فضيلته بقوله: هذه الأيام الثلاثة يجوز أن تصام متوالية أو متفرقة، ويجوز أن تكون من أول الشهر، أو من وسطه، أو من آخره، والأمر واسع ولله الحمد، حيث لم يعين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [12/20].

* * *

 

هل يمكن الجمع في النية بين صيام الثلاثة أيام من الشهر وصيام يوم عرفة؟ وهل نأخذ الأجرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: تداخل العبادات قسمان:
قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزىء سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً، لأن سنة الفجر مستقلة، وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزىء إحداهما عن الأخرى، كذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها، فإنها لا تداخل، فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزىء عنها.


والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عنه الركعتين؛ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى، أجزأت عنه تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فأكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات، ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كنت نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر، أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزىء عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل [13/20].