إعمال العقول فيما نسمع أو نقول (1)

منذ 2014-06-25

عقل الإدراك وهو إعمال العقل في المسموع والمقروء والمشاهد، فيحقق الفهم، ويحصل العلم، ويحصن القلب من الحقد والغل والحسد.

العقل نعمة ربانية ومنحة إلاهية تفضل به الله تعالى على الإنسان، فهو آلة الفكر والفهم والأدراك، وبه يسوس المرء جوارحه، ويصرف أموره الحياتية، ويهيء به آخرته. به يتمايز الناس بين عاقل وسفيه وعالم وجاهل وهو حجية الله على عباده.

تعريف العقل:
في اللغة: سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن الوقوع في الرزائل قيل: "إذا عَقَلَكَ عَقْلُكَ عما لا ينبغي فأنت عاقل".

ثانيا: تعريف العقل اصطلاحا:
  العقل: هو اللطيفة التي يدرك بها الإنسان العلوم والمعاني والأشياء، وبها يميز بين الحق والباطل، والنافع والضار[1].

أحوال العقل:
- عقل الجوارح وهوإمساك الجوارح عن المحارم والمكاره وما يقدح في المروءة، فيصون اليد عن البطش والقدم عن الزلل، ويمسك اللسان عن الفحش، ويغض البصر، ويحفظ الفرج.
- عقل الإدراك وهو إعمال العقل في المسموع والمقروء والمشاهد، فيحقق الفهم، ويحصل العلم، ويحصن القلب من الحقد والغل والحسد.
- عقل العمل وهو موافقة العمل لحقيقة الفطر وصحيح الشرع وموجبات المروءة.

آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعْطَى الدِّينَ وَالْعَقْلَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ
عَنْ حَمَّادٍ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: "لَمَّا هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالدِّينِ وَالْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخَيِّرُكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْعَقْلِ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لِذَيْنِكَ: اصْعَدَا قَالَا: لَا نَفْعَلُ قَالَ: أَتَعْصِيَانِي قَالَا: لَا نَعْصِيكَ وَلَكِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُمَا كَانَ. قَالَ: فَصَارَ الثَّلَاثَةُ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ".
وفي رواية عن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، قَالَ: أَتَى مَلَكٌ آدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَقَالَ: "قَدْ جِئْتُكَ بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْعِلْمِ فَاخْتَرْ أَيَّهَا شِئْتَ، فَاخْتَارَ الْعَقْلَ وَقَالَ: لِلدِّينِ وَالْعِلْمِ: ارْتَفِعَا قَالَا: أُمِرْنَا أَنْ لَا نُفَارِقَ الْعَقْلَ"[2].

الْعَقْلُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لمَّا خلَق اللهُ تَعالى العَقلَ قال له: قُمْ فقام، ثم قال له: أدبِرْ فأدبَر، ثم قال له: أقبِلْ فأقبَل، ثم قال له: اقعُدْ فقَعَد، فقال له: ما خَلَقتُ خَلقًا هو خيرٌ مِنكَ ولا أكرَمُ مِنكَ ولا أفضَلُ مِنكَ ولا أحسَنُ مِنكَ ، بِكَ آخُذُ وبِكَ أُعطي وبِكَ أُعرَفُ وإيَّاكَ أُعاقِبُ، لكَ الثوابُ وعليكَ العِقابُ»[3].
عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ قَالَ: يَقُولُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَجْعَلُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ وَمَا خَلَقْتُ شَيْئًا هُوَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ"[4].

خَيْرُ النِّعَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ الْعَقْلُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: "مَا أُوتِيَ رَجُلٌ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنَ الْعَقْلِ".
عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: "أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَ الْعِبَادُ فِي الدُّنْيَا الْعَقْلُ وَأَفْضَلُ مَا أُعْطُوا فِي الْآخِرَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
عَنْ عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: "مَا يَتِمُّ دِينُ الرَّجُلِ حَتَّى يَتِمَّ عَقْلُهُ"[5].
وبما أن الله قد ميزك أيها الإنسان عن الخلق وزينك بالعقل فوجب عليك الشكر بحسن استعملك للعقل {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

عناية الإسلام بالعقل
عنى الإسلام بالعقل لأنة شرط الإسلام ومناط التكليف؛ فالمكلف لا بد أن يكون عاقلا يفهم الخطاب، ومن هنا لم يكلف المجنون؛ لأن مقتضى التكليف: الطاعة والامتثال، إذ من لا يفهم، كيف يقال له: افهم، ومن لا يسمع، لا يقال له: تكلم. وإن سمع ولم يفهم كالبهيمة، فهو كمن لا يسمع". فالعقل هو الذي يرفع الإنسان إلى مستوى التكاليف الإلهية[6].

وليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني، وتكريمه، والاعتزاز به والاعتماد عليه في فهم النصوص، كالعقيدة الإسلامية؛ فأمر جل جلاله بالمحافظة عليه، ونهى عن كل ما يضر به، أو يعطل عمله.
فحرم سبحانه وتعالى المسكرات والمخدرات لما لها من أثر سيئ على عمل الإنسان؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91].
فالخمر في حال سترها للعقل تجعل متعاطيها أشبه بالسفيه الذي لا يحسن التصرف، أو المجنون الذي لا يشعر بما يرتكب من جرائم تخل بالدين والشرف.
فالعقل واحد من الضروريات الخمس التي عني الإسلام -كسائر الشرائع- بحفظها.
فالشريعة الإسلامية تدور أحكامها حول حماية خمسه أمور، هي أمهات لكل الأحكام الفرعية، ويسمونها الضروريات الخمس، وهى: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ العرض، حفظ المال.
ولقد جعل الإسلام الدية كاملة في حق من ضرب آخر، فأذهب عقله.
يقول عبد الله  ابن الإمام أحمد بن حنبل، رحمهما الله : "سمعت أبي يقول: في العقل دية؛ يعني إذا ضرب، فذهب عقله".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (موقع التزكية (تزكية العقل والفكر لمعاز سعيد حوى)).
(2) (الموسوعة الشاملة- كتب ابن أبي الدنيا (العقل وفضلة [1/37])).
(3) (ذخيرة الحفاظ [4/1972] فيه فضل بن عيسى ضعيف).
(4) (ابن أبي الدنيا (العقل وفضلة [1/31])).
(5) (ابن أبي الدنيا (العقل وفضلة [1/32])).
(6) (مجلة البحوث الإسلامية. ج  [79] ص [360]).

محسن العزازي

كاتب إسلامي

  • 8
  • 0
  • 11,028

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً