الصوم وتربية المسلم على الحلم وضبط النفس

في شهر رمضان يتربى المسلم على الكثير من القيم والأخلاق التي تهذب سلوكه، وتصقل شخصيته، وتورثه الذكر الحسن، والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، وإنه لينبغي أن نربي أنفسنا على الأخلاق الفاضلة، ونجعلها سلوك نتعامل بها في واقع الحياة. ولعل شهر رمضان وفريضة الصيام ونفحات الرحمن فرصة عظيمة لتدريب النفس وتربيتها وتهذيبها.

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان - خطب الجمعة -

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله خلَق الإنسانَ ولم يكن شيئاَ مَذكوراً، وصوَّره فأحسَن صورتَه فجعله سميعاَ بصيراً، وأرسَل إليه رسلَه وأقام عليه حجَّته وهداه السبيلَ إمَّا شَاكراَ وإمّا كفوراَ، أحمَده سبحانه وأشكره شكرَ من لم يرجُ من غيرِه جزاءً ولا شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له إنّه كان حليمًا غفورًا، وأشهد أنّ سيّدنا ونبينا محمَّداً عبد الله ورسوله، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة وعبد ربَّه حتى تفطّرت قدماه فكان عبدًا شكورًا، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه رجالٍ صدقوا ما عاهَدوا الله عليه فكان جزاؤهم موفوراً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان صلاةً وسلاماَ وبركات دائمات رَواحاَ وبُكوراَ..

أما بعد:

عباد الله:

في شهر رمضان يتربى المسلم على الكثير من القيم والأخلاق التي تهذب سلوكه، وتصقل شخصيته، وتورثه الذكر الحسن، والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، وإنه لينبغي أن نربي أنفسنا على الأخلاق الفاضلة، ونجعلها سلوك نتعامل بها في واقع الحياة. ولعل شهر رمضان وفريضة الصيام ونفحات الرحمن فرصة عظيمة لتدريب النفس وتربيتها وتهذيبها، فغاية العبادات في الإسلام تربية الروح وتقويم السلوك ومعالجة الانحرافات وتوثيق الصلة برب الأرض والسماوات، فهل من عزم وإرادة في نفس كل مسلم ومسلمة وصائم وصائمة للقيام بذلك، وقد أمره الله عز وجل بتزكية نفسه، فقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10]، قبل أن يأتي يوم لا ينتفع الصائم بصومه ولا المصلي بصلاته ولا المزكي بزكاته. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتدرون من المفلس؟»، قالوا: "المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع"، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسب هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دماء هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» [رواه مسلم].

فرمضان شهرٌ للمراجعة والتغيير والتربية والتهذيب للنفوس، وهو مدرسة الأخلاق يقول صلى الله عليه وسلم: «والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» [البخاري].

فالصوم يدفع المسلم ويوجهه إلى ضبط النفس والحلم والعفو والصفح والتنازل، ليس على سبيل الجبن والخوف والضعف، ولكن طاعة لله وإتباعٍ لرسوله صلى الله عليه وسلم وطلبٍ للأجر والثواب. فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. هذا هو خلق الحلم وهو سيد الأخلاق مدحه الله في القرآن، وأمر به ووصف به أنبيائه وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلق به وأمر به أصحابه وأمته من بعده إلى يوم القيامة. وإن من فضائل رمضان وثمراته أن يربي المسلم على هذه القيم والأخلاق. فكم دفع الحلم عن صاحبه من مشاكل وفتنٍ ومصائب، وكم دفع الحلم عن صاحبه من بلايا وشرور، وكم رفع قدر الحلم صاحبه بين الناس وأورثه الذكر الحسن، وكم من حسنات ثقل الله بها ميزان صاحب الحلم الذي صبر في ذات الله وكظم غيظه وتفضل على غيره، وقد أمر الله به، فقال سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ‌ بِالْعُرْ‌فِ وَأَعْرِ‌ضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، ووصف به عباده فقال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان:63]، وقال: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُ‌ونَ} [الشورى:37].

لقد كان الحلم من أهم الصفات التي زكى الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَ‌حْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ  وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ‌ لَهُمْ وَشَاوِرْ‌هُمْ فِي الْأَمْرِ‌فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]. قال علي رضي الله عنه في "أول عِوض الحليم عن حلمه أنّ الناس أنصاره"، وقال بعض البلغاء: "ما ذبَّ عن الأعراض كالصفح والإعراض"، وسئل الأحنف بن قيس: "بم سدت قومك؟"، قال: "وجدت الحِلم أنصر لي من الرجال".

عباد الله:

يكفى الحلم عزة ورفعة وعلو شأن أنه من أسماء الله وصفة من صفاته، فهو سبحانه وتعالى (الحليم)؛ يرى معصية عبادة ومخالفتهم لأمره ثم يمهلهم ولا يسارع في عقوبتهم مع اقتداره واستحقاقهم لها، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61]. وقد وصف نفسه بالحلم في أحد عشر موضعًا في القرآن الكريم، قرن فيها المغفرة بالحلم من ذلك قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ} [البقرة:235]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155]، وقال تعالى: {لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ} [البقرة:225].

وأوصى سبحانه وتعالى بالحلم والرفق ومجاهدة النفس عليهما وبين آثارهما، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُ‌وا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:24-25]. والحلم من الصفات التي يحبها الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج، أشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة». وَ ورد في مسند أبي يعلى أن الأشج قال: "يا رسول الله، كانا فيّ أم حدثاَ؟"، قال: «بل قديم»، قال (الأشج): قلت: "الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما" [صحيح مسلم 1 / 48 ح 25].

والحلم وضبط النفس من صفات أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، هذا إبراهيم الخليل عليه السلام يصفه ربه بالحلم ويقول: {إِنَّ إِبْرَ‌اهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114]. وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَ‌اهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود:75]. ويُبشّره ربه كذلك بابن حليم، ويكون الحلم من صفات إسماعيل عليه السلام. قال تعالى: {فَبَشَّرْ‌نَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101]. وهذا هود عليه السلام نبي الله يتعرض للسب والشتم والتسفيه من قومه، وهو مع ذلك كان في غاية الحلم على قومه يريد لهم الخير والصلاح، قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:66-68].

أمَّا صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم فقد كان أكثر الخلق حلماً، فيصبر ويصفح ويسامح ويتجاوز، حتى كسب بهذا الخلق قلوب الناس وانظروا إلى هذا الموقف الرائع: في يومٍ من الأيام بينما كان رسول الله مع أصحابه في المسجد إذ برجل يتخطى الصفوف حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بمجامع قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وردائه ونظر إليه بوجه غليظ وقال له: "يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فو الله ما علمتم بني عبد المطلب إلا مطلاً، ولقد كان لي بمخالطتكم علم"، وكان هذا الرجل هو زيد بن سعنة حبر من أحبار اليهود وكان رسول الله قد استدان منه إلى أجل وقبل حلول الأجل بيومين جاء زيد إلى رسول الله قال زيد: ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: "يا عدو الله: أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فو الذي نفسي بيده لولا ما أُحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك". ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّ في سكون وتَؤدة فقال: «يا عمر أنا وهو كُنَّا أحوج إلى غير هذا؛ أن تَأمرني بحسن الأداء، وتَأمره بحُسن إتباعه (أي الطلب)، اذهب به يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرِّ مكان ما رعُته»، قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: "ما هذه الزيادة يا عمر؟"، قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعُتك"، قال: "وتعرفني يا عمر؟"، قال: "لا"، قلت: "أنا زيد بن سعنة"، قال: "الحبر؟"، قلت: "الحبر"، قال: "فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله ما فعلت؟ وقلت له ما قلت؟"، قلت: "يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيءٌ إلَّا وقد عرفتُ في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرتُ إليه إلَّا اثنتين لم أخبرهما منه: يَسبق حُلمه جَهله، ولا تَزيده شِدة الجهل عليه إلا حُلماً، وقد خبرتهما، فأُشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً وأُشهدك أن شَطر مالي فإني أكثرها مالاً صدقة على أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم"، قال عمر: "أو على بعضهم فإنك لا تسعهم؟"، قلت: "أو على بعضهم"، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، وآمن به وصدقه، وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة ثم توفى في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر، رحم الله زيداً. [ابن حبان (288)، والحاكم (6547)، والبيهقي (11066)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته. ثم قال: "يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك"، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمرَ له بعطاء" [رواه البخاري 5362]. موقف رهيب، وحلم عجيب وخلق عظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحلم دليل على رباطة الجأش وشجاعة النفس ودماثة الخلق. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى. اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها"

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

أيها الصائمون، عباد الله، أن لضعف الحلم وسرعة الغضب آثاراً خطيرة على المرء نفسه وعلى الآخرين من ذلك الإصابة الجسدية والنفسية بأمراض كثيرة كالسُكري والضغط والقولون العصبي وقرحة المعدة وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص. ومن الآثار أيضا انتشار المشاكل وكثرة الجرائم. فكم من جريمة أزهقت فيها الأرواح وسالت الدماء بسبب العجلة والغضب وعدم الحلم. وكم ضاع من خير وأجر وفضل بسبب قلة الحلم وسرعة الغضب، وكم حلت من مصيبة ودمار وهلاك بسبب ذلك، وبسبب لحظات غضب قطعت الأرحام، ووقع الطلاق وشرد الأطفال، وتهاجر الجيران، وتعادى الإخوان، وقامت بين الدول الحروب وحل الظلم وسادت الفوضى. وإذا كانت الحاجة تدعو الحلم والأناة في كل حال في هذه الحياة الدنيا، فهي في زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى، ففيها تطيش العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق والصبر والمصابرة قال صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء» [أبو داود والترمذي].

وقد مدح الله عز وجل المؤمنين بصفات كثيرة منها قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. عن الأحنف بن قيس قال: "ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم، فقد قُتل ابن أخيه ابناً له، فأتي بالقاتل مكتوفاً يُقاد اليه، فقال: "ذعرتم الفتى!"، ثم أقبل على الفتى فقال: "يا بني، بئس ما صنعت، نقصت عددك، وأوهنت عضدك، وأشمتّ عدوك، وأسأت بقومك، خلوا سبيله، واحملوا إلى أمّ المقتول ديته، فإنها غريبة". ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته، ولا تغير وجهه".

إن الغضب المحمود والمطلوب من المسلم ما كان لله وفي الله، إذا انتهكت محارم الله، إذا لم يطبق شرع الله، إذا كثرت المنكرات، و إذا دنست المقدسات، وسفكت الدماء، واضطهد المسلمون بسبب دينهم، وإذا ظهر الظلم، وانتشر الفساد، وإذا أستهزئ بالدين وأهله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب، وذل? كثير في حياته عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيءٌ من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى» [رواه مسلم].

فما أحوجنا إلى حلم الوالد في بيته، وحلم التاجر في سوقه، وحلم القاضي في محكمته، وحلم الموظف في إدارته، وحلم الجار مع جيرانه، وحلم المعلم مع طلابه، وحلم الداعية مع من حوله، وحلم الأمير والرئيس مع من يسوسهم ويرعاهم.

عباد الله:

لنتخذ من شهر رمضان وفريضة الصيام طريقاً ووسيلة لتربية نفوسنا على خلق الحلم وضبط النفس والصفح والتجاوز عن الهفوات والزلات. ولننظر في أحوال الفقراء والمساكين والمحتاجين. ولنتزود من الأعمال الصالحة ليوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، وأجعل الموت راحة لنا من كل شر، وتقبل صيامنا وصلاتنا وسائر أعمالنا يا أرحم الراحمين.

هذا وصلوا وسلموا على محمد خير البرية ورسول الإنسانية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والحمد لله رب العالمين.
 

حسان أحمد العماري