غزة تحت النار - (22) الهدنة وأماني الشعب

منذ 2014-07-20

المقاومة ليست مُطلَقة اليدين، وليست حرةً في تقرير المصير، ولا تستطيع أن تُبرِم اتفاقًا، أو أن تُصادق على هدنةٍ أو تفاهمٍ، دون الرجوع إلى الشعب وعامة الناس، فالشعب الفلسطيني شريكها في المعركة، ورفيقها في القتال، ومعها في الميدان، وقبلها وسابقها في المقاومة، وهو ملهمها في الجهاد، وموجهها في القتال، إذ هو شعب الجبارين الصامد، الذي لا يئن ولا يشكو، ولا يلين ولا يخضع، ولا يذل ولا يخنع.

لا تعتقدوا أن المقاومة الفلسطينية حُرّة في تقرير الهدنة التي تريد، أو الموافقة بمفردها ومن تلقاء نفسها على شروطها، والالتزام ببنودها، والإقرار بضوابط وقف إطلاق النار، وتوقُّف كافة العمليات العسكرية، أو اختيار التوقيت والزمان المناسب للموافقة عليها؛ فهي ليست وحدها من يُقرِّر، مهما بلغت قوتها، وتعاظمت شعبيتها، وأيًا كانت عملياتها العسكرية، ونجاحاتها الميدانية، وإن هي أوغلت في صفوف العدو وأوجعته، وأثخنت فيه وآلمته، وانتصرت عليه في جولات، أو كسبت بعضها بالنقاط، أو حالت دون أن يحقق نصرًا عليها، أو منعته من اجتياح القطاع، وخوض معركة بريه معه، وسوق رجاله إلى القتل أو الاعتقال.

المقاومة ليست مُطلَقة اليدين، وليست حرةً في تقرير المصير، ولا تستطيع أن تُبرِم اتفاقًا، أو أن تُصادق على هدنةٍ أو تفاهمٍ، دون الرجوع إلى الشعب وعامة الناس، فالشعب الفلسطيني شريكها في المعركة، ورفيقها في القتال، ومعها في الميدان، وقبلها وسابقها في المقاومة، وهو ملهمها في الجهاد، وموجهها في القتال، إذ هو شعب الجبارين الصامد، الذي لا يئن ولا يشكو، ولا يلين ولا يخضع، ولا يذل ولا يخنع.

بل إنه أحد أهم أسباب تفوقها ونصرها، فهو الحاضنة القوية للمقاومة، وعمقها الأصيل، ولسانها الأريب، وهو الجبهة المتماسكة، وصاحب الإرادة القوية، والشكيمة الحازمة، ولولا صبره واحتماله، وصدقه وإخلاصه، وحكمته وعطاؤه، لما تمكنت المقاومة من الصمود، ولما استطاعت المواصلة، ولما حققت نجاحات، ولما سجلت في صفوف العدو ودفاعاته اختراقات.

ينبغي على قيادة المقاومة الفلسطينية، وعلى مرجعياتها السياسية أن تُصغي إلى مطالب الشارع الفلسطيني، وأن تستمع إليهم قبل أن تُقرِّر، وأن تستمزج آراءهم قبل أن توافق، فلا يحق لها أن تذهب إلى أي مكانٍ للتفاوض والحوار دون أن تكون مسلحة بإرادة الشعب، وواعيةً لمطالبه وشروطه، ولا تظن نفسها أنها أوعى منهم وأفهم، وأنها ترى ما لا يرون، وتعرف ما لا يعرفون، وتدرك أكثر مما يدركون، وأن لديها سابق خبرة، وقديم تجربة، وأنها تعرف كيف تصير الأمور، ومن الذي يحركها ويوجهها.

لا مُبرِّر للمقاومة أيًا كانت أن تتفرّد بالقرار وحدها، فقد سبقها الشعب في وضع شروطه لأي هدنة، وبَيَّنَ مطالبه للموافقة على أي تهدئة قادمة، وعلى المفاوضين أن ينصتوا لهم، وأن يستجيبوا إلى شروطهم، وأن يحترموا طلباتهم، فهم الذين ضحُّوا وقدَّموا، وبيوتهم هي التي خُرِّبت ودُمِّرت، ومدارسهم ومساجدهم قد تعرَّضت للقصف، ومستقبلهم وأولادهم الذي أصبح في المجهول، وأولادهم هم وقود المقاومة ورجالها، وأمهاتهم وأخواتهم هم الذين يحدون الرجال، ويتقدَّمون الصفوف، ويُكابِرون على الجرح والألم.

الشعب لن يقبل وقفًا لإطلاق النار، أو إقرارًا لتهدئةٍ مؤقتة، تُجيز للعدو أن يُعيد الكرّة من جديد، وأن يعود إلى اعتداءاته وخروقاته بعد أشهر، أو كلما أُتيحت له الفرصة، تأديبًا أو بمناسبة الانتخابات، أو إرضاءً لمتطرِّفٍ أو مسايرةً لمتشدِّد، بل تريد اتفاقًا يلزمه، وتعهدًا يضمنه، ورادعًا يمنعه، ودولًا تكفله وترعاه.

كما لن يقبل بنزع سلاحه، وتفكيك قواته، والتعهد بعدم بناء قدراته الذاتية، أو التوقُّف عن أعمال التجهيز والإعداد والاستعداد، إذ السلاح عندهم عنوان الشرف، وسبيل النصر، والوسيلة الأقدر والأفضل لكبح جماح العدو، ومنعه من الإفساد والعربدة والتخريب.

وهو يريد أن يرفع الحصار كليًا عن قطاع غزة، وأن تُفتح كليًا ودائمًا كل البوابات والمعابر، ليتمكن الأفراد المسافرون، والبضائع التجارية من المرور بسهولةٍ ويسر، وأمانٍ واطمئنان، ويريد ألا يكون للاحتلال وجودٌ أو سلطة على معابره، لئلا يتحكم في المغادرين والعائدين، ولئلا يتسلط على الفلسطينيين في دوائهم وغذائهم، ولئلا يستغل حاجتهم وضعفهم، لمآربه الدنيئة، وأهدافه الوضيعة.

ويتطلع الشعب الفلسطيني لأن يكون له مطاره الوطني، وِفق المعايير الدولية، وبموجب الضوابط الأمنية المُتفق عليها، ليتخلَّص من الانتظار والمعاناة، وينتهي من طوابير الذل والإهانة، وأقبية الحجز وصالات الحظر، وقوائم الترقب، وأذونات الموافقة، والقوائم السوداء الممنوعة من الدخول.

ويمتد طموح الشعب الفلسطيني لأن يكون له ميناؤه البحري في غزة، الذي يربطه مع العالم، ويمكنه من الحصول على احتياجاته وما يلزمه، خاصةً ما يتعلَّق منها بالبناء، كالإسمنت والحديد وغيره، للمباشرة في أعمال إعادة الإعمار، وتحريك عجلة الاقتصاد الفلسطيني المتوقفة.

كما يريد الشعب الفلسطيني سيادةً كاملة في قراراته وعلى أرضه، وسلطةً ذاتية على مصالحه ومصائره، فلا يتدخّل العدو فيها، ولا يفرض شروطه عليهم، وألا يؤثر على المصالحة والوحدة، وألا يتدخّل في الشؤون الداخلية، ولا يمارس ضغوطًا على أي طرف، ليفشل المصالحة، ويسقط حكومة الوحدة الوطنية.

لن يقبل الفلسطينيون بأي هدنةٍ أو وقفٍ لإطلاق النار، لا يُحقق حريةً للأسرى والمعتقلين، ولا يُفرِج عنهم من سجونهم، أو يُخفَّف من معاناتهم ويُحسِّن ظروفهم فيها، وهو يُصِرّ على حرمة اعتقال المحرَّرين منهم، ووجوب إطلاق سراحهم، وضمان عدم اعتقالهم مرةً أخرى، فضلًا عن إطلاق سراح كل من اعتُقِل ضمن الحملة الأمنية القمعية التي نفذتها سلطات الاحتلال في مدن الضفة الغربية.

إن للشعب الفلسطيني صانع النصر، القابض على الجرح، الصابر على الأذى، المكلوم بشهدائه وجرحاه، والحزين على بيوته وسكناه، شروطًا يجب الإصغاء إليها، والالتزام بها، وعدم التنازل عنها، أو التفريط فيها، وهي مطالب حقٍ، وشروط شرفٍ، وإلا كانت الحرب مهزلة، والقتال مسرحية، والشعارات مضحكة، والمواقف فبركة، والتضحيات هباء، إذا كان القرار والاتفاق العودة إلى ما كان، وبقاء كل شيءٍ على ما كان، والقبول بنعمة الهدوء مقابل الهدوء.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 2
  • 0
  • 1,424
المقال السابق
(21) قراءة في المبادرة المصرية
المقال التالي
(23) مرحى بالمقاومين وسُحقًا للمتخاذلين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً