غزة تحت النار - (28) انتصار العين على المخرز

منذ 2014-07-21

العدو الإسرائيلي بات يدرك أن قوته العسكرية لن تستطيع أن ترغم هذا الشعب، ولن تكسِر فيه روح الإرادة، ولن تهزِمه ولن تُركِعه، ولن تقتِل فيه روح التحدي ولا جبروت التصدي، وإن الفلسطينيين باتت لديهم قوة قادرة على المبادأة والمهاجمة، والقتال الموجع، والمباغتة الصادمة، وها هو يفاجئ العدو خلف خطوط النار، ويخرج إليه من جوف الأرض، عملاقًا لا يخاف، شبحًا لا يُرى، ومارِدًا لا يُهزَم، يُهاجِم ويُطلِق النار، ويُفجِّر ويقتُل، ويعود أدراجه سليمًا معافى، ومن بقي منهم في أرض الميدان فهو شهيدٌ سقط في قمة المواجهة، على أرضه المحتلة، وفي مقاومة الغاصبين المحتلين.

أثبت التاريخ البشري دومًا، أن الشعوب أقوى من الدول، وأنها أبقى من الممالك، وأثبت من الحكومات، وأقدر على الصمود من الملوك والحكام، وأخلص للأوطان منهم، وأصدق في الدفاع عنها من بطائنهم، وأنهم الذين يبدلون حكامهم، ويُغيِّرون قيادتهم، ويُتوِّجون الملوك ويُبايعون ولاة الأمر، وأنهم أقوى منهم وإن امتلكوا الجيوش، وأشد مراسًا منهم وإن كانوا يملكون أنظمة وشرطة ومؤسساتٍ ووسائل قمعٍ وتعذيبٍ وترهيب.

وأكدت سيرُ الشعوب، ومسيرات الثورات، وانتفاضات الأمم، قديمًا وحديثًا، أن العين دومًا تنتصِر على المخرز، وأن الإرادة تنتصِر على القوة، وتُرغِمها على ما تريد، وتُخضِعها إلى ما تتمنى، وأن الشعوب المقهورة تنتصِر على قاهرها، وتنتقِم من قاتلها، وأن المحتل دائمًا يرحل ويغادر، ويتخلى عن آماله وطموحاته، ويُفكِّك ما بناه في الأرض وعمَّره، ويترك كل ما ظنَ أنه باقٍ له ومخلَّدٌ فيه.

والتاريخ على هذا خيرُ شاهدٍ ودليل، ويملك على ذلك النتائج والبراهين، التي لا تُنكِرها عينٌ، ولا يتجاهلها عقلٌ ولا منطقٌ، ومنها يتعلَّم البشر، ويستفيد المقاومون، لتُصبِح بعد ذلك سُنةً وقانونًا، وناموسًا ونظامًا، لا تختلف ولا تتغيَّر، ولا تتخلَّف ولا تتبدَّل، وإن تَغيَّر المستعمرون، وتدافعت الشعوب، وتبدَّلت الأجيال.

فما نفع الأمريكيين حرقُ بيوت الصفيح في فيتنام، ولا إشعالُ النار في الحقول والأجران، ولا دكُ البلاد وعامة الناس بآلاف الأطنان من المتفجرات، وما مكَّن الفرنسيين في الجزائر طولُ البقاء، ولا دموية الاستعمار، ولا ملايين الشهداء الذين قتلوهم، ولا بشاعةُ وفُحش المعاملة التي لاقوهم بها، ولا أبقى جبروت العنصريين في جنوب أفريقيا حكمُهم، وما استطاعت قوتهم في الأرض البقاء، ولا تمكَّنت حداثة أسلحتهم من تركيع الشعب، وإسكات العبيد، والقضاء على عزم وإيمان السجين.

كذا هي إرادة الشعوب في كل مكان، تنتصِر على القيد والسجَّان، وتثور على البغي والعدوان، وتنهض عملاقًا في ساحات الوغى وميادين القتال، وإن ظن العدو أنها ضعيفة ومهيضة الجناح، فإنها تقف أمامه جبارةً لا تلين، وعزيزةً لا تخضع، وقويةً لا تقهر، والتاريخ يحفظ الثائرين، ويُقدِّر المقاتلين، ويحيي ذكرى الشهداء والمضحين، ويُدرِّس سير الأبطال والمغاوير، ولكنه ينسى جنرالات الحرب، وقادة الاحتلال، وضباط الاستعمار، وجلاوزة السجون والمعتقلات، إلا إذا أراد أن يحاكمهم وينتقم منهم، ويحاسبهم ويقتص منهم.

وإن فلسطين واحدةٌ من الدول، وشعبها كغيره من الشعوب، أصيلٌ وعريق، ومجاهدٌ ومقاتل، وصابرٌ وجسور، وسينتصِر على جلاده، وسيهزِم محتله، وسيقتِل من قتل أبناءه، وسيتفوق على الاحتلال أيًا كانت قوته، ومهما بلغ بغيه وعدوانه، ولن تُضعِفه قوة العدو ولا آلة بطشه البشعة، ولن تعمي عيونه دخان دباباته ولا غازات قنابله وقذائفه، وستكون عيونه أقوى من مخارزهم، وأصلب منها في المواجهة والثبات.

العدو الإسرائيلي بات يدرك أن قوته العسكرية لن تستطيع أن ترغم هذا الشعب، ولن تكسِر فيه روح الإرادة، ولن تهزِمه ولن تُركِعه، ولن تقتِل فيه روح التحدي ولا جبروت التصدي، وإن الفلسطينيين باتت لديهم قوة قادرة على المبادأة والمهاجمة، والقتال الموجع، والمباغتة الصادمة، وها هو يفاجئ العدو خلف خطوط النار، ويخرج إليه من جوف الأرض، عملاقًا لا يخاف، شبحًا لا يُرى، ومارِدًا لا يُهزَم، يُهاجِم ويُطلِق النار، ويُفجِّر ويقتُل، ويعود أدراجه سليمًا معافى، ومن بقي منهم في أرض الميدان فهو شهيدٌ سقط في قمة المواجهة، على أرضه المحتلة، وفي مقاومة الغاصبين المحتلين.

كتائب المقاومة الفلسطينية اليوم مُسلَّحةٌ تسليحًا عاليًا، وتملك وسائل قتالية حديثة، فبندقيتها سريعة الطلقات لا تتعثَّر ولا تضطرب، وصاروخها بعيد المدى يُصيب ولا يُخطئ، ومكامنها كثيرة، وأنفاقها عديدة، ومفاجأتها أكثر مما يحفظها أو يعتاد عليها العدو، ورجالها كأسود الوغى، بات مظهرهم يُخيف العدو، وشكلهم يُرعِبه، وسلاحهم الذي يُزيِّن صدورهم يُرهِبه، يتأهبون لمواجهة العدو، ويترقبون توغُّله، وينتظرون تورُّطه، وسيكون لهم معه صولاتٌ وجولاتٌ، وقد شعر العدو ببواكيرها، وأيقن بخواتيمها، بعد أن سجَّلت دوائره العسكرية في اليوم الثالث للحرب البرية خمسة عشر قتيلًا من ضباط وجنود جيشه.

الفلسطينيون يقولون لمقاومتهم العظيمة، رغم الجراح والآلام، والضحايا والشهداء، والتدمير والخراب، إِيَّاكم أن تُسلِّموا بقوة العدو، ولا تَجنبوا عن ملاقاته، ولا تتأخروا عن قتاله، فنحن بإذن الله أقوى منه، وهو يخاف من الموت، ويترقّب القتل، ويتحسِب من الأَسر، ونحن معكم وإلى جانبكم، نصبر معكم، ونتحمَّل المعاناة من أجل هدفٍ أكبر، وغايةٍ أعظم، وإن الله ناصرنا، وهو معنا يؤيدنا ويكفلنا.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,161
المقال السابق
(27) السلامةُ صمودٌ أم استسلامٌ؟!
المقال التالي
(29) حي الشجاعية اسمٌ باقي وسيبقى

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً