رمضان وسط أجواء سياسية ساخنة!

منذ 2014-07-22

يعزُّ علينا أن نُطالع شريط الأخبار اليومي فنجد عالمًا أشبه بالمستقر، ومنطقتنا العربية تغلي مراجلها بين دماء تسيل، وأشلاء تتناثر، وأبرياء تتهاوى، وصراعات سياسية طاحنة، ودعوات ماجنة بالسحق والاستئصال والإبادة، ومما يزيد الجرح ألمًا تضليل النخب الإعلامية، وتناثر الفتاوى الشيطانية، واختلاط الحابل بالنابل فصار لا يُعرَف حقٌ من باطل ولا صالح من فاسد..!

بسم الله الرحمن الرحيم

يهل علينا رمضان هذا العام وسط توترات سياسية في منطقتنا العربية تُعكِّر صفو النفس، وتُشغِل الفِكر، الأمر الذي يُلقي بظلاله السيئة على متعة التنعُّم بالعبادة في هذا الشهر الكريم، فلا شك أن صفاء النفس وهدوء البال يستجلب الخشوع ويستحضر التضرُّع الذي هو لُب العبادة ومقصودها الأعظم، لكن فداحة الخطوب التي تمرّ بها أُمتنا أمرًا ليس بالهين على كل صادق في إسلامه وسام في إيمانه من أبناء هذه الأمة المباركة.

يعزُّ علينا أن نُطالع شريط الأخبار اليومي فنجد عالمًا أشبه بالمستقر، ومنطقتنا العربية تغلي مراجلها بين دماء تسيل، وأشلاء تتناثر، وأبرياء تتهاوى، وصراعات سياسية طاحنة، ودعوات ماجنة بالسحق والاستئصال والإبادة، ومما يزيد الجرح ألمًا تضليل النخب الإعلامية، وتناثر الفتاوى الشيطانية، واختلاط الحابل بالنابل فصار لا يُعرَف حقٌ من باطل ولا صالح من فاسد.

لمجرد خصام.. سياسي لا يتورَّع مشايخ في إجازة استئصال المعارضين بالقتل، الأمر الذي ينسحب بعده على هتك العِرض، والتكدُّس في زنازين غير آدمية، والتوسع في تكميم الأفواه بغلق كل القنوات الإعلامية المعارِضة والتي لا تُسبِّح بحمد النظام..!

شعب سوريا يُقذف بالبراميل المتفجِّرة والأسلحة الكيماوية التي حرم منها أعداء الأمة على مدى تاريخها المعاصر، وشعب آخر محاصر في غزة من الصهاينة منذ سنوات عديدة، وطائفية تغتال بلاد الرافدين، وديمقراطية بمصر كفر بها الليبراليون لمجرد فوز الإسلاميون بها، وليبيا وتونس واليمن تشق طريقها للاستقرار بشق الأنفس.

ومما يندى له الجبين تعليق أحد الصحفيين العرب على قصف إسرائيل لغزة في هذا الشهر الفضيل بقوله: "اللهم زِد وبارك"..!

وآخر يصف جماعة الإخوان المسلمين بأنهم خوارج العصر، وصار التخابر مع حماس جريمة تُهدِّد أمن الأوطان، ومُلصق "هل صليت على النبي صلى الله عليه وسلم اليوم؟" مُستفِز..!

ومن المضحك المبكي صدور قرار رسمي من وزارة الأوقاف المصرية بعدم الدعاء على الظالمين في صلاة التراويح! والدعاية الإعلامية للدراما في رمضان تحت شعار "المسلسلات الرمضانية" فنسبوها لرمضان لكي يعلو كعبها ويشرف قدرها على ما فيها من مجون وعُري..!

بل إن جرح الأمة الواحد سواءً في سورية أو مصر أو العراق أو غزة.. بات محل اعتراض بعض المحسوبين على النخبة المثقفة!

وكأنه لم يسمع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» ‌(مُتفقٌ عليه)، وكأنه لم يعلم برمضان لُحمة المسلمين في أقطاب الأرض حيث يشعر الغني بجوع الفقير ويغدق أصحاب اليسار على إخوانهم المعوذين. وحدث عن الحج ذاك المؤتمر السنوي الذي يضم مسلمين من كافة الأطياف شعارهم واحد «لبيك اللهم لبيك»، وأين الولاء والبراء الذي هو من أساس عقيدة المسلم، وقد صح في الحديث: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» (رواه أبو داود).

ماذا دهاكِ يا أُمتي حتى صِرتِ إلى ما أنتِ فيه؟!

أين عقلائكِ الذين يردون الناس إلى الحق ردًا جميلًا؟

وأين علماؤكِ الذين لا يخشون في الله لومة لائم؟

وأين رجالكِ المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نَحبهُ، ومنهم من ينتظرُ، وما بدَّلُوا تبديلًا؟!

تغيَّر رمضان لمَّا تغيَّرنا، ولن تستقيم لنا لذّة العبادة فيه حتى تستقيم أنفسنا، لكن يبقى الرجاء في الله كبير أن يكشف الغُمَّة ويمحو المِحنة ويفغر لنا تقصيرنا ويرحم ضعفنا ويتولّى أمرنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 0
  • 2,561

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً