من المناهي اللفظية - (10)

منذ 2014-07-24

عالمية الإسلام،"تطور الفقه الإسلامي"، "موقف الإسلام من كذا"، "رأي الدين، ...الخ

هناك عدد من الأساليب المولدة المعاصرة، منها ما هو صادر عن حسن نية، لتحبيب الإسلام إلى نفوس الشباب، ومنها ما هو استجرار بلا تفكير، ليظهر قائله فضل اطلاع لديه، ومنها ما هو عن سوء سريرة لهضم الإسلام، وكسر حاجز النفرة بينه وبين المذاهب، والتموجات الفكرية المعاصرة، وعلى أي كان السبب فإن الإسلام: لباس وحقيقة، ولباس التقوى ذلك خير، فيتعين على المتكلم، والكاتب، والمؤلف، أن لا يضغط على عكدِ اللسان، ولا يجعل سن القلم على القرطاس، إلا فيما يتسع له لسان الشرع المطهرة، وأن يبتعد عن الأساليب المنابذة له، ومن هذه الألفاظ:

1- "عالمية الإسلام": العالمية: مذهب معاصر يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المتباينة، وهذا المذهب باطل ينسف دين الإسلام، بجمعه بين الحق والباطل، أي بين الإسلام وكافة الأديان، وحقيقته هجمة شرسة على الإسلام

فكيف نقول: عالمية الإسلام، فنخضع الإسلام لهذا المذهب الفكري العدو الكاسر على الدين؟

ألا فلنقل "الإسلام والعالمية" لنظهر فضل الإسلام، ونحط إلى القاع ما دونه من مذاهب ونحل محاها الإسلام.

والفرق أيضاً أنا إذا قلنا: "عالمية الإسلام"؛ أشعرنا السامع أن الإسلام عالمي يخضع لهذا المذهب، أما إذا قلنا: "الإسلام والعالمية" فنحن نتبين دين الإسلام وحكمه على هذا الاتجاه الفكري الجديد أو القديم.

وكما أنه لا يجوز أن نقول: "اعتزالية الإسلام"، ولا: "أشعرية الإسلام"، ولا: "جهمية الإسلام"، فكذلك لا يجوز أن نقول: "عالمية الإسلام"، "ديمقراطية الإسلام"، "اشتراكية الإسلام"، وهكذا فليتنبه.

2- "تطور الفقه الإسلامي": الفقه الإسلامي ثابت لا يتطور؛ لأنه بنفسه يتلاقى مع جميع ظروف الحياة في كافة الأزمان، والأماكن، وإنما يقال: "الفقه الإسلامي والتطور".

وتلك الدعوة إلى "تطور الفقه الإسلامي" حقيقتها خروج عليه فليتنبه.

3- "موقف الإسلام من كذا": كقولهم: الربا وموقف الإسلام منه، السرقة وموقف الإسلام منها، وهكذا، وهذا التعبير فيه استصغار للإسلام، كأن السرقة شيء كبير أمام الإسلام، وكأن أحكامه نحوها فيها ما فيها فهي تنبئ عن الاعتذار والتبرير.

لماذا لا نقول: حكم الإسلام في الربا؟ وهكذا من المصطلحات المولدة الفاسدة.

4- "رأي الدين": الرأي في أساسه مبني على التدبر والتفكر ومنها قولهم: "رأي الدين"، "رأي الإسلام"، "رأي الشرع"، وهي من الألفاظ الشائعة في أُخريات القرن الرابع عشر الهجري وهو إطلاق مرفوض شرعًا، لأن "رأي" إذا تجاوزنا معناها اللغوي: "رأى البصيرِيَّة" إلى معناها اللغوية الآخر "رأى العلميَّة" والرأي يتردد بين الخطأ والصواب؛ صار من الواضح منع إطلاقها على ما قضى الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا يقال فيه: "دين الإسلام" "إن الدين عند الله الإسلام" والله سبحانه يقول {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: من الآية36].

فتشريع الله لعباده يقال فيه: حكم الله، وأمره ونهيه وقضاؤه، وهكذا، وما كان كذلك فلا يقال فيه "رأي" والرأي مدرجة الظن والخطأ والصواب.

أما إذا كان بحكم صادر عن اجتهاد فلا يقال فيه: "رأي الدين" ولكن يقال: "رأي المجتهد" أو "العالم)"، لأن المختلف فيه بحق يكون الحق فيه في أحد القولين أو الأقوال.

وانظر بحثًا مهمًا في كتاب "تنوير الأفهام لبعض مفاهيم الإسلام" للشيخ محمد بن إيراهيم شقرة.

ومنها: "الفكر الإسلامي"، و"الفكرة الإسلامية" بمعنى الإسلام؟؟!

وكيف يصح أن يكون الإسلام ومصدره الوحي "فكرًا"، و"الفكر" هو ما يفرزه العقل، فلا يجوز بحال أن يكون الإسلام مظهرًا للفكر الإنساني؟

والإسلام بوحي معصوم والفكر ليس معصومًا، وإذا كان بعض الكاتبين أدرك الخطأ في هذا الاصطلاح فأبدله باصطلاح آخر هو:

"التصور الإسلامي"، فإنه من باب رفع آفة بأُخرى؛ لأن التصور مصدره الفكر المحتمل للصدق والكذب.

وهذه المصطلحات المولَّدة، جميعها تعني الكلمة الأجنبية "الأيدلوجية" بمعنى الأصول الإسلامية.

فعلى المسلمين نبذ الاصطلاحات المولدة الركيكة في معناها ومبناها، والتي تقطع الصلة بحبل العلم والإيمان. 

ومنها قولهم: "أسلمة العلوم"، "وأسلمة المعرفة"، وقولهم "أسلمة الطب"، وهكذا.

وهذا استعمال مولد حادث، لا أحسبه في لسان العرب، ولم تفُهْ به العلماء، وهو من لغة الجرائد، وأقلام أحلاس المقاهي، فهم يريدون بذا التعبير السمج "جعل العلوم إسلامية" فقالوا: "أسلمة العلوم".

واشتقاق هذه المادة "سلم" ومنه "الإسلام" بمعنى الصحة والعافية يأبى هذا: اشتقاقًا ونحتًا، ويأبى المنحوت ومن أين كان نحتًا؟ ومعلوم أن النحت لا يكون إلا من كلمتين فأكثر.

والعلم هو العلم، والحقائق هي هي، والعلم الشرعي الخالي من الدخل والدخن لا يكون في الميدان إلا على يد وارث علم النبوة "العالم المسلم" فإذا وُجِد العلماء العاملون قدموا للأُمة "العلوم والمعارف الإسلامية". فانظر كيف قفزوا إلى النتيجة، وتخلَّوْا عن القاعدة، فإلى الله الشكوى من تناقض أهل عصرنا، وسرعة تلقفهم لكل جديد قبل اختباره لغة وشرعاً، والله المستعان.

 

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام

بكر بن عبد الله أبو زيد

عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية سابقاً ورئيس المجمع الفقهي الدولي ... رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه ولمشايخه ولتلامذته ولمحبيه.

  • 0
  • 0
  • 2,006
المقال السابق
(9)
المقال التالي
(11)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً