تدبر - [227] سورة الحج (1)

منذ 2014-07-28

... لا بُدَّ من تفريق بين أحوال الناس والتنويع بين لغة الخطاب بما يناسب طبيعتهم. إن ما يناسب المتبوع المُجرِم الثاني عطفه مُتعاليًا ويلوي عنقه مُستكبِرًا ورافضًا لمجرد النقاش والدعوة؛ والذي هو رأس داعي لضلاله وقائد موجه في باطله ليس أبدًا كالذي يناسب التابع المُقلِّد الذي قد لا يعي تفاصيل الأمور وربما هو أحوج ما يكون لبيان ومنطق يأخذ بيده إلى الحق الذي قد حجبه عنه متبوعه..

والناس مختلفون وفي طبائعهم متفاوتون..

ولكل طبيعة مختلفة أسلوب يناسبها..

ولقد راعى القرآن ذلك التباين والتفاوت في خطابه بشكلٍ ملحوظ..

تأمَّل ذلك الفارق بين الخطاب القرآني في حال المتبوع المُستكبِر وفي حال التابع المُقلِّد..

تجد ذلك التابع المُقلِّد الذي يسير خلف كل شيطان مُضِل قد تم ترهيبه من ذلك الاتباع وتحذيره من مشاركته مصير متبوعه في نهاية الأمر، ثم تلى ذلك حديث منطقي بديع لدحض شبهات البعث والنشور والاستدلال بخلق الإنسان من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، وأيضًا ضرب المثال بالأرض الهامدة التي تهتز وتُنبِت من كل زوج بهيج حين يُصيبها الماء..

حديثٌ مُقنِع يخاطب العقول والقلوب ويوقظ الأفهام مع المشاعر مُثبِتًا حقيقة أن: {اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [ [الحج من الآية:6-7]..

بينما في حال المتبوع المستكبِر الذي يُضِل الناس عن سبيل الله بغير علم ولا هدىً فيقتدون بضلالته ويتبعون باطله تجد الحديث مختلفًا..

تجد مع ذلك الصنف ترهيبًا خالِصًا وتخويفًا مٌزلزِلًا من ذلك المصير المرعب الذي ينتظره في الدنيا والآخرة..

{لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ . ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [الحج من الآية:9-10]

هذا الفارق الواضح في الخطاب القرآني للمتبوع والتابع يبين مسألة مهمة وهي أن فكرة النموذج الخطابي الثابت للجميع هي فكرة غير صحيحة ولا يُتوقع أن تؤتي نفس الثمرة مع الجميع..

لا بُدَّ من تفريق بين أحوال الناس والتنويع بين لغة الخطاب بما يناسب طبيعتهم..

إن ما يناسب المتبوع المُجرِم الثاني عطفه مُتعاليًا ويلوي عنقه مُستكبِرًا ورافضًا لمجرد النقاش والدعوة؛ والذي هو رأس داعي لضلاله وقائد موجه في باطله ليس أبدًا كالذي يناسب التابع المُقلِّد الذي قد لا يعي تفاصيل الأمور وربما هو أحوج ما يكون لبيان ومنطق يأخذ بيده إلى الحق الذي قد حجبه عنه متبوعه..

قد يشتركان في المصير الأخروي إن أصرًا على ما هم فيه لكن ذلك شيء لا يعلم مآله إلا الله الذي هو وحده يعلم غيب مصير العباد ومآل كسبهم ومن منهم سيؤوب ويتوب من سيُصِر فيموت على ذلك..

لذا.. وجب على المصلحين المتدبرين في كتاب الله أن يحاولوا قدر وسعهم التفريق في خطابهم بين صنوف الناس ومخاطبة الناس بما يناسبهم، وبما يعقلونه ذلك إن كانوا فعلًا حريصين على تغييرهم للأفضل والإصلاح ما استطاعوا وما توفيقهم إلا بالله.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,841
المقال السابق
[226] سورة الأنبياء (11)
المقال التالي
[228] سورة الحج (2)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً