غزة تحت النار - (47) تضامنٌ غربي وجحودٌ عربي

منذ 2014-08-01

تنقُل إلينا وسائل الإعلام المختلفة حملاتِ تضامنٍ أجنبيةٍ، تتضامن مع قطاع غزة، وتقف إلى جانب سكانه، تُؤيدهم في مقاومتهم، وتُنصفهم في شروطهم ومطالبهم، بينما تقف الدول العربية بأنظمتها البوليسية الأمنية، وهي العربية المسلمة، الجارة القريبة، ساكتة صامتة لا تُحرِّك ساكنًا، ولا تنطِق ولا تشجب ولا تستنكِر، ولا تنتصِر ولا تساعِد ولا تناصِر، ولا تغضب ولا تثور ولا تنتفض، ضعيفة مهينة عاجزة، مضحكة مبكية مثيرة للحزن والأسى، وتبعث على السخرية والتهكُّم والاستهزاء، تتناولها الكلمات بالغمز واللمز والتلطيش، بالتصريح أو التلميح، ولكنها ميتة لا حياة فيها، بليدة لا تحسّ، غبية لا تفهم، وسفيهة لا تعي، تنتصِر للعدو وتقف معه، وتُبرِّر فعله، وتقف ضد أبناء أمتها وتُعارِضهم، وتُحاصِرهم وتُعاقبهم، وتمنع الانتصار لهم، وتُعاقِب من يُفكِّر في مساعدتهم وتقديم العون لهم.

تنقُل إلينا وسائل الإعلام المختلفة حملاتِ تضامنٍ أجنبيةٍ، تتضامن مع قطاع غزة، وتقف إلى جانب سكانه، تُؤيدهم في مقاومتهم، وتُنصفهم في شروطهم ومطالبهم، وتُؤمن بعدالة قضيتهم، وشرف ونُبل مقاومتهم، وتُناصر الفلسطينيين عمليًا، وتُساندهم فعليًا، وتُساعدهم بقوانينها الوطنية، وتُسهِّل التعامل معهم، وتُؤازرهم في منظمة الأمم المتحدة ومختلَف مؤسساتها الدولية، رغم أنها ليسوا عربًا ولا مسلمين، ولا يعيشون قريبًا مِنَّا ولا في الجوار، بل تفصِلنا عنهم بحارٌ محيطات، ودولٌ وآلاف الأميال.

بينما تنتقِد وتعارض الحكومة الإسرائيلية، وتصف أعمالها بأنها إجرامية وعدوانية، وبعضهم يصفها بأنها إرهابية ومخالفة للقوانين، وأنها دولة عنصرية فاشية، تجاوزت الأخلاق والمُثل الإنسانية، ودعا بعضهم إلى مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات التي تربط بلادهم بالكيان الصهيوني، وتُنظِّم مختلَف العلاقات معهم.

ودعا آخرون إلى وجوب مقاطعة الكيان الصهيوني، ووقف كل أشكال التعاون معه، بل وفرض عقوباتٍ مشدَّدة عليه، لمنعه من مواصلة عدوانه، وإجباره على الخضوع للقانون الدولي، والموافقة على الشروط والمطالب الفلسطينية، التي يرون أنها مطالب مُحِقَّة، وهي مطالبٌ إنسانية وعادية، يصعب على المجتمع الدولي أن يرفضها أو أن يتنكَّر لها، إذ هي حق الشعوب كلها، التي لا يمكن مصادرتها أو السكوت على ضياعها.

وهي حملاتُ تضامنٍ رسمية، تقوم بها أنظمة وحكومات، ويُعبِّر عنها رؤساء ووزراء، وهي بالتأكيد تختلف عن الحملات التضامنية الشعبية، التي هي كثيرةٌ وعديدة، وناشطة وفاعلة، ومؤثرة وضاغطة، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى الحملات الرسمية، التي ينشأ عنها تغييراتٌ وإجراءاتٌ، ومواقف وسياسات، كما لا يستطيع العالم أن يغض الطرف عنها، أو أن يمتنع عن الاستماع إليها، إذ أنها مهما كانت خافتةً فإنها تبقى قوية، وأيًا كانت الدول الصادرة عنها صغيرة أو ضعيفة أو بعيدة أو قليلة التأثير، فإن لها صدىً كبيرًا، ووقعًا قاسيًا على الكيان الصهيوني، وعلى صُنَّاع القرار الدولي، وسيكون لها دورٌ في تحريك الرأي العام الدولي، وتغيير المزاج الشعبي، وكشف حقيقة العدو الصهيوني وفضح ممارساته.

لم تقتصر المواقف الدولية المستنكرة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وبوليفيا وتشيلي وبنما وغيرهم من دول أمريكا اللاتينية، وهي التي تبعُد عن فلسطين آلاف الأميال، وتختلف عن أهلها لِسانًا ودِينًا وشكلًا، وعادةً وتقاليد وأحوالًا، بل سارعت دولة جنوب أفريقيا والهند إلى استدعاء سفرائهم لدى الكيان الصهيوني للتفاهم، وطالبوا المجتمع الدولي بممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، لوقف إطلاق النار، ووجوب احترام القوانين الدولية، ولرفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وأعربوا عن قلقهم العميق إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية، وزيادة أعداد الضحايا المدنيين.

أما في أوروبا فقد سارع وزير خارجية بلغاريا إلى توجيه النقد إلى الحكومة الإسرائيلية، داعيًا إِيَّاها إلى وقف كافة عملياتها العسكرية، وذكرها بأن العدوان على قطاع غزة لن يجلب لها الأمان، ولن يحل مشكلتها مع الفلسطينيين، وأن ما ترتكبه بحق الفلسطينيين يرقى إلى مستوى الجريمة الإنسانية.

أما رئيس المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك فقد دعا زعماء أوروبا إلى ضرورة التحرُّك العاجل لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وذكرهم بالمذابح التي تعرَّض لها الشعب البوسني، وأنها تشبه كثيرًا ما يتعرَّض له الفلسطينيون اليوم، وأن المجتمع الدولي الذي كان شريكًا في ارتكابها بصمته وتخاذله وتأخره في التدخل الفاعل في الوقت المناسب، فإنه اليوم شريكٌ في هذا العدوان، ما لم يُعجِّل في التحرُّك الفاعل.

كثيرةٌ هي الدول الأوروبية والغربية التي استدعت سفراء الكيان الصهيوني لديها، وسلَّمتهم مذكرات احتجاج رسمية، ومنهم من استخدم مفرداتٍ قاسية في العُرف الدبلوماسي، في إشارةٍ إلى رفضهم التام للسلوك الإسرائيلي، وعدم اقتناعهم بالمبرِّرات الأمنية التي تسوقها حكومتهم، وأنهم لا يقبلون بأقل من الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأولها حقه في الحياة الحرة الكريمة، بلا حصارٍ ولا تضييق.

كما أعلنت أحزابٌ أوروبية مشاركة في الحكم أو معارضة، ومنها إسبانية رفضها التام للعدوان الإسرائيلي، وطالبت المجتمع الدولي أن يقوم بخطواتٍ عملية لوقف العدوان، والانتصار للشعب الفقير المحاصر، واستنكرت الأحزاب الإسبانية بشدة موقف جامعة الدول العربية، واتهمتها بأنها متواطئة وراضية، واعتبرت أن مواقفها لا ترقى إلى درجة الجدية والمسؤولية، وأنهم يُعلِنون تضامنهم مع الضحايا الفلسطينيين لكن على استحياءٍ شديد، بما لا يغضب الإسرائيليين أو يُغيِّر من سلوكهم، وأنهم لا يعملون شيئًا لإنقاذ الفلسطينيين والوقوف معهم.

إنه لأمرٌ محزنٌ جدًا أن يجد الفلسطينيون نُصرتهم بعيدًا وراء البحار، ومن دولٍ وحكوماتٍ لا تعرِف العربية، ولا تدين بالإسلام، ولا تعرِف الوجوه، ولا تحفظ الأسماء، ولا يربطها مع الفلسطينيين سوى الإنسانية والقيم الثورية، ولكنها تثور على الظلم، وتنتصِر للحق، ولا تتردَّد في استنكار الباطل، وشجب العدوان، ولو جاء من دولةٍ يرعاها المجتمع الدولي، ويكفل وجودها، ويضمن تفوقها، ويرعى عدوانها.

بينما تقف الدول العربية بأنظمتها البوليسية الأمنية، وهي العربية المسلمة، الجارة القريبة، ساكتة صامتة لا تُحرِّك ساكنًا، ولا تنطِق ولا تشجب ولا تستنكِر، ولا تنتصِر ولا تساعِد ولا تناصِر، ولا تغضب ولا تثور ولا تنتفض، ضعيفة مهينة عاجزة، مضحكة مبكية مثيرة للحزن والأسى، وتبعث على السخرية والتهكُّم والاستهزاء، تتناولها الكلمات بالغمز واللمز والتلطيش، بالتصريح أو التلميح، ولكنها ميتة لا حياة فيها، بليدة لا تحسّ، غبية لا تفهم، وسفيهة لا تعي، تنتصِر للعدو وتقف معه، وتُبرِّر فعله، وتقف ضد أبناء أمتها وتُعارِضهم، وتُحاصِرهم وتُعاقبهم، وتمنع الانتصار لهم، وتُعاقِب من يُفكِّر في مساعدتهم وتقديم العون لهم.
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,301
المقال السابق
(46) صيحةٌ في وادي العرب!
المقال التالي
(48) اليوم الأكثر سخونةً والأشد صعوبة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً