تدبر - [271] سورة الشعراء (7)

منذ 2014-08-02

وغالبًا لا يعترِف المُستبِدُّ على الملأ بأنه مُستبِدّ..

بل ربما ارتدى ثياب المُصلِح، أو تدثَّر بدثار الواعظ المُشفِق، أو تستَّر برداء المشاور المتقبِّل لرأي غيره الحريص على مشاركة عبيده القرار..

وليس أدلّ على ذلك التستر وأنه سلوك مُعتاد من الطغاة مما فعل فرعون إمام الطغاة ونبراس المُستبدِّين، حين تدثر بدثار المشاورين المتقبلين لآراء الآخرين فقال: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء من الآية:35]..

فالمُستبِدّ يحلو له اكتمال المنظر وتمام الزينة، فيُبدي من قوله ما يُخالِفه بعمله، ويظهر من حرفه ما يُكذِّبه فعله؛ لكنه يظل في النهاية مُستبِدًّا طاغيًا وإن تجمَّل وتزيَّن، فإنه تجمل لإتمام زينة المشورة الصورية، ولإكمال قشرة الموضوعية الزائفة، وهو يجمع حوله من يَصلحون لتلك المهمة الرخيصة ممن لم يلحظوا أنه قد حكم ابتداء وقرَّر دون بيِّنةٍ أو دليل أن عدوَّه ساحرٌ أو مُفرِّقٌ لجمع الأمة مريد لإخراج أهلها منها {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ . يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ} [الشعراء من الآيتين:34-35]..

أليس هذا حكمٌ قد صدر وقرارٌ قد اتُخِذ؟!

فما قيمة قوله {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} إلا إكمال الزينة والصورة الفارغة للحاكم الحريص على الشورى..!

وحين الجد فإنه يُقرِّر البطش..

{إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} [الشعراء:54]..

هكذا حقَّرهم وسفَّه من شأنهم أمام قومه..!

وهكذا قرَّر مرةً أخرى أن يحكم عليهم بكلمة..!

ثم جاء وقت التحريض..!

إنه لم يزل بعد حريصًا على أن يبدو في مظهر الحريص على الجماعة والذي لا يتخذ قرارًا بمفرده..

{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء:55]..

{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:56]..

لقد تحدَّث بلسانهم وسيطر على أفكارهم بشكلٍ جماعي من خلال الحديث بتلك الصيغة الجماعية - التي تبث في الشعب أنهم جميعًا لهم نفس القرار والرؤية والحقيقة أنه ما أراهم إلا ما رأى وما هداهم إلا سبيل الضلال..!

ويا ليتها حتى كانت خُطبة عصماء طويلة..

إنها بضع كلمات تأثيرية خدع بها شعبًا من المستخفِّين الذين استحقوا ذلك الخِداع فقد كانوا كما قال الله فيهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]..
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 3,080
المقال السابق
[270] سورة الشعراء (6)
المقال التالي
[272] سورة الشعراء (8)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً