تدبر - [286] سورة القصص (6)

منذ 2014-08-03

{خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص من الآية:21]..

هكذا كان حاله حين خرج منها..

لا يأمن على نفسه..

مطارَدًا مُستهدفًا مهدور الدم..

طريقٌ طويل من مصر إلى أرض مدين وصحراء قاحلة عبرَها وحده..

تُرى هل سيلحقوا به؟

هل ستمضي مؤامرتهم لقتله والخلاص منه؟!

وكيف سيعيش هنا..؟!

وأين المأوى ومصدر الرزق وهو الذي عاش حياته لا ينشغل بكل ذلك وقد كان في مكانة أمير في البلاط الملكي..

الآن هو طريدٌ شريدٌ بلا مأوى أو ملاذ..

الأمور صارت معقَّدة والأسباب تكاد تكون مغلقة..

ما هذا التجمُّع الذي يبدو من بعيد؟

أخيرًا سيشرب إذن..

بعد تلك الرحلة الطويلة ها هو ماء مدين يتزاحم عليه الناس..

لم تزل به قوة وعنفوان رغم الرحلة الشاقة التي دامت أيامًا وليال..

سيستطيع أن يرتوي ويملأ سقاءه..

لكن مهلًا..!

ما لهاتين الفتاتين تذودان..

ضعيفتان هما لا تستطيعان مزاحمة الرعاء الذين لم يرحموا ضعفهما..

ما الذي يدفع بامرأتين لهذه المخاطرة وتلك المهمة القاسية..

- {مَا خَطْبُكُمَا

- {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص من الآية:23]..

إذن فهذا هو السر..

الأمر اضطراري والمهمة القاسية لا مناص عنها..

وإن المروءة خصلة متجذرة فيه والشهامة طبع لا يفارقه..

ها هو يزاحم الرعاة الغلاظ الشداد ويتحمّل تدافعهم رغم إرهاقه الشديد بعد عناء السفر..

لم تمضِ دقائق إلا وقد عاد بسقاء الفتاتين ممتلئًا عن آخره..

انصرفت المرأة وأختها في حياءٍ ممتن..

الآن قد اجتمعت كل عوامل الإرهاق والنصب البدني جنبًا إلى جنب مع هموم الإغلاقات التي تتكالب عليه..

إغلاقات لم تتسرَّب إلى قلبه المترع بأمل في الله..

ها هو يتولى إلى الظل في تسليم وافتقار وعلى لسانه مناجاة لا يملك غيرها في تلك الظروف القاسية..

{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص من الآية:24]..

إلى غناك هو مفتقر..

وإلى قوتك هو ضعيف..

وإلى فضل جودك وسعة رحمتك هو راغبٌ مضطر..

فهل تراك تخيب ظنه؟!

حاشاك حاشاك أن ترد سائلًا مُفتقِرًا..

ها قد جاء الفرج وهلَّ الخير على قدم الواردين..

ها قد جاء الفتح من عند خير الفاتحين..

فتح لكل المغاليق السابقة..

فتح في الأمن وفتح في الرزق وفتح في المأوى والسكن والمودة والرحمة..

فتح تحدوه خطوات حيية جاءت تحمل البشرى..

- {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص من الآية:25]..

فتح لمغلاق الرزق الآني هو إذن ذلك الذي تُبشِّر به تلك الفتاة الحيية..

- {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص من الآية:25]..

فتحٌ لمغلاق الأمن يُتبدى من كلمات الرجل الصالح والد الفتاتين وقد سمع منه القصص وأدرك ما ألمَّ به من الظلم فأمنه وطمأنه..

- {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص من الآية:27]..

لن تعود وحيدًا يا موسى فقد جاء فتح المودة والرحمة والسُكنى لزوج حيية أكرمك الله بها وفتح لك..

- {عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} [القصص من الآية:27]..

عقد هو إذًا..

وظيفة مستقِّرة وعمل ثابت لسنوات تحددها أنت يا موسى..

أيُّ فتح هذا وأيُّ فضل..!

منذ ساعات كنت خائفًا تترقَّب تأوي إلى الظل مفتقرًا..

الآن قد أجرت وزوجت ووظفت وأمنت ونجوت..

وفتح لك..

لأنه الفتاح..

الفتاح الذي يفتح مهما بلغت المغاليق ويُفرِج مهما ضاقت واستحكمت حلقاتها..

يفتح حتى لو ظن كل الخلق أنه لا يفتح أبدًا..

حتى لو بلغ الاستيئاس مبلغه وظن الرسل أنهم قد كذبوا وتقطعت بهم الأسباب فإنه يفتح..

إنها الصفة التي تتجلى في تلك النهايات السعيدة..

نعم..

مع الفتاح النهاية سعيدة في الدنيا أو في الآخرة..

كربات وأحزان وتضييقات وإغلاقات ثم يأتي الفتح من خير الفاتحين فتزول جميعًا بإذنه ومِنه..

المهم أن يعاملك بالفتح..

فإذا فتح كان فتحه مبينًا عظيمًا..

فاللهم فتحك ونصرك ونورك وبركتك وهداك.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 0
  • 6,186
المقال السابق
[285] سورة القصص (5)
المقال التالي
[287] سورة القصص (7)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً