غزة تحت النار - (57) ارفع رأسك، أنت في غزة

منذ 2014-08-10

طوبى لمن انتسب إلى غزة دمًا، أو انتمى إليها قربى، أو ارتبط بها وطنًا، أو تعلَّق بها أملًا، أو دعا لها رجاءً، أو سكنها بلدًا، أو عبرها زائرًا، أو دخلها متضامنًا مساندًا، أو تمنى أن يكون من بين أهلها مقاتلًا، وفي أحيائها صامدًا، أو أرسل إليها دواءً علاجًا، أو مالًا عونًا، أو دعمًا نصرةً، أو أيَّدها كتابًا، أو ناصرها خطابًا، ووقف معها ثابِتًا مؤيدًا، لا يخاف غول السلطات، ولا بطش الأنظمة والأجهزة.

بكلِ فخرٍ واعتزاز، وزهوٍ وكرامةٍ وانتعاش، نرفع الرأس عاليًا ونفاخر، ونقف شامخين بين الأمم ونجاهر، وبعالي الصوت أمام العالمين نصدح، أننا إلى غزة ننتمي، وإليها ننتسب، وفوق أرضها نعيش، ومن مائها نرتوي، وتحت سمائها نستظل، وبين شعبها نعيش، وفي ثراها ندفن، ومنها نبعث، فهي مِنَّا ونحن منها، تربطنا بها وشائج قربى، ونياط قلب، وأواصر محبة، هي قلبٌ من الوطن، وجزءٌ من الأرض، اعتاد الثورة، وتعود على الانتفاض، يرفض الضعف والصغار، ويأبى أن يُستذل أو يُهان، ولا يسكت على الضيم والاعتداء، ولا يتردَّد في الثأر والانتقام، والثورة ورد الاعتبار.

غزة اليوم تُمثِّلنا وتُعبِّر عنَّا، وتنطق باسمنا، وتتحدَّث بالنيابة عَنَّا، قد فوضناها يوم أن قاتلت، وأيَّدناها عندما صبرت، وكُنَّا لها جُندًا وعونًا، ننصرها ونُسانِدها، فصوتها المقاوم صوتنا، وثباتها على الأرض في مواجهة العدو هو من ثباتنا، وانتصارها لنا انتصارٌ، وهو كسبٌ جديدٌ نضيفه إلى سجلاتنا، وصفحةٌ ناصعةٌ نعتز بأن تكون ضمن سفر نضالنا، وكتاب جهادنا، وحياة شعبنا.

فيا أيها الفلسطينيون في كل مكانٍ، في الوطن والشتات، تيهوا اليوم وافخروا بغزة، فهي مدينتكم القديمة، وحاضرة البحر العريقة، وبلدة العرب العتيقة، ممر التجار، ومعبر الرحالة والمحاربين، أمَّها جدُ نبيكم الأكرم، الهاشمي الاسم والنسب، فحملت من بعده نسب النبي صلى الله عليه وسلم وشرف الدوحة الهاشمية، فكانت غزة هاشم، مسكن الجبابرة، وأرض العظماء، ومقتل الغزاة المعتدين.

فيا غزة تيهي اليوم وافخري، وتزيني بأبهى حلة، وطلي على العالمين بأجمل طلة، فأنت اليوم زهرةٌ وبسمة، وأملٌ ورجاء، أنت الغد المُشرِق، والمستقبل الزاهر، فرغم الدماء التي تتسربلين فيها، والدموع التي تنسكب على خدود النساء، وتملأ مآقي الرجال، وتنحبس مؤلمةً في عيون المقاومين الأبطال، ورغم ما أصابك من قرحٍ مؤلم، وجرحٍ غائر، غيب المئات من أهلك، وأقعد الآلاف من سكانك، وأحزن أهلك تدميرُ بيوتها، وخرابُ مساكنها، وضياعُ ما كان لها من متاعٍ وأرزاق، إلا أن غزة اليوم تفخر عِزَّة، وتنتفض كرامة، وترفع الرأس كبرياءً، لا تطأطئ الرأس للعدو، ولا تحني الهامة له ذلًا، ولا ترتعد منه جزعًا، ولا تجبن عن لقائه خوفًا، بل تقف أمامه بكبرياء الواثقين، وإيمان المنتصرين، لا تخاف من سلاحه، ولا تهرب من قصف دباباته وطائراته.

أيها العرب ويا أيها المسلمون، إنها غزة، مدينتكم الصامدة، وقطاعكم الحبيب، الذي راهنتم عليه وأملتهم فيه، فما خيب رجاءكم، وما ضيع آمالكم، وما أهدر أموالكم، ولا بعثر عونكم، ولا فرَّط في مساعداتكم، فكان عند حسن ظنكم به، صدق الله قلبه فصدقه وعده، فجهَّز بمالكم مقاومته، وأعد سلاحه، ودرب رجاله، وطور من قدراته، وأبدع في قتاله، وابتكر في وسائله وطرقه، حتى غدا القطاع بكل أهله جيشًا لا يهزم، وإرادةً لا تُرد، وبأسًا لا يهون، وعزمًا لا يفل.

يحق لنا أيها العرب والمسلمون، ويا أيها الفلسطينيون، ويا كل الثائرين الغيارى، أن نعتز بالصامدين في غزة، الثابتين على ثراها، القابضين على الجمر، والعاضين على الجرح، لا يبكون ولا يئنون، ولا يصرخون ولا يفجرون، بل يدعون الله للمقاومة أن ينصرها، ويسألونه أن يحفظها، ويقولون للعدو أننا معها، لن نُسلِمها ولن نخذلها، ولن نُفرِّط فيها ولن نتخلى عنها، إنها سلاحنا وعدتنا، وهي سبيلنا وطريقنا، عليها سنمضي، وعلى طريقها سنواصل، إذ النصر في ركابها، والعِزَّة في سلاحها، فلا تهنوا في نصرتها، ولا تتردَّدوا في دعمها.

طوبى لمن انتسب إلى غزة دمًا، أو انتمى إليها قربى، أو ارتبط بها وطنًا، أو تعلَّق بها أملًا، أو دعا لها رجاءً، أو سكنها بلدًا، أو عبرها زائرًا، أو دخلها متضامنًا مساندًا، أو تمنى أن يكون من بين أهلها مقاتلًا، وفي أحيائها صامدًا، أو أرسل إليها دواءً علاجًا، أو مالًا عونًا، أو دعمًا نصرةً، أو أيَّدها كتابًا، أو ناصرها خطابًا، ووقف معها ثابِتًا مؤيدًا، لا يخاف غول السلطات، ولا بطش الأنظمة والأجهزة.

طوبى لمن أحب غزة وتعلَّق بها، وسهر من أجلها، وعمل لصالح أهلها، وجهَّز مقاتليها، وعمَّر بماله بنادق رجالها، واشترى حرًا بما يملك صواريخًا يطلقها جهادًا باسمه على العدو ليدحرهم، وعلى المستوطنين ليردعهم، فيكون له في المعركة سهمٌ يباري به الآخرين، ويفخر به بين العالمين، ويتيه شكرًا لله أن له في هذه الحرب نصيبًا، وأنه في النصر شريك، فقد غرس في ترابها اسمه، وزرع في أرضها نسبه، فكان من الخالدين نذكرهم، ومن الباقين الذين لا ننسى بين الناس دومًا ذكرهم.

غزةٌ الشرارة ومنها الانطلاقة، وهي البداية والبوابة، ومقدمة الجيش وطلائع المقاومة، هي شوكةٌ لن تنكسر، وصخرةٌ لن تتحطَّم، وإرادةٌ لن تتزعزع، وقوةٌ لن تهزم، ورأسٌ عالٍ لن تنحني، وأهلٌ أباةٌ، وشعبٌ عصيٌ، وسكانٌ جبابرة، ورثة عمالقة، مسلمون ومسيحيون، معًا يصنعون النصر، ويرسمون خطوط الغد، الذي سيكون نصرًا وحرية، ووطنًا حرًا سيدًا ومستقلًا، وما ذلك على الله بعزيز.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,549
المقال السابق
(56) جيش العدو ينسحب من غزة
المقال التالي
(58) كتائبٌ تقاتل وإعلامٌ يقاوم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً