قيمتك في دين الله

منذ 2014-08-31

يجب أن تزن نفسك لتعلم ما قيمتك في دين الله تعالى وكم تساوي؟

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلّةٍ نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهْن؟ قال: «حبّ الدّنيا، وكراهية الموت» (رواه أبو داود:4297، وأحمد:22450). قال العظيم آبادي في شرح هذا الحديث: "ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل: ما يحمله السّيل مِن زبد ووسخ؛ شبّههم به لقلّة شجاعتهم ودناءة قدرهم".

فمن منطلق كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قيمة المسلم في دين الله ومن منطلق هذه القيمة يجب أن تزن نفسك لتعلم ما قيمتك في دين الله تعالى وكم تساوي؟

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصفه عبد الله من مسعود فقال: "كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمارته رحمةً، ولقد رأيتنا ما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا". هذه شهادة ابن مسعود فمن يشهد لك؟ وماذا قدمت لدين الله تعالى منذ إسلامك؟ وماذا فعلت من أجل الله تعالى؟ وهل كان إسلامك ذا قيمةٍ لدين الله تعالى؟ وهل توبتك والتزامك كان نصرًا، أم التزمتَ بمعاصيك وأطلقت اللحية وجعلتها تسترك من المعاصي؟! وأنتِ أختي الكريمة هل ارتديتِ النقاب وما زلتِ على ما أنتِ عليه من المعاصي وعدم غض البصر؟!! فما وزنك إذن يوم توبتِك؟

وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما يرويه نافِعٍ، عنِ ابْنِ عمر، وزيْدِ بْنِ أسْلم، عنِ ابْنِ عمر، قال: قال عمر بْن الْخطّابِ رضِي اللّه عنْه يوْمًا:تمنّوْا! فجعلوا يتمنّوْن، فقالوا: تمنّ أنْت يا أمِير الْمؤْمِنِين، قال: أتمنّى أنْ يكون مِثْل هذِهِ الدّارِ رِجالا مِثْل أبِي عبيْدة بْنِ الْجرّاحِ. فقال: ما تمنّيْنا بعْد هذا قال عمر: لكِنِّي أتمنّى أنْ يكون مِلْء هذا الْبيْتِ رِجالا، مِثْل أبِي عبيْدة بْنِ الْجرّاحِ، ومعاذِ بْنِ جبلٍ، وحذيْفة بْنِ الْيمانِ، فأسْتعْمِلهمْ فِي طاعةِ اللّهِ (أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط:173).

هذا صاحب الفتح يعلم وزن الصحابة فاختار رجالا ليستعملهم في طاعة الله تعالى. فهل قائد الجيش يصطفيك من بين الرجال أم ستقف بالصف مثلك مثلهم ولعلك تفر من أمامه لعدم قيمتك؟

ولما أبطأ على عمرو بن العاص فتح مصر، كتب إلى عمر بن الخطاب يستمده، فأمده عمر بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل، وكتب إليه: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد. وأعلم أن معك اثنا عشر ألفًا، ولا يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة (رواه السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة).

فكم تساوي أنت من الرجال هل تساوي رجل أم نصف أم ربع؟ إن الكثير من الناس اليوم لا يمكن أن نطلق عليهم (رجال)؛ فالرجولة شهامةٌ ومروءة وقوة وشجاعة، وهناك فرق بين (الرجل) و(الذكَر) فتدبر!!

وها هو أبو دجانة رضي الله عنه فيما يرويه الزّبيْرِ بْنِ الْعوّامِ رضِي اللّه عنْه، قال: عرض رسول اللّهِ صلّى اللّه عليْهِ وآلِهِ وسلّم سيْفًا يوْم أحدٍ، فقال: «منْ يأْخذ هذا السّيْف بِحقِّهِ؟» فقمْت، فقلْت: أنا يا رسول اللّهِ، فأعْرض عنِّي، ثمّ قال: «منْ يأْخذ هذا السّيْف بِحقِّهِ؟» فقلْت: أنا يا رسول اللّهِ، فأعْرض عنِّي، ثمّ قال: «منْ يأْخذ هذا السّيْف بِحقِّهِ؟» فقام أبو دجانة سِماك بْن خرشة، فقال: أنا آخذه يا رسول اللّهِ بِحقِّهِ، فما حقّه؟ قال: «أنْ لا تقْتل بِهِ مسْلِمًا ولا تفِرّ بِهِ عنْ كافِرٍ»، قال: فدفعه إِليْهِ وكان إِذا أراد الْقِتال أعْلم بِعِصابةٍ، قال: قلْت: لأنْظرنّ إِليْهِ الْيوْم كيْف يصْنع؟ قال: فجعل لا يرْتفِع له شيْءٌ إِلا هتكه وأفْراه حتّى انْتهى إِلى نِسْوةٍ فِي سفْحِ الْجبلِ معهنّ دفوفٌ لهنّ فِيهِنّ امْرأةٌ، وهِي تقول: نحْن بنات طارِقٍ نمْشِي على النّمارِقِ إِنْ تقْبِلوا نعانِقْ ونبْسطٍ النّمارِق أوْ تدْبِروا نفارِقْ فِراق غيْرِ وامِقٍ قال: فأهْوى بِالسّيْفِ إِلى امْرأةٍ لِيضْرِبها، ثمّ كفّ عنْها، فلمّا انْكشف له الْقِتال، قلْت له: كلّ عملِك قدْ رأيْت ما خلا رفْعك السّيْف على الْمرْأةِ لمْ تضْرِبْها، قال : إِنِّي واللّهِ أكْرمْت سيْف رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليْهِ وآلِهِ وسلّم أنْ أقْتل بِهِ امْرأةً (المستدرك على الصحيحين:4968).

فهل إذا عرض عليك اليوم موقف كمثل هذا الموقف أكُنتَ تأخذ السيف؟ أكانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيختارك لرفع هذا السيف؟ وقبل أن تجيب.. عليك أن تتذكر حالك وتتأمل حياتك!!

وها هو على بن أبي طالب رضي الله عنه قال عنه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه -في سياق ذكره ليوم خيبر- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأعطين الراية رجلًا يُحب اللهَ ورسولَه، أو يُحبُه اللهُ ورسولُه». قال: فأتيت عليًّا فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينيه فبرأ، وأعطاه الرّاية (رواه مسلم:1807). فهل يمكن أن ينطبق عليكَ مثل هذا الوصف (يحبُ الله ورسوله)؟ وتذكر أن الحب ليس بالتمني والادعاء، وإنما الحب طاعةٌ ووفاء. وأنى لكَ أن ترفع الراية وأنت ما رفعت صوتك يومًا بكلمة الحق؟! وأنى لكَ أن ترفعها وما غضضت بصرك، وما التزمت بسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم؟

وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟» قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد» (رواه أحمد:3991). فهذه ساق ابن مسعود أثقل من جبل أحد! فكم تزن أنت؟

وأختم بذكر موقفٍ حدث بعد انتهاء غزوة أُحُد حيثُ أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى: أفيكم محمد‏؟‏ فلم يجيبوه‏.‏ فقال‏:‏ أفيكم ابن أبي قحافة‏؟‏ فلم يجبيبوه‏.‏ فقال‏:‏ أفيكم عمر بن الخطاب‏؟‏ فلم يجيبوه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم منعهم من الإجابة. ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم‏.‏ فقال‏:‏ أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال‏:‏ يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك‏.‏ فقال‏:‏ قد كان فيكم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني‏.‏ ثم قال‏:‏ أُعْل هبل‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «‏‏ألا تجيبونه‏؟» فقالوا‏: ‏فما نقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏‏ «قولوا‏:‏ الله أعلى وأجل‏‏‏».‏ ثم قال‏:‏ لنا العزّى ولا عزى لكم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «‏‏ألا تجيبونه‏؟» ‏‏ قالوا‏:‏ ما نقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏ «قولوا‏:‏ الله مولانا، ولا مولي لكم»‏‏‏.‏ ثم قال أبو سفيان‏:‏ أنْعمْت فعال، يوم بيوم بدر، والحرب سِجال‏.‏ فأجابه عمر، وقال‏:‏ لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار‏.‏

ثم قال أبو سفيان‏:‏ هلم إليّ يا عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «‏‏‏ائته فانظر ما شأنه‏؟» ‏‏‏ فجاءه، فقال له أبو سفيان‏:‏ أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدًا؟‏ قال عمر‏:‏ اللهم لا‏.‏ وإنه ليستمع كلامك الآن‏.‏ قال‏:‏ أنت أصدق عندي من ابن قمِئة وأبر (الرحيق المختوم).

والسؤال الآن هل لو وقف عدو من أعداء الله تعالى هل سيحمل همك ويسأل عنك ليطمئن للنصر؟ أم أنك من الغثاء الذي لا قيمة له ولا وزن؟!

أرى بأنه قد حان الوقت للوقوف مع النفس دقيقة صدق لنزن أنفسنا.. فهل لنا وزن في دين الله تعالى وقيمة؟ هل نستحق أن يُطلق علينا كلمة (رجال) أم نحن فقط من (الذكور)؟ وأنتِ يا أختي الكريمة هل بالفعل تجدي نفسك ذات قيمة وأنك مثل أمهات المؤمنين أم لا؟ وهل قدّمتِ لدين الله تعالى ما تفخرين به؟

فقط وقفة صادقة ونظرة متأنية.. حتى نصل إلى مبتغانا.

محمد عيسى

  • 9
  • 2
  • 12,051

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً