أخطاء في التوبة (2/1)

منذ 2014-09-09

هناك أخطاء في باب التوبة يقع فيها كثير من الناس، وذلك ناتج عن الجهل بمفهوم التوبة، أو التفريط وقلة المبالاة،

هناك أخطاء في باب التوبة يقع فيها كثير من الناس، وذلك ناتج عن الجهل بمفهوم التوبة، أو التفريط وقلة المبالاة، فمن تلك الأخطاء ما يلي:

- تأجيل التوبة: فمن الناس من يدرك خطأه، ويعلم حرمة ما يقع فيه، ولكنه يؤجل التوبة، ويسوّف فيها.. وهذا خطأ عظيم؛ لأن التوبة واجبة على الفور؛ فأوامر الله ورسوله على الفور ما لم يقم دليل على جواز تأخيرها. بل إن تأخير التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه. وقال ابن القيم رحمه الله: "المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخر، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة. وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة". فعلى العبد أن يعجل بالتوبة؛ لوجوب ذلك؛ ولئلا تصير المعاصي رانًا على قلبه، وطبعاً لا يقبل المحو، أو أن تعاجله المنية مصراً على ذنبه.

- الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه: فكثير من الناس لا تخطر بباله هذه التوبة؛ فتراه يتوب من الذنوب التي يعلم أنه قد وقع فيها، ولا يظن بعد ذلك أن عليه ذنوباً غيرها. وهذا من الأخطاء التي تقع في باب التوبة، والتي قلَّ من يتفطن لها؛ فهناك ذنوب خفية، وهناك ذنوب يجهل العبد أنها ذنوب. قال ابن القيم رحمه الله: "ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه، ومما لا يعلم؛ فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه. ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكناً من العلم؛ فإنه عاصٍ بترك العلم والعمل؛ فالمعصية في حقه أشد". ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» (رواه مسلم)، فهذا التعميم، وهذا الشمول؛ لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه، وما لم يعلمه.

- ترك التوبة مخافة الرجوع للذنوب: فمن الناس من يرغب في التوبة، ولكنه لا يبادر إليها؛ مخافة أن يعاود الذنب مرة أخرى. وهذا خطأ؛ فعلى العبد أن يتوب إلى الله، فلربما أدركه الأجل وهو لم ينقض توبته. كما عليه أن يحسن ظنه بربه جل وعلا ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه، وأنه تعالى عند ظن عبده به. ثم إن على التائب إذا عاد إلى الذنب أن يجدد التوبة مرة أخرى وهكذا...

- ترك التوبة خوفًا من لمز الناس: فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة، ولزوم الاستقامة، ولكنه يخشى لمز بعض الناس، وعيبهم إياه، ووصمهم له بالتشدد والوسوسة، ونحو ذلك مما يُرمى به بعض من يستقيم على أمر الله، حيث يرميه بعض الجهلة بذلك؛ فَيُقْصُر عن التوبة؛ خوفًا من اللمز والعيب. وهذا خطأ فادح؛ لأن هذا إنما هو ابتلاء وامتحان، ليمتحن أصادق هو أم كاذب.

- ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة، وذهاب الجاه والشهرة: فقد يكون لشخص ما منزلة، وحظوة، وجاه، فلا تطاوعه نفسه على إفساد ذلك بالتوبة، كما قال أبو نواس لأبي العتاهية، وقد لامه على تَهَتُّكه في المعاصي:

أتراني يا عتاهي *** تاركًا تلك الملاهي

أتراني مفسدًا بالنسك *** عند القوم جاهي

وقد يكون للإنسان شهرة أدبية، أو مكانة اجتماعية، فكلما هَمَّ بالرجوع عن بعض آرائه المخالفة للشريعة أقصر عن ذلك؛ مخافة ذهاب الجاه والشهرة. ولا ريب أن ذلك نقص في شجاعة الإنسان ومروءته، بل إن ذلك نقص في عقله، وعلمه، وأمانته. فالشهرة والجاه عرض زائل، وينتهي بنهاية الإنسان؛ فماذا ينفعه إذا هو قَدِمَ على ربه إلا ما قَدَّمَ من صالح عمله.

- التمادي في الذنوب اعتمادًا على سعة رحمة الله: فمن الناس من يسرف في المعاصي، فإذا زجر، وليم على ذلك قال: إن الله غفور رحيم، ولا ريب أن هذا الصنيع سفه، وجهل، وغرور؛ فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المسيئين، المفرطين المعاندين، المصرين. ثم إن الله عز وجل مع عفوه، وسعة رحمته شديد العقاب، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49، 50]. قال ابن القيم رحمه الله في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله: "وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته، ونصوص الرجاء" ثم قال: "وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما على انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتَّى إحسان الظن".

 

من كتاب: (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.

محمد بن إبراهيم الحمد

دكتور مشارك في قسم العقيدة - جامعة القصيم

  • 28
  • 0
  • 31,681

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً