للصدق معانٍ فهلم إليها

منذ 2014-09-10

ما أحوج مجتمعاتنا إلى الصادقين وما أثمن الصادق وأعظمه وسط الغثاء المتراكم قليل القيمة من البشر، قال الفضيل بن عياض: "ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب".

ما أحوج مجتمعاتنا إلى الصادقين وما أثمن الصادق وأعظمه وسط الغثاء المتراكم قليل القيمة من البشر.
قال الفضيل بن عياض: "ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب" (روضة العقلاء).

قال أبوحاتم في روضة العقلاء: "الصدق يرفع المرء في الدارين كما أنَّ الكذب يهوي به في الحالين ولو لم يكن الصدق خصلة تحمد؛ إلا أنَّ المرء إذا عرف به قُبل كذبه، وصار صدقًا عند من يسمعه؛ لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه حتى يستقيم له على الصدق، ومجانبة الكذب، والعيُّ في بعض الأوقات خير من النطق؛ لأنَّ كلَّ كلام أخطأ صاحبه موضعه، فالعيُّ خير منه".

وقال الغزالي في الإحياء: "الصدق يستعمل في ستة معان: صدق في القول، وصدق في النية والإرادة، وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل، وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق".

1- صدق اللسان:
وهو أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وصدق اللسان لا يكون إلا في الإخبار، أو في ما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو بالمستقبل، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه، وحقٌّ على كلِّ عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق، فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق، ولهذا الصدق كمالان، فالأول في اللفظ أن يحترز عن صريح اللفظ وعن المعاريض أيضًا إلا عند الضرورة، والكمال الثاني أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه.

2- صدق النية والإرادة:
ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا.

3- صدق العزم:
فإنَّ الإنسان قد يقدم العزم على العمل؛ فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالًا تصدقت بجميعه أو بشطره، أو إن لقيت عدوًّا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبال وإن قتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة، فكان الصدق ها هنا عبارة عن التمام والقوة.

4- صدق الوفاء بالعزم:
فإنَّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن، وهاجت الشهوات انحلت العزيمة، وغلبت الشهوات، ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23].

فقد روي عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشق ذلك على قلبه وقال: "أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينَّ الله ما أصنع"، قال: "فشهد أُحُدًا في العام القابل"، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: "يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال واهًا لريح الجنة إني أجد ريحها دون أحد"، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون؛ ما بين رمية وضربة وطعنة، فقالت أخته بنت النضر: "ما عرفت أخي إلا ببنانه"، فنزلت هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23].

5- صدق في الأعمال:
وهو أن يجتهد حتى لا تدلَّ أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به، لا بأن يترك الأعمال، ولكن بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر، وهذا مخالف ما ذكرناه من ترك الرياء، لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك، ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره، ولكن قلبه غافل عن الصلاة، فمن ينظر إليه يراه قائمًا بين يدي الله تعالى، وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته..

فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن إعرابًا هو فيه كاذب، وهو مطالب بالصدق في الأعمال، وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة السكون والوقار، وليس باطنه موصوفًا بذلك الوقار، فهذا غير صادق في عمله، وإن لم يكن ملتفتًا إلى الخلق ولا مرائيًا إياهم، ولا ينجو من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية، بأن يكون باطنه مثل ظاهره أو خيرًا من ظاهره.

6- الصدق في مقامات الدين:
وهو أعلى الدرجات وأعزها، ومن أمثلته: الصدق في الخوف والرجاء، والتعظيم والزهد والرضا، والتوكل وغيرها من الأمور.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • -1
  • 5,848

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً