شهادة التدريب على الحياة الزوجية

منذ 2014-10-13

كيف السبيل لحياة زوجية سعيدة؛ لا نقول تنعدم فيها المشاكل، بل تتقلص إلى أضيق الحدود.

تبدأ الحياة الزوجية بين العروسين الشابين مليئة بالود والصفاء والرحمة والمودة.. يتبادلان المعاملة بمنتهى الرقة والأدب والمعاشرة بالمعروف، ثم بعد مرور ما يمكن تسميته بـ(شهر العسل) الذي قد يطول أو يقصر، تطفو المشاكل على السطح ويبدأ موسم التأنيب والتوبيخ والشجار لأتفه الأسباب، ويأخذ كل واحد منهم مجهر السخط يسلطه على أخطاء شريك حياته، فإذا هي كأمثال جبال تهامة، ويصبح ما كان بالأمس القريب لمَمًا وصغائر، عيوبًا وكبائر. فتتحول الحياة إلى جحيم، ويضرب الأهل والجيران كفًا بكف مرددين القولة المشهورة: سبحان مبدل الأحوال.

فكيف السبيل لحياة زوجية سعيدة؛ لا نقول تنعدم فيها المشاكل، بل تتقلص إلى أضيق الحدود. يعامل فيها الزوج زوجه بأريحية وكرم وسخاء وأخلاق راقية، تذكر بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدبه مع أزواجه؟

لا توجد وصفات سحرية لعلاج هذا الإشكال ما دام أن العلاقات الزوجية هي علاقات إنسانية يتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو خلقي، وما هو تربوي بما هو نفسي، وما هو اقتصادي بما هو معيشي. لكن ترشح عدة اقتراحات ومبادرات من هنا وهناك لحل مثل هذه الإشكالات، منها ما تناقلته الأخبار من قيام بعض الدول المسلمة في جنوب شرق آسيا باشتراط حصول من يقبل على الزواج من الجنسين على شهادة التدريب على الحياة الزوجية، من أجل السماح له بالاقتران بزوجه، يدفعها مع غيرها من الوثائق للحصول على عقد الزواج. وهو اشتراط وجيه يعطي قيمة لهذه العلاقة القدسية التي جعلها الله عز وجل آية من آياته، فقال سبحانه: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

ليس الزواج بابًا ما إن يلجه العروسان حتى ينقلبا شخصين آخرين فيهما كل مواصفات الشخصية المسلمة المكتسبة لمجموع وافر من الصفات الحميدة والخلال الكريمة. بل الزواج بداية لامتحان أشخاص ألفوا العيش بانفراد ليعيشوا جماعة.. أفراد لهم أسرار خاصة، فإذا هي تفقد هذه السمة لتصبح شراكة بين اثنين.. اعتادوا أن يقوموا بكل شيء بمفردهم، فإذا كل ذلك ينقلب إلى عمل جماعي مراقب ومدروس بقصد أو بغير قصد.

إن التدريب على شهادة الزواج لمن أهم المبادرات لأهم حدث في حياة الإنسان. فالمرء يقضي ثلث حياته تقريبًا في الدراسة والتحصيل للحصول على شهادة تخول له وظيفة لا تأخذ منه إلا ثلث وقته اليومي، فكيف لا يخصص الوقت الكافي للتدرب على كيفية دخول (القفص) المسمى ذهبيًا، وحتى يظل كذلك يحتاج صاحبه أن يتسلح بشتى أنواع المعرفة والخبرة في هذا المجال. دورات تدريبية شاملة لكل مناحي الحياة، حتى تعطي ثمارها على أكمل وجه. وهنا يمكن المشاركة ببعض الاقتراحات التي تسهم في تحقيق أهداف هذه المبادرة، وهي كما يلي:

1- دعوة وزارات التربية والتعليم في البلدان العربية والإسلامية إلى إدماج قضايا الزواج وثقافة الحياة الأسرية في مناهجها التعليمية، مع مراعاة التدرج من المستويات الدنيا إلى العليا.

2- إدراج المعاشرة الزوجية أو ما يسمى بالتربية الجنسية في البرامج التدريبية، مع مراعاة خصوصيات المجتمعات المسلمة، بحيث تكون طبيعة الدراسة بطريقة راقية تتلمس تحقيق الهدف دون إثارة للغرائز أو تهييج للعواطف، خصوصًا أن من يكون في دروات التدريب شباب في سن استحكام الشهوة. ولنا في كتاب الله عز وجل خير نموذج، فلو قرأت قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف:189]، لو ظللت تقرأها -كما قال بعض العلماء رحمهم الله- طوال الوقت لما حركت فيك غريزة الشهوة، ولا سببت لك في فتنة، وهذا من إعجاز كلام الله عزوجل، العليم الخبير.

3- تدريب الشباب على مكارم الأخلاق، وهذا يقتضي القيام بمخيمات جماعية للمقبلين على الزواج، بمعية زمرة من العلماء للأخذ عنهم مباشرة، ومصاحبتهم والتلمذة عليهم، وسماع تجاربهم في معاملة الأزواج، وقد قيل:

إن الطباع تسرق الطباعا *** فاختر لنفسك من أطاعا

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (أخرجه أبوداود والترمذي وحسنه ابن حجر).

4- تدريب الشباب على تدبير ميزانية الأسرة وترشيد النفقات، فمن أعظم أسباب الشقاق بين الأزواج إسراف من جانب تضيع معه الحقوق، أو تقتير من جانب يشعل نار الحقد والبغضاء والقطيعة والفجور، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» (أخرجه أبو داود والحاكم وهو في الصحيحة:1462).

5- تخصيص وقت من برامج التدريب لتعليم الأزواج بعض الرياضات والأنشطة الترفيهية حسب اهتماماتهم وميولاتهم، فالعيش في البيت في جو رتيب وحياة مملة يقتل السعادة بين الزوجين، ويشغلهم بعضهم ببعض في مهاترات لا قيمة لها. فلو اشتغلوا بمعالي الأمور لما وجدوا وقتا للسفاسف، وقد قيل: نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالباطل. وقل مثل ذلك عن الاهتمام بالكتب والرحلات والخرجات الأسرية، إضافة لفن التخييم وبروتوكول إقامة بعض الحفلات الهادفة، من حفلات حجاب البنات في الأسرة، أو ختان الابن، أو حفلات حفظ القرآن، أو الحديث، أو بعض المتون، أو الحصول على الشهادات المدرسية.. وقس على ذلك.

6- الاهتمام بالوقت وحسن تنظيمه واستغلاله، فالوقت هو العمر. وكم نرى من أزواج يقضون الساعات الطوال على كراسي المقاهي تاركين زوجاتهم في بيوتهن وحيدات مع الأفلام والمسلسلات. ولو خصصوا بعضًا من هذا الوقت في مجالسة زوجاتهم والاهتمام بهن، بل وإخراجهن في فسح ترفيهية أو مجاذبة أطراف الحديث معهن كما في قصة أبي زرع التي حكتها أمنا عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هي في الصحيح، أو مسابقتهن كما ورد في الحديث، أو صلة أقاربهما وأرحامهما، لكان سببًا في زيادة أواصر المحبة والوئام بين الزوجين.

إن الحياة الزوجية جعلها الله عز وجل سببًا للسعادة والمودة والرحمة والسكن، وقد جعلها بعض المسلمين مرتعًا للشقاق وسوء الأخلاق، بحيث أصبحت المحاكم تعج بقضايا الطلاق والخلع ودعاوى اعتداء الأزواج على زوجاتهم. وذلك كله بسبب جهل المتزوجين بحقوقهم وواجباتهم. فلو تعلموا واكتسبوا خبرة قيادة سفينة الأسرة وأعطوا لهذا الموضوع نفس ما يعطونه من قيمة لرخص السياقة أو الشواهد العلمية لرأينا أمة مرصوصة البنيان شامخة الأركان، فالله المستعان. ولو فهم المسلم الغاية من الزواج وعرف أنه مشروع للآخرة قبل أن يكون للدنيا لما أهان زوجته ولأكرمها غاية الإكرام، ففي الحديث: «المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (صحيح مسلم).

فلنساعد الأزواج في تحقيق مقاصد الزواج، ولتتكاثف جهود الجمعيات النظامية والأهلية في تنزيل هذا المشروع المبارك الذي انبعثت فكرته من أشقائنا المسلمين في ماليزيا.. ولا شك أن هناك بعض المبادرات المشابهة في بعض بلاد المسلمين لكنها تحتاج إلى مزيد تفعيل وإنضاج. وإنه لعمل عسير لكنه يسير على من يسره الله عليه، إذا خلصت النوايا وصاحب العلم العمل.

محمد شعطيط- استشاري تربوي

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي- العدد 589
  • 1
  • 0
  • 16,060

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً