خيار الأئمة

منذ 2014-10-16

قال ابن تيمية، بعد أن ذكر عموم الولايات وخصوصها: "وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأيُّ مَن عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله -بحسب الإمكان- فهو من الأبرار الصالحين، وأيُّ مَن ظلم وعمل فيها بجهل، فهو من الفجار الظالمين".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالُوا: "قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»" (رواه مسلم:1855).

قال العلامة العثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
"الأئمة: يعني ولاة الأمور، سواء كان الإمام الكبير في البلد وهو السلطان الأعلى أو كان من دونه، هؤلاء الأئمة الذين هم ولاة أمورنا، ينقسمون إلى قسمين: قسم نحبهم ويحبوننا، فتجدنا ناصحين لهم وهم ناصحون لنا، ولذلك نحبهم، لأنهم يقومون بما أوجب الله عليهم من النصيحة لمن ولاهم الله عليه، ومعلوم أن من قام بواجب النصيحة فإن الله تعالى يحبه، ثم يحبه أهل الأرض، فهؤلاء الأئمة الذين قاموا بما يجب عليهم محبوبون لدى رعيتهم..

وقوله: «ويصلون عليكم، وتصلون عليهم» الصلاة هنا بمعنى الدعاء، يعني تدعون لهم ويدعون لكم، تدعون لهم بأن الله يهديهم ويصلح بطانتهم، ويوفقهم للعدل إلى غير ذلك من الدعاء الذي يدعى به للسطان، وهم يدعون لكم: اللهم أصلح رعيتنا، اللهم اجعلهم قائمين بأمرك، وما أشبه ذلك.

أما شرار الأئمة: فهم «الذين تبغضونهم ويبغضونكم» تكرهونهم؛ لأنهم لم يقوموا بما يجب عليهم من النصيحة للرعية، وإعطاء الحقوق إلى أهلها، وإذا فعلو ذلك فإن الناس يبغضونهم، فتحصل البغضاء من هؤلاء وهؤلاء؛ تحصل البغضاء من الرعية للرعاة؛ لأنهم لم يقوموا بواجبهم، ثم تحصل البغضاء من الرعاة للرعية؛ لأن الرعية إذا أبغضت الوالي؛ تمردت عليه وكرهته، ولم تطع أوامره ولم تتجنب ما نهى عنه، وحينئذ «تلعنونهم ويلعنونكم» والعياذ بالله؛ يعني يسبونكم وتسبونهم، أو يدعون عليكم باللعنة وتدعون عليهم باللعنة..

إذاً الأئمة ينقسمون إلى قسمين: قسم وفقوا وقاموا بما يجب عليهم فأحبهم الناس وأحبوا الناس، وصار كل واحد منهم يدعو للآخر، وقسم آخر بالعكس شرار الأئمة، يبغضون الناس والناس يبغضونهم، ويسبون الناس والناس يسبونهم، أما حديث عياض بن حمار رضي الله عنه فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق»، وهذا هو الشاهد؛ يعني صاحب سلطان، والسلطان يعم السلطة العليا وما دونها، «مقسط» أي عادل بين من ولاه الله عليه..

«موفق» أي مهتدٍ لما فيه التوفيق والصلاح، وقد هُدي إلى ما فيه الخير، فهذا من أصحاب الجنة.
وقد سبق أن الإمام العادل ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهذا هو الشاهد من هذا الحديث «ذو سلطان مقسط موفق، ورجلٌ رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم» رجل رحيم يرحم عباد الله، يرحم الفقراء، يرحم العجزة، يرحم الصغار، يرحم كل من يستحق الرحمة..

«رقيق القلب» ليس قلبه قاسياً «لكل ذي قربى ومسلم»، وأما للكفار فإنه غليظ عليهم.
هذا أيضاً من أهل الجنة، أن يكون هذا الإنسان رقيق القلب يعني فيه لين، وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم.
والثالث «رجل عفيف متعفف ذو عيال» يعني أنه فقير ولكنه متعفف، لا يسأل الناس شيئاً، يحسبه الجاهل غنياً من التعفف.

«ذو عيال» يعني أنه مع فقره عنده عائلة، فتجده صابراً محتسباً يكد على نفسه، ربما يأخذ الحبل يحتطب ويأكل منه، أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه، المهم أنه عفيف متعفف ذو عيال، ولكنه صابر على البلاء، صابر على عياله، فهذا من أهل الجنة، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم من هؤلاء نصيباًن والله الموفق" (أ هـ).

طريق وصول الحاكم لهذه المكانة في الأمة:
قال ابن تيمية، بعد أن ذكر عموم الولايات وخصوصها: "وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأيُّ مَن عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله -بحسب الإمكان- فهو من الأبرار الصالحين، وأيُّ مَن ظلم وعمل فيها بجهل، فهو من الفجار الظالمين" (مجموع الفتاوى:28/68).

وقال أيضًا: "يجب على كلِّ ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذَّر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل" (مجموع الفتاوى:28/68). 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 6,646

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً