أكلة النار

منذ 2014-10-23

فتنة المال من أعظم الفتن التي يفتن الناس بها، وقد ورد في الحديث أن فتنة النساء أضر الفتن على الرجال، ولكن المال يأتي بالنساء، ولا تأتي النساء بالمال، والمال يذلل أعناق الرجال.

الحمد لله الجواد الكريم، الغني الحميد؛ {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى:12] نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق الأرض وما عليها، وسخر للبشر خيراتها، وفجر لهم كنوزها {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ دعا ربه سبحانه أن يكون رزق آل محمد قوتًا، ولم يدخر من أودية المال شيئًا، فكان ينفقها في سبيل الله تعالى ويبيت طاويا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأنقذوا أنفسكم، واستبرئوا لدينكم باجتناب ما تشابه عليكم، واتركوا ما تظنون به بأسًا إلى ما لا بأس فيه؛ «فإن الحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَالحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ» ( رواه البخاري).

أيها الناس:
فتنة المال من أعظم الفتن التي يفتن الناس بها، وقد ورد في الحديث أن فتنة النساء أضر الفتن على الرجال، ولكن المال يأتي بالنساء، ولا تأتي النساء بالمال، والمال يذلل أعناق الرجال، ويُوَطِئُ أكنافهم، ويحرفهم عن مبادئهم، ويغير أخلاقهم.

والمال عز لأصحابه؛ تشترى به المواقف، ويُكثر به الأتباع، وتوطأ به الأعقاب، وتنال به جميلات النساء. وتتوجه بوصلة السياسة حيث يوجد المال، وتمويل الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية، وتغيير الولاءات في الدول والأحزاب والأفراد إنما كان بسبب أموال تضخ لإنجاح أناس وإسقاط آخرين. بل حتى الأمن في الأرض صار سلعة تدار بالمال، وهذا يبين أهمية المال للأفراد والدول، وأنه من الفتن العظيمة التي يسعى أكثر الناس في طلبها، وبعضهم يبذل عرضه وكرامته دونها، ومنهم من يبيع دينه وإيمانه لأجلها، وصدق الله العظيم حين قال في محكم التنزيل {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] وفي آية أخرى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46] ولم يذكر النساء في الآيتين مع أنهن أجمل شيء يتمتع به الرجال؛ وذلك لأن المال يأتي بهن، ولا يأتي المال بالبنين، كما لا تأتي النساء بالمال.

ولما كانت فتنة المال تأخذ بقلوب الناس هذا المأخذ، وتؤثر في أحوال الأفراد والدول والأمم هذا التأثير؛ كان أكثر سعي البشر وعملهم وجدهم في تحصيل المال، وفي جمع المال أنفقوا أكثر أوقاتهم وأعمارهم، وهو أكبر ما يشغل تفكيرهم، ويسيطر على أذهانهم. وأكثر الحروب تسعر لأجل الاستزادة من المال إما لأجل عقد صفقات ضخمة للتسلح، وإما لغرض الاستيلاء على أراض مملوءة بالكنوز والثروات. وفي الفكر الرأسمالي يُضحى بالملايين من البشر لأجل المال، ولا يضحى بالمال لأجل البشر.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم شدة افتتان هذه الأمة بالمال فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» (رواه الترمذي وصححه)، وفي حديث آخر عند ابن حبان قال عليه الصلاة والسلام «أَلَا إِنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَهْلَكَا مَنْ كَانَ قبلكم وهما مهلكاكم».

وهلاك هذه الأمة بسبب المال يعني: أن الورع يقل فيهم، ويكثر فيهم اقتحام المتشابه من المال، ثم الولوج إلى الحرام، وخاصة في آخر الزمان؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ» (رواه البخاري).

ولذا كان في السلامة من أكل المال الحرام سلامة من النار، وكلما كثر مال العبد كان على خطر من الوقوع في الحرام بقصد حفظ ماله وتنميته، وانفتاح شهيته للاستزادة منه؛ وقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ، إِنَّ الْمُكْثِرِينَ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» وَقَلِيلٌ مَا هُمْ (رواه أحمد).

إن من يأكل مالا حراما فإنما يأكل نارًا، ومن يطعم أهله وولده حراما فقد غشهم وما نصح لهم، وفي الحديث «إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ» وفي رواية: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ».

ومجالات أكل النار كثيرة؛ ابتلاء من الله تعالى للبشر:
فأكل مال الضعفة من النساء واليتامى، واستحلال مواريثهم، ومنعهم حقوقهم طريق إلى النار {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]. ومن السبع الموبقات أكل مال اليتيم.

ومن أكل النار:
بيع شيء من الدين بكتمانه أو إباحة محرم أو إسقاط واجب لأجل شيء من الدنيا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174].

ومن أكل النار:
التعامل بالربا  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:130-132] وهو حرب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى لمن لم يتوبوا من الربا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279].

وآكل الربا يعذب بعد موته عذابًا شديدًا؛ ففي حديث الرؤيا قال النبي صلى الله عليه وسلم «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا» وفي آخر الحديث قال: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا» ( رواه البخاري). ويبعث آكل الربا من قبره كالمجنون يتخبط، قد أثقل بطنه ما أكل من الربا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275].

ومن أكل النار:
أخذ الرشوة، فيمنع صاحب الحق حقه إلا بأن يرشيه، وهي السحت الذي ذم الله تعالى أهل الكتاب عليه فقال سبحانه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42] وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، «ولَعَنَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم الراشِيَ والمُرْتَشِيَ» (رواه أبو داود).

ومن أكل النار:
التخوض في المال العام بلا حق، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» (رواه البخاري).

وفي مجاهد مات شهيدًا في المعركة فقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» ( متفق عليه). وفي حديث آخر قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا تَغُلُّوا؛ فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (رواه أحمد).

وما كان هذا التشديد في المال العام إلا لأن حقوق مجموع الناس متعلقة به، وكلما كثروا كثر الإثم، ولأن التخوض فيه بغير حق بوابة الفساد، وسبب الكساد، ومهما عظمت الموارد فإن التخوض في المال العام يقضي عليها، ويمحق بركتها.

ومن أكل النار:
التعامل بالقمار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91].

ومن أكل النار:
الغش في البيع والشراء {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:1-6].

ومن أكل النار:
أن يتاجر في المحرمات، فما يكسبه منها فهو سحت، أو يُستأجر في عمل محرم، فأجرته عليه سحت. وفي حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ» ( رواه مسلم).

وصور أكل النار كثيرة، يجمعها أصلان:
الأول: مال لأحد من الناس يستولي عليه آكل النار بالسرقة أو النهبة أو الغصب أو نحو ذلك.
والثاني: مال حصل عليه آكل النار بعقود محرمة كالربا والرشوة والقمار وبيع المحرمات ونحوها. وكله من أكل المال بالباطل.

فعلى المستبرئ لدينه وعرضه أن يجانب المشتبه من المال والمعاملات، فضلًا عن المحرم الصريح منها، حتى يلقى الله تعالى وهو خفيف الظهر من الأموال المحرمة.

نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمن سواه، والحمد لله رب العالمين.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واكتفوا بالحلال القليل عن الحرام الكثير؛ فإن القليل إذا بورك عظم نفعه، واكتفى به صاحبه، وإن الكثير الذي محقت بركته يكون شؤمًا على صاحبه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «... إِنَّ هَذَا المَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ» (رواه الشيخان).

إن الذين يأكلون الحرام يطلبون المال للعز به وللرفاهية، ولا خير في عز مؤقت يعقبه ذل أطول منه وأشد، ولا نفع في رفاهية عاقبتها عذاب أليم. وذل الفقر في الدنيا أهون من ذل الفقر في الآخرة، وحرمان الرفاهية في الدنيا أهون من حرمان نعيم الجنة.

وأكلة النار إن تصدقوا لا تقبل صدقاتهم؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... مَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عليه».

وأكل الحرام يمنع إجابة الدعاء، وقد ذَكَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» (رواه مسلم).

وقد راقب أحد المعاصرين خلال ثلاثين سنة تقريبًا من اجتنبوا الحرام، ومن وقعوا فيه من قرابته وزملائه ومعارفه، فوجد أن الذين اجتنبوا الحرام مع قدرتهم عليه أصلح الله تعالى لهم أسرهم وأولادهم، وحظوا ببرهم، واستقام لهم عيشهم، ورزقوا سعادة لم ينلها غيرهم، وأن الذين تخوضوا في المال الحرام فسدت أسرهم، واجترأ عليهم أولادهم فعقوهم، وصار مالهم وبالًا عليهم.

فالحذر الحذر من الكسب الحرام وإن زينه المزينون، ودعا إليه الداعون، وزخرفه المزخرفون؛ فإن اجتنابه من أوله أيسر من التخلص منه بعد الانغماس فيه.. وكم من ثري بنى تجارته على الحرام، وندم على ذلك بعد حين، لكنه لا يستطيع التخلص من ثروته.. وإذا عود الإنسان نفسه على اجتناب المتشابه اجتنب المحرم الخالص ولا شك، وهان عليه ذلك، ولم ينغص عيشه شيء. وليس للعبد من الدنيا إلا ما قدر له، لكن عليه غرم ما جمع من الحرام، ولغيره غنمه.

وصلوا وسلموا على نبيكم..

 

18/10/2014 ميلادي - 24/12/1435 هجري

  • 4
  • 0
  • 13,655

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً